الثلج والشتاء يكشفان معادن الأردنيين الإنسانية النبيلة
المدينة نيوز :- في كل عام يحمل فصل الشتاء بظروفه الجوية المصاحبة له من تساقط للثلوج وغزارة للهطول المطري على غالبية مدن ومناطق المملكة، العديد من الصور والقصص الإنسانية والاجتماعية المعززة لأواصر الشعور الجمعي الذي لا تستقيم أوضاع المجتمع الإنساني إلا بقدر ما في جعبته من بناها وقواعدها.
رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، خلال الأسبوع الماضي، تفاصيل حياة الأردنيين وهم يواجهون منخفضا جويا مليئا بالشتاء وكميات من الثلوج، واستطلعت عددا من أصحاب المبادرات الخيرية والإنسانية، وتبين أن هذه الظروف تعزز لدى الإنسان قوة الحنو على أبناء جلدته في محيطه القريب والبعيد في هذه الظروف، وتقطعت بعدد منهم السبل بفعل تراكم الثلوج وإغلاق الطرقات أو تدفق المياه إلى المنازل، ونحو ذلك من مصاعب ترافق هذه الأحوال الجوية.
"مبادرة بصمة شباب الخير"، التي تقودها الدكتورة لينا أبو خضرة، أطلقت حملة الشتاء تحت عنوان "دفا وعفا"، تجوب فيها مع شباب المبادرة بتأمين ما يلزم لكل محتاج ولكل من تقطعت به السبل في عدد من مناطق المملكة، بدعم من المساهمين وأصحاب الأيادي البيضاء.
أما مبادرة شباب جبل المنارة، فأخذ شباب يسعون لفعل الخير، على عاتقهم خدمة للناس في منطقة جبل المنارة بشكل تطوعي، وضمن إمكانياتهم وما يتلقونه من دعم ضمن إطار حملة الشتاء لهذا العام بعنوان (لمسة دفء5)، حيث تم إمداد 100 عائلة بما يلزم، للحصول على الدفء من صوبات وكاز واسطوانات غاز.
وقال الناطق الإعلامي للمبادرة عبدالله البير، إن هؤلاء الشباب حريصون قدر المستطاع على تلبية النداء ومد يد العون، آملين أن تتوسع طاقاتهم وإمكانياتهم ليشمل جميع أبناء المنطقة.
ويحرص مواطنون على تمتين الروابط الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وداخل حيهم، فتارة يشاركون أبناءهم أجواء الشتاء، فيسردون لهم القصص وذكريات الماضي ويلعبون معهم، ويصنعون ما تمكن لهم أنفسهم من خيرات البيت، كما يشاركون الجيران فرحة فصل الشتاء، ويتأكدون إذا ما يلزمهم من شيء يسدون به احتياجاتهم.
تقول أم محمد الحموري ربة منزل، إنها تستعد لمثل هذه الأجواء بشكل دائم، وتسعى لإتمام فرحة هذا اليوم بالقيام بالعديد من الأنشطة مع أبنائها خاصة مع عطلة الشتاء، وتذكرهم أن الفرحة لا تكتمل إلا إذا تفقدنا جيراننا وأهلنا، فنحن بخير ما داموا هم بخير.
من جهته، اكد رئيس قسم العلوم الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور يوسف محمد الشرمان، لـ(بترا)، إن "الله تعالى أكرمنا بالثلوج والأمطار، فارتوت الأرض وفرح العباد، وتشارك الناس وتقاسموا ما لديهم مع الآخرين من باب سد الاحتياج".
وأضاف ان حب الخير والمساعدة تأتيان بالفطرة، ويمكن تعزيز نشر هذه الثقافة، التي تعتبر جزءا من الموروث الاجتماعي والديني والثقافي، من خلال ما يعرف بالفزعة والعونة والهبة، خاصة في الأجواء الماطرة وأيام الحصيدة، التي بحاجة للفزعات وتعزيز السلوك الإيجابي من خلال منصات التواصل الاجتماعي والمبادرات الخيرة.
وبين أن هناك الكثير من المبادرات الفردية التي يقوم بها بعض الشباب، فمنهم من يقوم بعرض سيارته لتوصيل أي محتاج للمستشفى، وكذلك منهم من يعمل على توفير المواد التموينية لمحتاجيها، ومنهم من يفتح أبواب بيته لمن تقطعت بهم السبل، وهناك الكثير من الناس ممن استجابوا في مثل هذه الظروف في توصيل من لا يملك وسيلة مواصلات إلى وجهته دون مقابل. كما ان الأجواء الشتوية تعيد للأسرة اللمة والجمعة التي تفتقدها في ظل ظروف الحياة الاجتماعية الروتينية بوجود التكنولوجيا والتطور السريع.
وأشار الشرمان، إلى أن المواطن الأردني يذكر صديقه وقريبه، ويسعى للاطمئنان عليهم، فإذا لم يقدر أن يصل إلى أحد منهم يقوم بالاتصال به من خلال الهاتف أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتشتد بذلك أواصر العلاقات في مثل هذه الأجواء.
وأضاف أن هناك الكثير من القيم التي حث عليها ديننا، كإغاثة الملهوف والوقوف مع الجماعة وتحمل المسؤولية، فمعظم عاداتنا من مستمدة من الدين.
