التوجيهات الملكية تؤسس لمرحلة جديدة في مسيرة المئوية الثانية
المدينة نيوز :- يستحضر الأردنيون في عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني الحادي والستين، مسيرة الإنجاز الوطني خلال الأعوام المئة الماضية بقيادة الهاشميين، متطلعين إلى المستقبل بثقة خلف جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، نحو مزيد من التطوير والتحديث والبناء على ما انجزه الآباء والأجداد، مستلهمين مبادئ العدالة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وقيم الدولة الأردنية المتمثلة بالوسطية والاعتدال والتسامح والحرية والكرامة، ومتمسكين بمبادئ الثورة العربية الكبرى وتراثها الأصيل.
وأعلن جلالة الملك البدء في تنفيذ مشروع تحديث الدولة بمساراته الثلاثة السياسية والاقتصادية والإدارية العام الحالي، وصولا إلى برلمان قائم على التعددية الحزبية البرامجية، بالتوازي مع تحديث اقتصادي يوفر على مدى عشر سنوات مليون فرصة عمل ، ويحقق نموا اقتصاديا يقارب 5 بالمئة، إلى جانب إنفاذ خارطة تحديث القطاع العام لتفعيل وتمكين القطاع العام من العمل كوحدة واحدة للتنمية ورفاه المواطن، وبما يتماشى مع التحديث الاقتصادي.
تحديث المنظومة السياسية
وجه جلالة الملك عبدالله الثاني في 10 حزيران 2021 رسالة إلى سمير الرفاعي يعهد إليه فيها رئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي تكونت من (92) عضوا من بينهم (18) سيدة يمثلون المجتمع الأردني، واتسمت بالتنوع والتعددية؛ فشملت التيارات السياسية والفكرية على اختلافها، وراعت الفئات العمرية والمكونات الاجتماعية كافة.
وبينت الرسالة الملكية أن الهدف العام هو إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية تضمن مواصلة عملية التطوير لضمان حق الأردنيين والأردنيات في ممارسة حياة برلمانية وحزبية ترتقي بديمقراطيتهم وحياتهم وصولا إلى برلمان قائم على كتل وأحزاب برامجية.
وحددت الرسالة مهام اللجنة بوضع مسودتي مشروعي قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بهما وآليات العمل النيابي، بالإضافة إلى تقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة.
وتسلم جلالة الملك في 3 تشرين الأول 2021، نتائج وتوصيات توافقت عليها اللجنة، حيث أكد جلالته أن المنظومة تشكل مرحلة جديدة ومفصلية ضمن مسارات تحديث الدولة في مطلع مئويتها الثانية، والتي تمضي بشكل متواز مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تعمل الحكومة على تنفيذها.
وأقرت الحكومة في 7 تشرين الثاني 2021 ،التعديلات المتعلقة بمشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما مع تعديلات إضافية اقترحتها الحكومة، وأرسلتها إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال لمناقشتها خلال دورته العادية، ومع نهاية آذار 2022 استكمل مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان مراحل إقرار تشريعات تحديث المنظومة السياسية.
وجاء تعديل الدستور الأردني الذي شمل 25 مادة، ترسيخا لمبدأ سيادة القانون وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز استقلالية العمل البرلماني بما يضمن فعالية الكتل النيابية البرامجية، ويكفل الدور الدستوري الرقابي لأعضاء مجلس الأمة وتطوير الأداء التشريعي وتعزيزه والنهوض به، وتمكين المرأة والشباب وذوي الإعاقة وتعزيز دورهم ومكانتهم في المجتمع، وتطوير آليات العمل النيابي لمواكبة التطورات السياسية والقانونية التي شهدها النظام الدستوري الأردني منذ صدور الدستور في عام 1952 بما يعزز منظومة العمل الحزبي والحياة السياسية بشكل عام.
