شمال غربي سوريا: 5 وفيات وأكثر من 500 مصاب نتيجة أحدث الزلازل… نصفهم عانوا حالات انهيار عصبي
المدينة نيوز :- أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الثلاثاء، بوفاة خمسة مواطنين سوريين في محافظات سورية مختلفة ضمن مناطق نفوذ النظام، نتيجة حالات الخوف والهلع التي حدثت أثناء الزلزالين الأخيرين في تركيا وسوريا مساء أول أمس وأشار المرصد، الذي يتخذ من لندن مقراً، في بيان صحافي أمس، إلى ارتفاع الإصابات إلى ما لا يقل عن 500 حالة وصلت إلى المستشفيات والنقاط الطبية في مختلف مناطق السيطرة على خلفية الزلازل.
ولفت إلى أن من بين تلك الإصابات أكثر من 150 حالة في مناطق شمال غربي سوريا، و350 حالة على الأقل في مناطق النظام توزعت على محافظات حلب وحماة واللاذقية وطرطوس وإدلب، مشيرًا إلى أن الإصابات تفاوتت ما بين كسور وجروح ورضوض، نتيجة تساقط أحجار المباني أو نتيجة التدافع، وحالات توتر.
ووفق المرصد، أثار الزلال الجديد رعب الأهالي، حيث قضى الأهالي ليلتهم في أرصفة الطرقات وفي الشوارع والسيارات والحافلات وبعض الصالات العامة والمدارس والحدائق، خوفاً من حدوث هزات ارتدادية قوية أو زلزل جديد، في ظل انخفاض درجات الحرارة والبرد الشديد التي تشهده معظم المناطق السورية.
العوائل في العراء
وأمضت آلاف العوائل السورية، ليلتها في العراء وعلى قارعة طرق مدن وبلدات إدلب وحلب شمال غربي سوريا، بعدما ضرب زلزال جديد المنطقة، ما دفع مئات الآلاف إلى الخروج من مساكنهم والتوزع على المخيمات المنشأة حديثاً، بينما وجدت عائلات أخرى مأوى لها عند بعض الأقارب ضمن خيم مسكونة أصلاً. ويشكو اللاجئون السوريون من ضيق الأماكن التي وجدوها بعد ليلة باتوا خلالها في العراء، إذ تتقاسم كل 3 أو 4 عائلات خيمة واحدة، لا تتعدى مساحتها 4 أمتار.
وضرب مساء الاثنين، زلزالان جديدان بقوة 6.4 و5.8 درجة على مقياس ريختر جنوبي تركيا، وأعلنت وكالة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” عبر حسابها الرسمي، أن الزلزال الأول كان بقوة 6.4 درجات ومركزه قضاء “دفنه” في ولاية هاتاي، حيث وقع على عمق 16.7 كيلومتر، بينما وقع الزلزال الثاني بعد 3 دقائق من الأول بقوة 5.8 درجات في قضاء صمنداغ في هاتاي. وامتدت آثار الزلزالين إلى مدن الشمال السوري، كما شعر بهما سكان لبنان والأردن وفلسطين ومصر. وأصيب 190 مدنياً بجروح متفاوتة وكسور ورضوض، نتيجة القفز من الأبنية المرتفعة، أو التدافع، وانهيار أجزاء من بعض الأبنية المتصدعة في مختلف مدن وبلدات شمالي غربي سوريا.
200 إصابة في إدلب وحلب
وقال الدفاع المدني السوري في إدلب ومحطيها، إن أكثر من 150 إصابة سجلوا في ريف إدلب وأكثر من 45 إصابة في ريف حلب، فيما لم يسجل أي حالة لعالقين تحت الأنقاض. وخلّف الزلزال أضرارا في الأبنية، إذ انهار بناءان متصدعان غير مأهولين ومئذنة مسجد في مدينة جنديرس شمالي حلب، وانهارت شرفات وجدران في أبنية متصدعة في أغلب مناطق ريفي إدلب وحلب دون إصابات فيها بعد انهيارها.
