متحف الدمى في بكين يروي التراث الثقافي غير المادي للصين
المدينة نيوز :- وفاء زيناتية- على ضفاف مياه قناة بكين-هانغتشو الكبرى، وتحديدا في قرية شيدنغ الوادعة التابعة لبلدة تشانغ جياون القديمة بمنطقة تونغجو، يقع متحف تانغ رنغفانغ لفن الدمى المصنوعة من الحرير.
ويضم المتحف بين جنباته وفي واجهاته الزجاجية، دمى مزركشة بألوان زاهية وبأطوال تتراوح بين 10-40 سم مصنوعة بحرفية عالية وبتفاصيل دقيقة لشخصيات مرتدية الأزياء التقليدية الصينية، المستمدة من التاريخ والثقافة والأساطير الشعبية الصينية وأوبرا بكين، وتروي بطريقة عرضها المبهرة جانبا من التاريخ والتراث الثقافي المتنوع لهذا البلد الذي تمتد جذور حضارته إلى آلاف السنين.
ويهدف متحف فن الدمى الحريرية (تانغ رنغفانغ)، إلى حماية الموروث التراثي ونشر وتطوير التراث الثقافي وديمومته، فضلا عن التزام المتحف في الترويج والتطوير لهذه الحرفة التقليدية، ورفع الذائقة الثقافية العامة.
وقالت مديرة المتحف ومُؤَسِسَته تانغ يان، في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، المتتلمذة على يد الحرفي الصيني المعروف يانغ نيهوي ووارثة فن الدمى الحريرية، إن المتحف يهدف كذلك إلى الحفاظ على هذه الحرفة من الانقراض وديمومتها من خلال تنظيم العديد من الدورات والدروس في الغرف التدريبية التابعة للمتحف، وضمن رؤية تجعل هذه الأنشطة أكثر تنوّعا وحيوية وإثارة للاهتمام بالثقافة الصينية.
وتابعت تانغ يان وهي مهندسة في تكنولوجيا المعلومات وغيّرت مسارها المهني عام 2004 لتؤسس شركة "تانغ رنغفانغ" لفن الدمى المصنوعة من الحرير بسبب شغفها بهذا الفن منذ الصغر، إن المتحف ومنذ تأسيسه ساهم في تدريب أكثر من 300 فتاة من جميع أنحاء الصين على هذه الحرفة التقليدية التي يحتاج إتقانها لفترة قد تمتد لسنوات نظرا لما يحتاجه هذا الفن من موهبة ومهارة عالية ودقة في العمل كي تمثل الدمية الشخصية الحقيقية بكافة ملامحها.
وأوضحت أن المتحف والشركة التي تديرها حصلت على دعم حكومي؛ نظرا لإيلاء الحكومة اهتماما كبيرا في مجال التراث الثقافي غير المادي ودعم ريادة الأعمال في هذا المجال، خاصة في السنوات الأخيرة.
وكانت الصين العام 2019، أدرجت 40 عنصرا من تراثها الثقافي غير المادي في قوائم التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، لتحتل بذلك المرتبة الأولى في العالم في ذلك العام.
ويعتبر فن صناعة الدمى المصنوعة من الحرير، فنا قديما تعود نشأته الى زمن أسرة هان الحاكمة (202 قبل الميلاد- 220 بعد الميلاد)، فيما تشكّل هذا الفن في عهد أسرة تانغ الحاكمة (618-907) ميلادي، وانتشر في عهد أسرة سونغ (960-1297) ميلادية، وفي أواخر عهد أسرة تشونغ وبداية حكم الجمهورية الصينية (1900-1912)، كان يمكن مشاهدة هذه الدمى تباع في الأسواق.
وحظي هذا الفن الحرفي التقليدي، الذي يتم تبادل منتوجاته كهدايا شخصية لجلب البركة والطاقة الإيجابية ووفرة الأولاد في البيت، بالدعم الحكومي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية العام 1949، خاصة وأن هذا الفن شهد انقطاعات بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية.
وسخّر العديد من الفنانين أنفسهم لهذا الفن الحرفي التقليدي وإضفاء الطابع العصري الحديث عليه من خلال تطويره، والتوسّع في حجم إنتاجه وإظهار جمال هذا الفن الصيني للعالم ومد جسور الصداقة والاحترام من خلاله.
وتجمع قاعات المتحف أكثر من 100 عمل فني حريري مذهل، وألفين من الدمى المصنوعة من الحرير المعروضة للزائرين بأحجام وأشكال مختلفة؛ ويخصص أجنحة تضم دمىً لشخصيات عالمية مشهورة في الوقت الحاضر؛ بغرض تقديم هذا الفن المتميز على الصعيدين الوطني والعالمي والترويج له ثقافيا.
وتشير تانغ يان، التي تمثل شركتها والمتحف الذي قامت بتأسيسهما نموذجا مثاليا للشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص من أجل الترويج لفن الحرف التقليدية ذات القيمة الثقافية، إلى أن المتحف حصل على العديد من الجوائز التقديرية في العديد من المناسبات.
وتشير الى أنها تقوم بالترويج والتسويق لهذه المنتجات من الدمى من خلال متاجر خاصة في المناطق الثقافية كالقصور الإمبراطورية والمسارح الوطنية وغيرها، فضلا عن وجود منصة افتراضية لتسويق هذه المنتجات والترويج لهذا الفن الحرفي التقليدي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة والحفاظ عليه وديمومته.
وتعرّف منظمة اليونسكو "التراث الثقافي غير المادي"، بالممارسات والتقاليد والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي.
وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة وبما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو يُنمّي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية.
--(بترا)