اليوم العالمي لسرطان الأطفال.. ألم مبكر وأمل بالحياة
المدينة نيوز - رانا النمرات- "طعام بلا طعم، نار تسري في الأوردة وألم فجائي يجعلك تصرخ من شدته". هذا ما يشعر به طفل مريض بالسرطان بعد إعطائه العلاج الكيماوي اختزلها بكلمة طفولية بريئة "إنها بتوجع". تلك حكاية آلاف الأطفال حول العالم الذين يتشاركون مع "طفلنا هذا" الشعور ذاته والألم ذاته، وهكذا يواصلون حياتهم يحدوهم مع أهاليهم أمل كبير بالحياة والنجاة.
في اليوم العالمي لسرطان الأطفال الذي يصادف غدا، تشير الأرقام الرَّسمية إلى أنَّ عدد الأطفال المشخصين لجميع الأعمار والجنسيات يتراوح بين 400 – 450 حالة في العام الواحد، ومن أجل هذا تستنفر مستشفيات الحسين للسرطان، ومركز السرطان العسكري، ومستشفيات وزارة الصِّحة، والمستشفيات الخاصة والجامعية والعسكرية كل إمكاناتها ليس لتخفيف ألم الطفولة بل لإنقاذ حياتهم من هذا المرض اللعين.
وفي هذا اليوم حيث يتذكر العالم ألم الأطفال، يضع نصب عينيه القضايا المؤرقة والتحديات التي َتواجه الأطفال المصابين بالسرطان، وصولا للعلاج وبشكل عادل وزيادة وعي الفئات العمرية الأخرى، وأهالي المصابين والناجين منهم بأساليب العناية المنزلية خاصة النفسية ما بعد العلاج، بحسب ما يؤكد خبراء ومختصون.
من وجهة نظر رئيس قسم الأطفال بمركز الحسين للسَّرطان الدكتور إياد سلطان، فإن من الصَّعب في معظم الحالات معرفة السبب المباشر للإصابة بالسرطان، لافتا الى أنه يتم بداية تحديد العوامل الوراثية بمتابعة السيرة المرضية للعائلة أو الفحص الجيني في 10 بالمئة فقط من الحالات، أي أنَّ معظم الحالات الآن مجهولة السَّبب الجيني.
وأضاف الدكتور سلطان في حديث لـ (بترا)، إن هناك أسبابًا أخرى لها علاقة بالبيئة وتعرض أشخاص لديهم قابلية للسرطان دون غيرهم لفيروسات معينة، لكن تبقى الأسباب مجهولة في معظم الحالات، مشيرا الى أنَّ الأطفال من عمر سنة الى 5 سنوات هم الأكثر عرضة للإصابة.
ومن بين السرطانات التي تصيب فئة الأطفال أشار سلطان الى اللوكيميا أو أبيضاض الدم، الليمفوما، وأورام الدماغ التي تعتبر الأكثر انتشاراً، لافتا الى أن نسب الشفاء تقاس بعد 5 سنوات من الإصابة وهى بإزدياد مستمر حيث وصلت الى حوالي 80 بالمئة وقد تصل الى 90 بالمئة لبعض أنواع اللوكيميا والليمفوما.
وقال، إن من بين 100 ألف طفل قد يصاب بالسرطان 10-15 طفلا تحت الخامسة عشرة، وهي نسب متقاربة في العالم، وفي الأردن يتراوح عدد الأطفال المشخصين لجميع الأعمار والجنسيات بين (400-450) حالة في السنة، مشدداً على أهمية التنبه لأيِّ عَرَضٍ يستمر أكثر من أسبوعين مثل الشحوب، ضَعف الشهية ، قلة النشاط، ارتفاع الحرارة، الصداع، ألم العظام والظهر، أو تشكل بعض الكتل في البطن وأماكن أخرى في الجسم، بالإضافة الى نقص الوزن، والتعرق الشديد، وظهور كدمات، وطفح جلدي، لأن كل هذا قد يكون له علاقة بنقص في الصفائح الدموية.
وأكد الدكتور سلطان توفر الإمكانيات في مركز الحسين للسرطان والتي تشمل جميع الإجراءات الطبية والجراحية والتشخيصية والإشعاعية، والفحوص الجينية واكتشاف الطفرات المصاحبة للأمراض وتوجيه العلاج المناسب بناء على التشخيص الدقيق، وكذلك التصوير النووي والتداخلات بالعلاج النووي بأقسام متقدمة جدا في المركز لسرطان شبطية العيون، والمحافظة على الأطراف المصابة بالساركوما، وأورام الدماغ، وزراعة نخاع العظم.
وحث على أستمرارية الدعم بكل أشكاله والتركيز على أهمية احتضان الأطفال الذين أنهوا علاجهم وإعادة استقبالهم في المدارس والجامعات، والوظائف، والتخلص من الموروث المتعلق بمرض السرطان كونه مرضا قاتلا مع الأخذ بعين الاعتبار التطور العلمي الهائل والتكنولوجيا التي ساهمت بشكل قوي في رفع نسب الشفاء محليا وعالميا، محذرا من اللجوء للطب الشعبي الذي لا يزال وللأسف سببا في تأخر العلاج في بعض الحالات.
من جانبه أكد مستشار أول في الطب النفسي عند الأطفال والمراهقين بمركز الحسين للسرطان الدكتور أمجد عدنان الجميعان، ان أرتباط الطب النفسي وعلاج الأطفال من السرطان يرتبط بعلاقة وثيقة وقوية، بسبب تعرض الطفل والأسرة لحالات من القلق والاكتئاب والانعزالية في حال الإصابة بالسرطان.