مديرية صحة إدلب، قالت إن زلزال جديد بقوة 6.3 درجة ضرب منطقة الشمال السوري مساء الاثنين، في حين لم تُسجل وفيات ولكن ورد إلى أقسام الإسعاف في المشافي عشرات حالات الإسعاف نتيجة الانهيار العصبي وتوقف القلب بسبب الخوف وارتفاع الضغط والسكر إضافة لعدة إصابات خفيفة رضوض وكسور نتيجة تساقط أحجار المباني أو نتيجة التدافع.
وتحدث نائب مدير الدفاع السوري منير مصطفى، في اتصال هاتفي مع “القدس العربي”: عن حالة غير مسبوقة من الرعب والهلع، دفعت بعض المدنيين بإلقاء أنفسهم من شرفات المنازل خلال الزلزال الأخير، في محاولة منهم للنجاة قبل سقوط الأبنية التي يقيمون فيها. وقال “مصطفى”: حالة الهلع التي انتشرت بين المدنيين شديدة للغاية، السبب الرئيسي فيها هو الزلزال السابق والفترة الزمنية القصيرة بين الزلزالين، وما خلفه الزلزال من ضحايا وجرحى وخسائر، لذلك شكل الزلزال الأخير حالة غير مسبوقة من الخوف بين الأهالي، دفع بعضهم للقفز من شرفات المنازل، مما أدى إلى إصابتهم بكسور وكدمات وجروح.
وأضاف: إن الإصابات تراوحت ما بين الخفيفة والمتوسطة، ولم يسجل وفيات أو عالقين تحت الأنقاض، في حين كانت الإصابات الأخيرة سببها إما القفز من الأبنية، أو تساقط الحجارة من بعض المنازل الآيلة للسقوط، أو انهيار أجزاء من الأبنية التي تعرضت للضرر نتيجة الزلزال السابق، حيث أدت عملية إفراغها إلى عدم وقع ضحايا. وأشار نائب مدير الدفاع المدني السوري، إلى وجود بعض حالات إغماء بين المدنيين جراء الزلزال، وقال: الأوضاع الحالية جيدة إذا تمت مقارنتها بنتائج الزلزال السابق، إلا أن حالة الخوف والهلع تسيطر على المدنيين، كما أن العديد من العائلات تفترش الطرقات في المناطق المفتوحة والبعيدة عن الأبنية السكنية، وبعضهم قام بتحويل سيارته إلى منزل مؤقت.
150 حالة هلع وانهيار عصبي
الطبيب المختص بالأمراض النفسية في مستشفى الكنانة في دارة عزة في ريف حلب، عبد الرحمن حاج بكر، يقول لـ “القدس العربي: واجهنا أمس 150 حالة هلع وانهيار عصبي، نتيجة الزلزال الثاني الذي ضرب المنطقة مساء الاثنين، منها حالات هلع، وحالات رهاب ما بعد الزلزال، وكرب ما بعد الصدمة.
أما بالنسبة للعلاج الأساسي فهو الدعم النفسي، وفي حال تطورت الحالة ممكن أن يدخل الشخص بحالة من الاكتئاب، وأصعب ما يمكن الحديث عنه هو الوصول إلى مرحلة الذهان أو ثنائي القطب وهي حالات واجهناها خلال الأيام الماضية. وأكد الطبيب المختص بـ “رأب الفجوة النفسية”: أن التأثير النفسي سيكون طويل الأمد، لأن خروج ذاكرة الرعب من الأطفال والبالغين يحتاج وقت طويل، وكما هو معلوم فإن التعافي النفسي يأخذ وقت أطول من التعافي الجسدي. ولفت حاج بكر، إلى أن الأطباء يقومون بجلسات دعم النفسي “ورغم الكثير من العقبات التي تواجهنا إلا أننا تمكننا من توفير عيادات للرعاية العقلية mhgap لكنها نفتقر للأخصائيين النفسيين ومراكز دعم النفسي للأطفال والبالغين” مؤكداً عدم توفر 50 % من الأدوية المطلوبة. وأضاف “أدوية الاكتئاب متوفرة نسبياً، بينما تعتبر أدوية الصرع قليلة وخصوصاً ديباكين من النوعين الحبوب والشراب وليفروماكس، فضلاً عن نقص الأدوية المهدئة مثل ليكسوتان وموتيفال”.