ومنح التعديل أعضاء مجلس النواب الحق في اختيار رئيس المجلس وتقييم أدائه سنويا ومنح ثلثي أعضاء المجلس حق إقالة رئيسه، بالإضافة إلى تحصين الأحزاب السياسية وحمايتها من أي تأثيرات سياسية، وإناطة صلاحية الإشراف على تأسيسها ومتابعة شؤونها بالهيئة المستقلة كونها جهة محايدة ومستقلة عن الحكومة بما يعزز مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والنأي عن أي تأثيرات حكومية، وتوحيد الاجتهاد القضائي الصادر في الطعون المقدمة بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب، وتكريس مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين المترشحين للانتخابات النيابية، وتكريس قاعدة عدم تضارب المصالح وتشديد القيود على التصرفات والأعمال التي يحظر على أعضاء مجلسي الأعيان والنواب القيام بها أثناء عضويتهم، فضلا عن إنشاء مجلس للأمن الوطني والسياسة الخارجية ليتولى جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن المملكة والأمن الوطني والسياسة الخارجية.
ويستهدف قانون الانتخاب تطوير السلوك الانتخابي ليكون الاختيار على أساس البرامج لا الأفراد ضمن 3 مراحل، تبدأ بنسبة 30 بالمئة من مقاعد البرلمان للأحزاب والتحالفات الحزبية، وصولا إلى نسبة 65 بالمئة خلال السنوات العشر المقبلة، مع استحداث دائرة عامة للأحزاب (41 مقعدا)، والمحافظة بنفس الوقت على المكتسبات على مستوى الدوائر المحلية (97 مقعدا) ، كما يمنح الناخب صوتين، ويستحدث نسبة حسم (عتبة)، و يخفض سن الترشح إلى 25 سنة، ويشدد العقوبات على الجرائم الانتخابية، فيما أعاد قانون الأحزاب السياسية تعريف الحزب، بما يتيح له تشكيل الحكومات والمشاركة فيها، ويحفز المشاركة السياسية، ويكسر حاجز الخوف من العمل الحزبي والسياسي، مع تحديد مدد زمنية للأحزاب لترتيب أوضاعها والاستعداد للانتخاب النيابية المقبلة، إذ يحدد القانون مدة سنة واحدة منذ تاريخ نفاذه (7 أيار 2022)، لغايات تصويب أوضاع الأحزاب القائمة مع القانون.
أما توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية فيما يخص الإدارة المحلية، فشكلت خارطة طريق متدرجة للوصول إلى حكم محلي بحلول عام 2034 بإيجاد مجالس أقاليم تنموية (ليست جغرافية) تنتقل إليها الصلاحيات بشكل متدرج، بالتزامن مع خطة لرفع الكفاءة والتدريب والتأهيل، وتعديل 15 تشريعا، بالإضافة إلى تحويل بنك تنمية المدن والقرى إلى ذراع فني تنموي "للبلديات المتحدة".
كما أكدت التوصيات على الانتخاب الحر المباشر للمجالس وزيادة تمثيل المرأة وذوي الإعاقة، وتعزيز فرص وصول المرأة والشباب إلى مجلس النواب، وتوسيع قاعدة المشاركة الحزبية من قبل فئتي المرأة والشباب وطلبة الجامعات وفي الإدارة المحلية، وضمان حقهم في تولي المواقع القيادية، وتكريس مبدأ المساواة لممارسة الحقوق والحريات الدستورية، فضلا عن إعادة النظر بالتشريعات والسياسات والممارسات بما يحقق العدالة ويعزز المشاركة السياسية للمرأة والشباب والتمكين الاقتصادي.
رؤية التحديث الاقتصادي
في السادس والعشرين من شباط 2022 وبدعوة ملكية انطلقت أعمال الورشة الاقتصادية بمشاركة خبراء يمثلون 17 قطاعا حيويا من مكونات الاقتصاد الوطني بهدف تقييم وضع الاقتصاد الوطني وتحديد فرص تنميته وزيادة تنافسيته، ورسم خارطة طريق عابرة للحكومات.
وفي السابع من حزيران 2022 رعى جلالة الملك إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي التي ستنفذ عبر ثلاث مراحل على مدى عشر سنوات، 366 مبادرة في مختلف القطاعات، وتندرج تحت ثمانية محركات تركز على إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية والمولدة لفرص التشغيل والعمل.
