غاز "مضاد للاحتباس الحراري" يساعد في تنظيم مناخ الأرض وتخفيض درجات الحرارة
المدينة نيوز :- توصل باحثون بجامعة هوكايدو (Hokkaido University) اليابانية لأدلة على زيادة انبعاثات غاز كبريتيد ثنائي الميثيل المرتبطة بانحسار الجليد البحري في غرينلاند مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وتم عرض نتائج دراستهم في بحث نشر بدورية "كوميونيكاشنز إيرث أند إنفيرومنت" (Communications Earth & Environment).
وتقدم البيانات المخزنة -في عينات جليد يعود تاريخها إلى 55 عاما- رؤى جديدة لمستويات غاز كبريتيد ثنائي الميثيل، وهو جزيء كيميائي صغير في الغلاف الجوي تطلقه العوالق النباتية بالمحيط، ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على الطقس والمناخ، وقد يلعب دورا كبيرا في تنظيم مناخ الأرض، ويؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة.
الغاز المضاد لظاهرة الاحتباس الحراري
كبريتيد ثنائي الميثيل المعروف اختصارا بـ (DMS) هو مركب كبريت عضوي من مركبات الثيوإيثر وصيغته الكيميائية (C2H6S) وله رائحة مميزة تشبه ما يصدر عند طهي بعض أنواع الخضراوات مثل الملفوف، ويوجد على شكل سائل عديم اللون.
تطلق الطحالب والعوالق النباتية كبريتيد ثنائي الميثيل في المحيط، والذي يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تنظيم مناخ الأرض، ويشجع على تكون السحب فوق سطح البحر، وغالبا ما يطلق عليه "الغاز المضاد لظاهرة الاحتباس الحراري" لأن السحب تمنع الإشعاع القادم من الشمس وتؤدي لانخفاض درجات حرارة سطح البحر.
وتحتفظ السحب ببعض الحرارة المحجوبة على الأقل في الغلاف الجوي.
وكثيرا ما اقترحت دراسات النمذجة أن الانخفاض في الجليد البحري بالقطب الشمالي يمكن أن يؤدي إلى زيادة انبعاث كبريتيد ثنائي الميثيل، لكن الدليل المباشر على ذلك كان مفقودا.
وفي دراستهم الجديدة توصل الباحثون لمعرفة مستويات كبريتيد ثنائي الميثيل على مدار 55 عاما من خلال تحديد كمية المركبات المرتبط به، مثل حمض سلفونيك الميثان، في عينات لب الجليد من الغطاء الجليدي جنوب شرق غرينلاند.
ويتم إنتاج حمض سلفونيك الميثان، وهو مركب كيميائي يكون على شكل سائل عديم اللون، وهو أبسط أحماض السلفونيك، مباشرة من كبريتيد ثنائي الميثيل، وهو بمثابة سجل ثابت لمستوياته.
وهذه العملية جزء من مجموعة متنوعة من التفاعلات الكيميائية بين الهباء الجوي في الغلاف الجوي. ويعتبر حمض سلفونيك الميثان مكونا مهما لجسيمات الهباء بالغلاف الجوي، ويتشكل عند تأكسد كبريتيد ثنائي الميثيل الذي تنتجه العوالق النباتية.
ويمكن أن تعمل جسيمات الهباء الجوي كنوى تكثيف تؤدي إلى تشكيل السحب، عبر تشكيل قطيرات الماء، وبالتالي تشكل الغيوم والعواصف.
الأدلة الداعمة
قام الفريق -الذي يضم باحثين من جامعة ناغويا (Nagoya University) ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية (Japan Aerospace Exploration Agency)- بإعادة بناء التدفق السنوي والموسمي لحمض سلفونيك الميثان من عام 1960 إلى 2014.
ووجد الباحثون أن مستويات حمض سلفونيك الميثان السنوية انخفضت من عام 1960 إلى 2001، لكنها زادت بشكل ملحوظ بعد عام 2002.
ويقول سوميتو ماتوبا الأستاذ المساعد بمعهد علوم درجات الحرارة المنخفضة بجامعة هوكايدو، والباحث المشارك بالدراسة "لقد وجدنا أن تدفقات حمض سلفونيك الميثان من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول كانت أعلى بمقدار 3-6 أضعاف بين عامي 2002 و2014 مما كانت عليه بين عامي 1972 و2001. ونعزو ذلك إلى التراجع المبكر للجليد البحري السنوات الأخيرة".
وتأتي الأدلة الداعمة من بيانات الأقمار الصناعية -التي رصدت مستويات الكلوروفيل الذي يكسب النباتات اللون الأخضر، وبصفة خاصة الكلوروفيل-أ الذي يعد مؤشرا على وفرة العوالق النباتية، وبدورها يجب أن ترتبط جيدا بكمية كبريتيد ثنائي الميثيل التي تطلقها العوالق النباتية.
أهمية صفيحة غرينلاند الجليدية
تُشكل صفيحة غرينلاند الجليدية كتلة جليدية شاسعة تغطي مساحة ما يقارب نحو 80% من مساحة غرينلاند. وتُعتبر ثاني أكبر كتلة جليدية في العالم، ويشار أحيانا إلى صفيحة غرينلاند الجليدية بمصطلح "الغطاء الجليدي الداخلي".
وتحتوي الصفيحة الجليدية -التي تكونت منذ أكثر من 100 ألف عام- في طبقاتها الجليدية على السجلات الحالية الأكثر قيمة لمناخات العقود السابقة. لذلك حفر العلماء بالعقود الماضية عينات لبية جليدية يصل عمقها إلى 4 كيلومترات، وحصلوا عبر تحليلها على معلومات تُشكل دليلا بديلا عن سجل درجات الحرارة العالمي، وكيمياء الغلاف الجوي الأرضي، وغيرها من المعلومات التاريخية الهامة.
ويعتبر هذا التنوع في الدلائل المناخية مُسجلا مناخيا أكبر من أي مُسجل طبيعي آخر، مثل حلقات الأشجار أو طبقات الرواسب.
وقد وجد الباحثون أن درجات الحرارة ترتفع بالقطب الشمالي مرتين أسرع من المتوسط العالمي. وانخفض مدى الجليد البحري الموسمي في الصيف بشكل حاد العقود الأخيرة، وهذا يزيد من كمية الضوء الذي يضرب المحيط ويعزز نمو العوالق النباتية.
وفي حين أن النتائج الأخيرة من الفريق الياباني تضيف تأكيدا مهما لمستويات كبريتيد ثنائي الميثيل المتغيرة، فإنه لايزال هناك حاجة إلى مراقبة طويلة المدى ومستمرة للهباء الجوي.
ويعود الأستاذ المساعد بجامعة هوكايدو ليقول "سيكون هذا ضروريا لمتابعة التأثير الحالي، والتنبؤ بالتأثيرات المستقبلية لانبعاثات كبريتيد ثنائي الميثيل على المناخ العالمي".
المصدر : مواقع إلكترونية