وقال الطبيب: عندما استفاق الناس على الزلزال الماضي كانوا يعتقدون أنه نوع من القصف الذي عايشوه على مدار 12 سنة، لكن وعند استيعاب الأمر تشكل نوع من الضغط النفسي والخوف رافقهم مع استمرار الهزات الارتدادية القوية. أما زلزال يوم أمس، فقد حرّض لدى المتضررين الأثر النفسي السابق من الخوف والرعب، وتفاعل معهم بعد تكشف آثار الزلزال المدمر من موت وإصابات ودمار وفقدان الأسرة والممتلكات، وهذا الخوف رافق الجميع من أطفال وكبار سواء كانوا رجال أو نساء. ونصح الطبيب جميع المتضررين بالتزام المخيمات على اعتبارها مصدر “أمان نفسي وهدوء للناس في الوقت الحالي” وقال: يجب الاهتمام بالأطفال وإشعارهم بنوع من الأمان ومحاولة طمأنتهم ومواساتهم.
ضغط نفسي
ويعيش السوريون وخاصة في المنطقة المنكوبة شمال غربي سوريا، حالة من التوتر النفسي وضغط مستمر منذ الزلزال المدمر في 6 شباط. منظمة الخوذ البيضاء قالت في بيان رسمي، إن فرقها استنفرت في شمال غربي سوريا وأسعفت أغلب المصابين وتفقدت الأماكن المتضررة وقدمت المساعدة وفتحت الطرقات المغلقة. ويأتي الزلزال الجديد بعد الكارثة الكبرى والزلزال المدمر في 6 شباط في وقت يتفاقم فيه الوضع الإنساني بالفعل حيث باتت آلاف العائلات شمال غربي سوريا، بلا مأوى وتكافح من أجل البقاء في درجات حرارة الشتاء المنخفضة وغياب لمقومات الحياة وضعف الاستجابة الإنسانية.
وبلغت إحصائية ضحايا الزلزال السابق في شمال غربي سوريا، بعد مقاطعة الإحصاءات مع أغلب الجهات الطبية، 2274 حالة وفاة، وأكثر من 12400 إصابة، واستجابت فرقنا لـ2171 حالة وفاة، وأسعفت نحو 2950 مصاباً. ووثقت فرق الدفاع المدني انهيار أكثر من 550 مبنى، بينما تضرر بشكل جزئي أكثر من 1570 مبنى وآلاف المباني والمنازل تصدعت في عموم المناطق التي ضربها الزلزال.
مشهد مؤلم
لم تنته المآسي التي خلفها الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا، حيث رصدت العدسات بعض هذه المآسي، فيما يبقى البعض الآخر حبيسا بين خلجات المنكوبين والمتضررين. وتداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي، مقطعاً مؤلماً لحظة وقوع الزلزال، يظهر فيه مجموعة من الأطفال المصابين إثر الزلزال الأول، وهم يناشدون الأطباء والممرضين “أرجوكم لا تتركونا”.
ويظهر الأطفال بإصابات وكسور، في مستشفى حارم العام شمال غربي سوريا، في حالة من الرهاب والهلع وهم يبكون ويتوسلون الممرضين من حولهم، ويستنجدون ألا يتركوهم لحظة وقوع الهزة الأخيرة يوم الاثنين في سوريا. ونشرت مجموعة تطوعية، المقطع المصور، وكتبت “من مشفى حارم العام اليوم ونحنا عم نوزع هدايا الأطفال، صار الزلزال هالأطفال منهم فقدوا أهلهم بالزلزال الأول، قلبهم ما عم يتحمل صدمات جديدة”.
