التصدي للحكومة الفاشية ينهي الأحلام الصهيونية
ليس أخطر على الشعب الفلسطيني وربما على الأمة العربية والإسلامية من حكومة نتنياهو السادسة، اليمينية المتطرفة، الرجعية المتخلفة، الأصولية الجامدة، العدمية الخشبية، العنصرية الفوقية، التي لا ترى غير اليهود أهلاً للحياة والعيش في فلسطين المحتلة، وهم الذين وفدوا إليها من شتاتٍ لا ينتمي إليها ولا يرتبط بها، فاستوطنوا فيها هجيناً متناقضاً، ونسيجاً ملفقاً، وجماعاتٍ لا جذور لها في أرضنا، ولا تاريخ لهم فيها، إلا ما افتروه كذباً وبهتاناً، وما زوروه عمداً وعناداً.
هذه الحكومة كما كل الحكومات الصهيونية السابقة، لا تختلف عنها ولا تتناقض معها، لكنها أوضحها وأغباها، وأسودها وأسوأها، لا تؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وتحاربهم فوق ترابه وتحته، وتحاصرهم في بره وبحره، وتمنع عنهم سماءهم وفضاءهم، وتنكر أنهم الأصل وأنهم أصحاب الأرض بلا منازعٍ أو شريكٍ، ولا تعترف بأن هذه البلاد بلادهم قبل أن يكون اليهود وتتشكل هويتهم أو يظهر دينهم، فهم الذين عمروها وسموها، وبنوا مدنها وعلَّو أسوارها، وعاشوا فيها وقاتلوا من أجلها، وفيها سمت قوميتهم ونطق بالضاد لسانهم، فكانوا فيها هم العرب الأوائل، نسل كنعان وعدنان وقحطان، ثم كانوا أبناء الفتح الإسلامي العظيم، ونصارى الأرض المقدسة الأوائل.
هذه الحكومة البغيضة وإن كانت غبيةً ضحلة الفكر وعديمة التجربة، وتظن أنها بعصاها الغليظة وأفكارها المتطرفة تستطيع أن تروض الشعب الفلسطيني وأن تخضعه، إلا أنها حملت معها الأحلام اليهودية القديمة، واستعادت الأطماع الصهيونية الأولى، واستحدثت أهدافاً جديدةً، ورسمت غاياتٍ كبرى، مما يجعلها الحكومة الأخطر، التي يجب علينا التصدي لها ودق عنقها، وتحدي سياستها وكسر إرادتها، وضربها على رأسها لتصحو وتستفيق من سكرتها، وتؤوب إلى رشدها وتعي حقيقة أمرها، تعترف بحقوق الآخرين وتقف عند حدودها، وإلا فإنها قد تمضي قدماً في مخططاتها، وتحقق ما عجز السابقون من أسلافها على تحقيقه.
نشأت هذه الحكومة وتشكلت على مجموعةٍ من المبادئ والأهداف التي فرضتها أحزابها ووقع عليها رئيسها، وصادق عليها أعضاء الكنيست ووافقوا على جميع بنودها، فهي تريد الأرض الفلسطينية كلها لليهود وحدهم، ولا تريد لأحدٍ أن يشاركهم العيش فيها، إلا أن يكونوا جالياتٍ أو سكاناً يقيمون فيها بموجب تصاريح إقامة مؤقتة، تخضع لشروطٍ كثيرة وتلتزم بضوابط عديدة، ويجوز للحكومة الإسرائيلية سحبها ممن تريد وحجبها عمن لا تريد أن يقيم فيها.
وهي لا تعترف بالسلطة الفلسطينية ولا تريد التعامل معها، وتريد أن تحولها إلى سلطاتٍ محليةٍ، تقوم بأعمال الخدمة البلدية بموجب القوانين الإسرائيلية التي تفرضها الإدارة المدنية الإسرائيلية، التي يديرها ويسيرها وزير المالية الوزير في وزارة الجيش الإسرائيلي بتسليئيل سموتريتش، الذي لا يؤمن بسيادة السلطة ولا يقبل بالصلاحيات الضيقة الممنوحة لها، ويريد أن يضيق عليها ويحاصرها أكثر، ويصادر أموالها ويمنع حركة مسؤوليها، ويتطلع إلى معاقبة المتمردين فيها والرافضين لسياسات حكومته ضدها.
وهي تريد أن تنزع الجنسية "الإسرائيلية" عن كل فلسطيني من سكان القدس الشرقية والأرض المحتلة عام 1948، يثبت إدانته بالقيام بعمليات مقاومةٍ "قومية" ضد أهدافٍ إسرائيليةٍ، وتريد بعد انتهاء فترة عقوبته في السجن أن تطرده من منطقة سكنه في "دولة إسرائيل" إلى سوريا ولبنان، أو إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما ثبتت الأطراف المشاركة في الحكومة موقفها المؤيد لفرض عقوبة الإعدام، وتنفيذها فعلياً بحق أي فلسطيني أو عربيٍ يدان بقتل مستوطنين إسرائيليين.
وتريد الحكومة الإسرائيلية الجديدة تغيير شكل وهوية الأرض الفلسطينية، فهي تتطلع إلى تهويد الشطر الشرقي من مدينة القدس تهويداً كلياً، فلا أسماء عربية، ولا معالم إسلامية، ولا مقابر تاريخية، ولا مقدساتٍ دينية، والمسجد الأقصى الذي يعملون على إخضاعه بالكامل للسيادة الإسرائيلية، التي لا تعترف بمسؤولية وزارة الأوقاف الأردنية عليه، يريدونه مشاطرةً بين الفلسطينيين واليهود، دون تحديدٍ لمكانٍ أو زمانٍ يضيق عليهم حرية زيارة مقدساتهم في رحابه والصلاة فيها، فهو مفتوحٌ لهم على امتداده كله على مدى الساعة والأيام.
أما البؤر الاستيطانية المبعثرة على الأرض وفوق الجبال، فهي مستوطناتٌ قانونيةٌ مشروعة، تشق لها الطرق وتُعَبدُ، وتقدم لها الخدمات وتُيَسرُ، ويقوم الجيش على حمايتها، وتتعهد الحكومة بتمويلها وتوسيعها، وتحسين ظروف العيش فيها، وتزويد المستوطنين بما يلزمهم للحياة فيها.
تلك هي الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهذه بعض أهدافها، وما تخفيه في جعبتها أكثر، وما تنوي فعله أخطر، لذا فإن مقاومتها واجب، والتصدي لها فرض، وإفشالها نصرٌ، وإحباطها هزيمة للمشروع الصهيوني وإنهاءٌ له، والمسؤولية في ذلك فلسطينيةٌ عربيةٌ، وربما أمميةٌ إسلامية، وإن الذي هزم من سبقها ومرغ أنف من جعجع قبلها، قادرٌ بإذن الله على هزيمتها وكسر شوكتها، وإجبارها على التفكك والرحيل.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي