كيف سيطرت المهرجانات الغنائية على الذائقة العربية؟
المدينة نيوز:- مع بدء الأزمات والاحتجاجات في الوطن العربي مطلع العقد الماضي، انطلق معها تغيير جذري في الكثير من المفاهيم والأنماط السائدة طوال العقود الماضية.
ومن أبرز تلك التغيرات المصاحبة، التغير الجذري في النمط الفني المطروح عبر الأغاني، التي مثلت الحقبة السابقة، وناقشت الطوباوية الاجتماعية والعلاقات العاطفية والأمل بالمستقبل.
لكن، ولأن مفهوم الثورة يشتمل التغيير الجذري المفاجئ، ثار الفن، وانطلق في هيئة جديدة في الوسط المصري والعربي، متخذًا مزيجًا من موسيقى الراب الأمريكية، وموسيقى ”التكنو“ التي برزت في أمريكا، في سبعينيات القرن الماضي، وسمي في الوسط العربي هذا المزيج بالمهرجانات.
وبدأت فكرة المهرجان الغنائي من محاولات غناء الراب، لشبان مصريين عبر فرقة ”الدخلاوية“، وكان أبرزهم أحمد فيلو، وجاءت محاولاتهم كنمط من التمرد على الواقع الاجتماعي والسياسي الذي عاشته مصر قبل فترة 2007، وما سبقها من مسوغات.
إيقاع وشعر
والمهرجان الغنائي يقوم على نمطية الراب الغربي، (RAP) المختصر لجملة (Rythem and Poetry) وتعني الشعر والإيقاع، وهو بالفعل ما تم طرحه في المهرجانات الشعبية، فتصطف الكلمات على الإيقاع الثابت، دون ثيمة لحنية مكتوبة على النوتة الموسيقية، وتمضي بشكل عشوائي..
لكن المنتج النهائي يقوم بجذب الآذان ويثير الفضول لسماع محتوى الكلمات الشعبية المارة، بالتتابع، على الإيقاع بأداء لأصوات قد لا تصلح للغناء، لكن الصوت لا تظهر عيوبه، تحت تأثير ”الأوتتيون“.
المهرجان الأفريقي الأمريكي
ولعل من اللافت أن حيثيات نشأة ”الراب“ عبر الأمريكيين الأفارقة، جاءت كتمرد على فن ”الجاز“ الكلاسيكي الغربي، الذي لم يكن يعبر عن معاناة الأفارقة حينها، مع العنصرية اللونية والعبودية، والمنطلق الشعوبي ذاته تكرر مع انطلاق المهرجان الغنائي..
إذًا، جاء معبرًا عن الصوت الشعبي المنغمس في مشاكله اليومية مع الفقر والحاجة، والعنف والخيانات والمخدرات، وكتعبير عن رفض الحياة بشكلها الدارج، دامجة كافة الإشكاليات التي يواجهها المجتمع الشعبوي.
وكما لم يجد الأفريقي الأمريكي نفسه في أغنية الجاز، لم يجد المصري الشعبوي نفسه في الأغنية الكلاسيكية.
وكانت الرؤية المشتركة بينهما، أن الفن السائد لا يعبر عن الصوت الحقيقي للمجتمع.
جدل كبير
ولم يلق المهرجان بداية، القبول لدى معظم الأصوات في المجتمع، وكان الانتقاد دومًا، تجاه هذا النوع من الغناء للإسفاف، والكلمات الشعبية الرديئة، لكنه ساد وسيطر في المناطق الشعبية المصرية وانتشر بفعل قنوات ”اليوتيوب“، ولم يعد فرح مصري إلا ويقوم على المهرجان الغنائي.
ومع الوقت هيمنت المهرجانات بشكل غير متوقع، على الساحة الفنية المصرية، وأثارت جدلًا كبيرًا بين عموم المجتمع العربي.
وأدى انتشار المهرجان الغنائي في البيوت، ورواجه بين الأطفال والمراهقين والشباب، إلى انتفاض الكثير من المثقفين المصريين والموسيقيين، مطالبين بمنعه.
آراء
ويقول المتخصص في علم الاجتماع جمال أبو شنب، في فيلم وثائقي سابق، حول الموضوع ”المهرجان يعكس الخلل في الواقع الثقافي والاجتماعي الممتد لأعوام طويلة، ويجسد الانحدار في الذوق العام“.
ويرى المؤلف الموسيقي حسن شرارة، أن ”فن المهرجان يمثل مرآة للشعب المصري في هذا العصر.. من الطبيعي أن يرتقي الفنان بالذوق العام ولا يسهم في تدميره“.
وأسهم انتشار المهرجان الغنائي، في زيادة الطلب عليه في الأفراح المصرية والعربية، وهو ما قلل من الطلب على المطربين السابقين..
فبدلًا من استدعاء إيهاب توفيق ومحمد فؤاد ومصطفى قمر، للغناء، يتم استدعاء حمو بيكا، أو شاكوش أو عمر كمال، ما أسس لمرحلة جديدة عززت من استقطاب شركات الإنتاج الفني المصرية لمطربي المهرجانات لإنتاج أعمال جديدة، وتراجعت شعبية المطربين المكرسين في المجتمع المصري والعربي.
منع
وخاض نقيب الموسيقيين المصري هاني شاكر، المستقيل، حربًا ضد فناني المهرجانات بحجة الإسفاف، وأنها لا تمت للغناء بِصلة، وكذلك، عدم تمثيل المهرجان للشعب المصري..
وكان آخر قراراته، منع 19 فنان مهرجانات، من الغناء في الحفلات في مصر، وتمنى أخيرًا أن يمتلك السلطة لمنع هؤلاء الفنانين من الغناء في السعودية، حيث يتم استقطابهم للغناء عبر وزير الترفيه السعودي تركي آل الشيخ.
صراع
وصرح المطرب عمر كمال، في إحدى مقابلاته التلفزيونية بأنه توجه لغناء المهرجانات بسبب ازدياد الطلب على مطربي هذا النوع، وأنه يغني النوعين ولا يكترث بالانطباع التقليدي حول المهرجان ومطربه، فما يهمه أن ”يعمل ليعيش“، والمطرب التقليدي لا طلب عليه بعد هيمنة المهرجان الغنائي.
تطور تلقائي
هذا التغير للون الجلد الغنائي، وما يتبعه من صناعة، وما يلتف حوله من مكونات للذوق العام، بالطبع لا يستطيع إلغاء مسيرة طويلة للفن الكلاسيكي وفن البوب المصريين، اللذين خاضا الصراع ذاته في ثمانينيات القرن الماضي، وكان ينتقد حميد الشاعري وعمرو دياب، وقتها، مثلما ينتقد شاكوش وعمر كمال، حاليًّا.
ربما بفعل التطور التلقائي لأدوات الحياة، وامتداد الثقافات بين الشعوب، والتغيرات الاجتماعية المصاحبة، ينشأ لون جديد وذائقة مغايرة للفن.
المصدر:إرم نيوز