المتطوعة لدى فرق الخوذ البيضاء هلا عاصي تقول “كل ما مشيت بالشوارع بتذكر الحياة يلي كانت تملأها أصوات الأطفال وضحكاتهم وجيراني يلي فقدتهم، لحد هلق ما مستوعبة كيف بلحظة صار كلشي دمار، وعوائل بأكملها اندفنت تحت الركام بعد الزلزال وذكريات سنين انمحت، بفرح بكل حدا قدرنا ننقذه على قيد الحياة، وبزعل على مستقبلهم يلي رح يكون مليء بقصص الفقد والقهر، بتذكر أصوات الأطفال والناس من تحت الأنقاض وكيف شافوا النور بعدها ولحظات إنقاذهم وإسعافهم، وبزعل على الخسارات بالأرواح والمنازل يلي كانت تجمعهم، مشاعر مختلطة ملازمتنا لليوم، خوف ورعب وزعل والبال يضل مشغول على أهلنا بكل مكان، والهزات ما عم توقف، ورغم هيك مستمرين بعملنا حتى نخفف أهوال الكارثة والصدمات يلي عم يعيشوها الناس بمناطق شمال غربي سوريا”. ومن بين هذه المآسي، والصدمات، رصدت “القدس العربي” معاناة عائلة سورية نازحة إلى قرية معارة اخوان شمال غرب مدينة إدلب: “بكاء وصراخ لا تميز فيه في بين أصوات الكبار والصغار”، هكذا بدت حالة عائلة مصطفى العبد -77 عاماً – والتي تضم الأولاد والأحفاد وبعدما نزحوا من قرية النيرب شرق إدلب، وتجمعوا في بيت واحد يكاد لا يتسع لأكثر من 5 أشخاص.
آية العبد حفيدة مصطفى تصف لـ “القدس العربي” لحظات الرعب التي كانت السبب في قضائهم الليلة الماضية في العراء مع أطفالهم على حافة الطريق: نحن ضيوف عند بيت جدي، هربنا من البنايات الطابقية في مدينة معرة مصرين شمال إدلب، عائلة جدي كبيرة، اجتمعنا أكثر من 15 شخصاً في بيت مؤلف عن ثلاث غرف، ورغم أن جدران البيت كانت قد تشققت وتهدم الجدار الأمامي بسبب زلزال 6 شباط، إلا أننا أجمعنا على أنه بيت آمن طالما أنه أرضي مبيني من الطوب والحجر. وبينما كنا في فناء الداء، انهارت بعض الجدران المتصدعة، رافق صوت الانهيار أصوات الأرض المرعبة ونحيب الجيران والناس في الطرقات، وصراخ الأطفال ملأ المكان، أما بناتي قد أصابهن نوع من الكريزة غير الطبيعية.
3 عائلات في خيمة واحدة
خرج الجميع دون وعي، وها نحن قد نصبنا خيمة صغيرة إلى جانب عشرات الخيام، بينما تسود حالة من الهلع والترقب لما هو آت. لكن المؤسف وفق ما تقول: لقد خسر جدي في هذه الكارثة أرزاقه، وقضى الزلزال على الكثير من رؤوس الماشية، فقد نتج الخراب عن موت أكثر من 20 رأساً من الأغنام.
وفي حين سارعت سلطانة إبراهيم -35 عاما- خطواتها للهرب خارج المنزل في مدينة الدانا مع زوجها وأطفالها، تقول لـ”القدس العربي” أولادي أصيبوا بإرهاق نفسي، بحالة خوف دائم، لم نعد نجرؤ على النوم في المنزل… نتقاسم الخيام. وتضيف: أصبحنا الآن ثلاث أو 4 عائلات نبيت في خيمة واحدة، وقسمنا الخيام بين النساء والرجال، وهذه الحالة تعم المنطقة، إلا أنها باتت تشكل بحد ذاتها نوعاً من الفوبيا لدى الأطفال.
القدس العربي