ومن هنا، يقول الدكتور الجميعان، يبدأ دور الطِّب النفسي والعلاج السلوكي، لافتا الى أنَّه في بعض الحالات نضطر لإعطاء الأدوية المقاومة للاكتئاب والقلق، حيث تؤكد النظريات والأبحاث أنَّ ارتفاع المناعة النفسية ينعكس على المناعة الجسدية للمساعدة في الشفاء.
وقال، إنه تم افتتاح أول عيادة طب نفسي للأطفال في مركز الحسين للسرطان في شباط 2022 بتوجيه من سمو الأميرة غيداء طلال رئيسة مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، تضم فريقًا مختصا في علم النفس السريري، والإكلينيكي، والإرشاد والدعم الاجتماعي وبإشراف الدكتور الجميعان، مشيراً إلى أنَّ العلاج تشاركي بالبرامج المتبعة في العلاج السلوكي، الاجتماعي، والدوائي وللعلاج النفسي أثر مباشر على التخطي والتشافي بدءاً من التأقلم وقبول المرض ما يقلل من القلق والإكتئاب، والانتقال الى المرحلة الثانية والالتزام بالعلاج ورفع المناعة النفسية يؤدي الى الإستجابة العلاجية من السرطان.
وأوضح أنَّ أهمية العلاج باللعب لا تقل أهميةً عن العلاج الدوائي خصوصًا عند الأطفال كما هو متعارف عليه عالميا وتحديدا من خلال الرسم، بسبب الصعوبة التي يواجهها الأطفال في التعبير عن المشاكل والمعاناة او الصدمة التي يعيشونها، وفي كثير من الأحيان نلجأ الى اللعب مع الأطفال للتعرف على الصعوبات النفسية لديهم والتي تعيق التطور والصحة النفسية، وتكون مدخلا لعلاج الطفل.
ولفت الدكتور الجميعان أنظار الآباء والأمهات الى "عجز الطفل عن التعبير لحاجته لمراجعة العيادة النفسية، مؤكدًا أهمية الى التغيرات التي تطرأ على حالة الطفل النفسية كالانعزالية، وعدم الرغبة في الدراسة، وقلة النشاط البدني.
وركز على أهمية الانتباه الى رسومات أطفالنا "كطفل يبكي، أو يتعرض للضَّرب، أو حبل ملتف حول رقبته"، لدلاتها المهمة بأنَّ الطفل يعاني من مشاكل نفسية، داعيا الى التحرر من الوصمة والحياء أمام المجتمع، لأن أهمية مستقبل الأطفال أهم بكثير من الخجل فغالبية الحالات إذا تمت معالجتها من البداية تكون نسبة الشفاء عالية ومرضية.
مدير التعليم العام الناطق الإعلامي بوزارة التربية والتعليم الدكتور احمد جميل المساعفة يقول، ان المدارس تستقبل جميع الطلبة المتعافين وفي بداية كل عام دراسي يتم حصر أعداد الطلبة الذين لديهم حالات مرضية لمراعاتهم في الأنشطة ومتابعة وضعهم الصحي على مدار العام الدراسي مع أولياء أمورهم.
وأوضح المساعفة أنَّ مديري ومديرات المدارس والهيئة التعليمية مؤهلون للتعامل مع الطلبة ذوي الحالات المرضية مثل السرطان والسكري والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض، وأنَّه يتم التنسيق المباشر والفوري مع المراكز الصحية القريبة من المدارس والدفاع المدني بخصوص هؤلاء الطلبة في حالة اي طارئ.
وأضاف، لا توجد أية صعوبات او معيقات تعيق احتضان الطلبة الناجين من السرطان لدى الوزارة كونها تتعامل مع الطلبة خصوصا خلال فترات التقدم للامتحانات الشهرية أو الفصلية طبقا لوضعهم الصحي، حيث يسمح للطالب المريض خاصة طلبة الثانوية العامة بالتقدم للامتحانات في مكان تلقيه للعلاج خاصة إذا كان وضعه الصحي يتطلب تواجده في المستشفيات لغايات العلاج لفترات طويلة.
وأشار إلى استمرار التَّواصل بين المدرسة وولي أمر الطَّالب المصاب إذا دعت الحاجة أو للوقوف على حالة الطالب من ولي أمره، كما تقوم المدرسة بالتواصل مع الطبيب المشرف على علاج الطالب لأخذ التوجيهات اللازمة للتعامل معه اذا لزم الأمر.
من جهتها نشرت وزارة الصِّحة على موقعها الالكتروني الأهداف التوعوية لليوم العالمي لسرطان الأطفال ومن أبرزها الحق في التشخيص المبكر والسليم لمن أصيبوا بهذا المرض، والحق بالحصول على الأدوية الأساسية المنقذة للحياة، والعلاج الطبي المناسب والجيد، والحق بالرعاية والخدمات وفرص العيش المستدامة للناجين.
وأضافت الوزارة في بيان، إنَّ الهدف المنشود من مبادرة منظمة الصحة العالمية لمكافحة سرطان الأطفال هو القضاء على جميع آلام ومعاناة الأطفال الذين يكافحون السرطان، وتحقيق أعلى نسبة للبقاء على قيد الحياة لجميع الأطفال المصابين بالسرطان في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.
وأشارت إلى أنَّ معدل البقاء على قيد الحياة يعتمد على المنطقة، حيث ترتفع النسية في البلدان ذات الدخل المرتفع، وتنخفض في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
--(بترا)