ويسرد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة الأردنية المؤرخ الدكتور علي محافظة، ما كان يجري في القرى في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، إذ كانت البيوت آنذاك مبنيّة من الحجر والطين والقليل منها ما كان مبنياً من الإسمنت والحديد، كما هو حال اليوم.
وبين أنَّه عند مجيء الشتاء القارس، خاصة في مثل هذه الأيام، وتسقط الأمطار والثلوج بكميات هائلة، فما كان منهم إلا الانتقال إلى الكهوف القريبة منهم مع التزوّد بأثاثهم للاحتماء من هذا البرد والحصول على الدفء، الذي لا يوفّره بيوتهم، حيث يذرف منها الماء.
ولفت إلى أنهم كانوا في الكهوف يجتمعون ويساعدون بعضهم البعض، ويتحدثون عن الأيام القاسية التي عاشوها مثلما يتحدثون عن قصص النجدة وإغاثة الملهوف في مثل هذه الحالات، كما يوقدون الحطب، الذي تم جمعه من الغابات القريبة منهم، فيما أن القرى البعيدة عنها، يوقدون ما يسمى ب"الجلّة" وهي تلك التي تجمعها بعض النساء خلال السنة، لحرقها في هذا الموسم البارد.
كما كان الناس يتعاونون في القرى في كل شيء، ليس في حماية أنفسهم من البرد والثلج فحسب، بل يهرعون لمساعدة أقربائهم وأهلهم في هذه القرية إذا واجهوا صعوبات أو مشاكل في مثل هذه الحالات، ويقومون أيضا بحماية ما لديهم من دواب وأبقار وأغنام ويحفظونها في الكهوف، وتأمين العلف اللازم لها، بحسب محافظة.
وأوضح أن الثلج كان يدوم لأيام عدّة تتجاوز الأسبوع أحيانا، وتسمى مثل هذه الأيام ب"الأيام اللازبة"، نظرا لأنها تلزم الناس البقاء في الكهوف أو البقاء في ظل هذه الظروف القاسية التي كانوا يعيشونها.
من جانبه، بين اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، ان مثل هذه الأحوال الجوية عادة تزيد من التعاون والترابط والتكاتف ما بين أبناء المجتمع، خاصة علاقة الجيرة، من خلال السؤال الدائم الاطمئنان والمساعدة بتقديم الخدمات، وسد الاحتياجات إذا كان هناك نقص عند بعض الجيران، الأمر الذي يعزز الأمان والطمأنينة والتعاون فيما بينهم.
وبين أن هذا يشجع الأبناء في القيام في مثل هذه الأعمال مستقبلا، وهذا التفاعل يعد من أهم أنواع التكافل الاجتماعي فيما بينهم، فهي تزيد وتقوي العلاقات فيما بينهم.
وتؤكد أخصائية الإرشاد والدعم النفسي والأسري روان الدعجة، فيما ذهب إليه الدكتور الخزاعي، ذلك أن العلاقات الأسرية السوية تحدث تفاعلا اجتماعيا بين أفرادها، حيث يسعون الآباء إلى ممارسة العديد من الأنشطة مع أبنائهم، التي تؤثر على الصحة النفسية إيجابيا، فيسردون الذكريات في مثل هذه الأوقات من السنة على أطفالهم، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التماسك الأسري والتناغم والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، ويكون هناك انتماء أكثر للأسرة، ويزيد التعاون والانسجام بين أفرادها.
وأشارت إلى أنه بالإمكان ممارسة بعض الأنشطة الذهنية وبعض الألعاب التي يستطيع الأطفال من خلال التعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم، فالأسرة لديها الدور الكبير في إدارة الانفعالات وتوجيهها، وهو ما يسهم في بناء علاقات أسرية متينة. ومثلما تحرص الأسرة على أفرادها بالتماسك أيضا، تسعى مع الجيران إلى مشاركة الفرحة بالثلج واللعب مع الأبناء والتفاعل معهم، وإدخال الفرحة في قلوبهم ومساعدتهم إن كانوا بحاجة إلى العون، وفقا للدعجة.
من جهته، قال استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور محمد شعبان، إن موسم الشتاء هو موسم الخير سواء بأمطاره أو ثلوجه في مختلف دول العالم.
وبين أن لدى مختلف الشعوب المخزون الجيد من الذكريات فيه الإيجابي والسلبي بما يخص هذا الفصل، فنحن بالذات في هذه المنطقة من العالم ننتظر الأمطار والثلوج بفارغ الصبر، نظرا لطبيعة بلادنا التي تعاني من شح المياه، موضحا أنه في السنوات التي يتأخر بها الموسم المطري يشعر الناس بالإحباط والقلق والتوتر، ويتضرعون إلى الله بأن يأتي المطر.
وأضاف أن الناس والمزارعين ومختلف شرائح المجتمع تنتظر فصل الشتاء، بتشوق لتساقط الأمطار والثلوج، بحيث أن لا يكون لها الأثر السلبي على حياتنا.
وتطرق الدكتور شعبان لبعض الآثار السيئة على البعض ممن عانوا أو يعانون من حالة نفسية لها علاقة بموسم الشتاء، وهو ما يسمى بـ"الاكتئاب الموسمي"، الذي يجعل من المصاب حزينا قلقا متوترا مع شعور بالإحباط والملل والتشاؤم.
--(بترا)