بين بلاو والشطرنج
أن نعلم الحقائق شيء ، و أن نستطيعها و نتقبّلها كمنهج حياة شيء آخر ، و في الصراع بين الحالتين نفقد الكثير من حقائق ذواتنا و نضيّع ما عشنا عمراً كاملاً نبحث عنه لحظة ما وجدناه .
هو يعني لها الكثير ، و لطالما تقدّمت نحوه لاهثةً تبوح بكل ما يعتري روحها من شوقها إليه ، لكنّه رجلُ الحياد دائماً ، يكتفي بالتفرّج على حرائقها الداخلية ، و بين صدى صمته و تردّده يتركها معلّقة و يرحل .
كانت تعي تماماً أنّ بيتر بلاو لم يبتعد كثيرا عن قواعد الشطرنج عندما صاغ مبادىء نظريّته في التبادل الاجتماعي ، و بيّن أنّ الحياة التي نعيشها عملية أخذ و عطاء و تبادل بين شخصين , و تتعمق العلاقات و تزدهر إذا كان هناك ثمّة موازنة بين الأخذ و العطاء . لكنّها تجاهلت كل هذا ، و منحت الوزير إجازة و غادرت قلعتها و جاءته مجردة من كل الجنود و همست :
- " أحبك "
صمت ، صمت طويلاً .
كان يفاضل بين مربّع وآخر، حائراً أيَ جنديَ سيحرّك حتى يحمي ملكه .
- " سكنتني " . قالت متقدّمةً مربعاً آخر .
وفقاً للشطرنج و بلاو كان عليه أن يقول :
- " و أنت أيضاً " .
لكنّه تراجع مربعاً قبل أن يبدأ اللعب ، و أدار ظهره لكلّ ما سطره بلاو متسائلاً :
- بهذه السرعة ؟! .
راودتها نفسها بالانسحاب ، فكرت مليّاً ، ما زال بوسعه أن يتقدّم ، فلم يتراجع سوى مربع واحد ، و انطلاقاً من رأي بلاو القائل " أنّ الاختلال بين الأخذ و العطاء لا يسبب قطع العلاقة بل تقويتها و ديمومتها حيث أن الطرف الذي يعطي أكثر يجعل الطرف الآخر يشعر أنه تحت مسؤولية تقديم المكافآت بسبب ما يقدمه الطرف الأول له . " وفقاً لذلك و أملاً منها بمكافأته لها قرّرت أن تعطيه فرصةً أخرى و قالت :
- " أريدك الآن ... أريدك اللحظة " .
تلعثم أمام تقدّمها الجارف ، اربتك أمام سطوتها على رقعة الشطرنج ، غاب عنه كلّ ما قاله بلاو و كأنّه لم يقرأه و لم يعه ، فردّ قائلاً :
- " لا أعرف .... أنت عجولة جدا ... امنحيني وقتاً للتأكد من حقيقة مشاعري " .
جاهلاً بشطرنج الحب كان ، خاوياً من جوهر كلً أُسس النظريّات الاجتماعية ، فلو فهم قول بلاو :
" العلاقات تنقطع أو تتحوّل إلى علاقات هامشية إذا اختلّ مبدأ التوازن بين الأخذ و العطاء بين المتفاعلين . " لعلم أنّه بردوده هذه قد خسرها ، و لو كان يمتلك أدنى معرفة بقواعد الشطرنج لوعى أنّها سمحت له بكشّ ملكها الذي لم يكن سوى قلبها عندما همست أحبك .