وستعمل الرؤية على توفير مليون فرصة عمل جديدة للأردنيين خلال العقد المقبل، وجلب استثمارات وتمويل بنحو 41 مليار دينار غالبيتها العظمى من القطاع الخاص، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ومع نهاية العام الماضي، أقرت الحكومة البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي (أولويات 2023 – 2025)، والذي يشمل 183 مبادرة اختيرت من ضمن ما يقارب 380 مبادرة سيتم تنفيذها من خلال 418 أولوية بكلفة إجمالية تصل إلى 2.3 مليار دينار حتى نهاية عام 2025 منها 670 مليون دينار خلال عام 2023، ويتضمن البرنامج إطارا زمنيا محددا للتنفيذ، ومؤشرات واضحة لقياس الأداء، ونظاما لمتابعة الإنجاز.
ويركز البرنامج على عدة محركات هي الاستثمار والصناعات عالية القيمة والزراعة والأمن الغذائي والتعدين والخدمات اللوجستية والتجارة والرعاية الصحية والخدمات المالية والسياحة والريادة والإبداع والتعليم والتدريب والمياه والموارد المستدامة ونوعية الحياة.
خارطة تحديث القطاع العام
تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع كفاءة الإدارة العامة، وللتوافق مع مساري التحديث السياسي والاقتصادي، أعلنت الحكومة نهاية تموز 2022 خارطة طريق تطوير القطاع العام، حيث أكد جلالته على ضرورة المضي بقوة وجدية في الإصلاح الإداري، قائلا: "نريد إصلاحا إداريا يلمس المواطن أثره"، وداعيا إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وأن يشعر المواطن بفرق حقيقي في نوعية الخدمات المقدمة له، وذلك بهدف تعزيز الثقة بكفاءة القطاع العام ومهنيته، وأن تكون الإصلاحات شاملة ومتكاملة، وأن تترافق مع النهج الإصلاحي الذي انتهجه الأردن بقيادة جلالته.
وتستهدف خارطة تحديث القطاع العام عبر 3 مراحل خلال السنوات العشر القادمة، تحقيق 33 هدفا استراتيجيا ضمن سبعة مكونات، هي الخدمات الحكومية، والإجراءات والرقمنة، والهيكل التنظيمي والحوكمة، ورسم السياسات وصنع القرار، والموارد البشرية، والتشريعات، والثقافة المؤسسية.
وتتمثل مبادرات الموارد البشرية بوضع إطار تشغيلي لترجمة التصور المستقبلي لهيكلة الموارد البشرية المعتمد، وتحديث منظومة تخطيط الموارد البشرية، ومنظومة الاستقطاب والاختيار والتعيين لموظفي القطاع العام، وتطوير منظومة متكاملة للدرجات الوظيفية والرواتب وإدارة تقييم الأداء لموظفي الخدمة المدنية، واعتماد إطار الكفايات القيادية كإطار موحد ومبتكر يعكس مواصفات القائد الذي نريد، والانتهاء من إعداد نظام إلكتروني متكامل لإدارة الموارد البشرية.
ويشمل مكون الخدمات الإلكترونية، تحسين الخدمات ذات التماس المباشر مع المواطنين وبيئة الأعمال، والتحول الكامل للمدفوعات الرقمية عام 2024، والانتهاء من التحول الإلكتروني للخدمات من خلال الوصول إلى 100% من الخدمات الحكومية المرقمنة عام 2025، وتشغيل مراكز للخدمات الشاملة بمعدل مركز في كل محافظة، والبدء بإنشاء مراكز إضافية وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص بتشغيل 5 مراكز عام 2024.
وفي الهيكل التنظيمي والحوكمة تتضمن الخارطة إلغاء وزارة العمل، ونقل مهامها إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين ووزارة الداخلية، ودمج كل من وزارة النقل ووزارة الأشغال العامة والإسكان في وزارة واحدة لتصبح وزارة خدمات البنية التحتية، وإنشاء وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية من خلال دمج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع وزارة التربية والتعليم، وإلغاء مؤسسة التدريب المهني ونقل مهام التعليم والتدريب المهني والتقني إلى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى دمج وزارة الشباب مع وزارة الثقافة في وزارة واحدة لتصبح وزارة الثقافة والشباب، وإنشاء وزارة التواصل الحكومي، ونقل ارتباط كل من وكالة الأنباء الأردنية ومؤسسة التلفزيون إلى وزارة التواصل الحكومي، وإعادة هيكلتها.
--(بترا)