الثقافة المؤسسية ركيزة أساسية لتحديث القطاع العام
المدينة نيوز :-– تعد الثقافة المؤسسية إحدى أهم عناصر البرنامج التنفيذي لتحديث القطاع العام الأردني، والذي يرتكز على إدارة التغيير والتمكين والمساءلة في الدوائر والمؤسسات، وإطلاق برامج لتنمية هذه الثقافة لدى القيادات والموظفين في الجهات الحكومية ضمن مساراتهم الوظيفية.
وتحدث متخصصون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن الثقافة التنظيمية باعتبارها مجموعة مشتركة من المعتقدات والقيم والمدركات التي تشكل انطباعات، وترسخ اتجاهات، ويترتب عليها سلوكيات تشكل القواعد الأساسية لأداء العاملين في المؤسسات العامة وفق أسس الفاعلية والكفاءة، كعناصر تدعم الأداء الجيد، وتحسن جودة الخدمات المقدمة للمواطن.
وقال أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة الأسبق الدكتور عبدالله القضاة إن برامج تطوير الثقافة المؤسسية تلعب دورا مهما من خلال محورين أساسيين، الأول يتعلق بالقيم الجوهرية العليا للدولة وضرورة ترسيخها لدى جميع العاملين في القطاع العام إلى جانب منظومة الأخلاقيات العامة، والثاني المفاهيم الحديثة في الثقافة المؤسسية، والتي تركز على إدارة التغيير والتمكين والمساءلة في الدوائر والمؤسسات، وبرامج لتنمية الثقافة المؤسسية للقيادات والموظفيـن فـي الجهات الحكومية ضمن مساراتهم الوظيفية.
وأضاف أن دور الثقافة التنظيمية لا يقتصر على تحسين الأنماط السلوكية في المؤسسة، من خلال توقع الأحداث وفهم مواقف الأفراد ومساعدة المؤسسة في التغلب على التحديات الداخلية والخارجية، وإيجاد البيئة التنظيمية والمناخ التنظيمي الملائم للعمل والإنجاز والإبداع والابتكار والتطوير والاستفادة من مميزات العمل الجماعي خلال فرق العمل المدارة ذاتية، بل يمتد ليشمل الاستفادة من التغذية الراجعة التي تفيد أعضاء الفريق والفريق نفسه، وتساعدهم على تصحيح الأخطاء والانحرافات، ثم الاحتفاظ بمستوى أداء فاعل يعالج الانحرافات أولا بأول والتعرف على سبل تطوير وتحسين الأداء.
وأكد أن بناء الثقافة التنظيمية يحتاج إلى استراتيجية تضمن تناغم عناصر التنشئة الاجتماعية في المملكة؛ بدءا من مناهج التعليم وإعادة النظر في دور الأسرة والجامعة ودور العبادة وبدعم من وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تعزيز دور معهد الإدارة العامة في ترسيخ هذه القيم والمبادئ السلوكية الإيجابية وتحسين الصورة الذهنية للقطاع العام لدى المجتمع، فالموظف العام ابن مجتمعة، ولا بد أن يتم تعزيز دوره وتمكين سلوكه العام من جميع المعنيين بالدولة عبر مراحل زمنية مختلفة ومتكاملة.
وقال المستشار الاقتصادي ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا الدكتور راضي العتــوم، إن رسم استراتيجيات التطوير والتحديث على المستويات الثلاثة؛ الاقتصادية والإدارية والسياسية يعد خطوة في الاتجاه الصحيح للنهوض بالتنمية الشاملة في المملكة.
وقال "لا شك أن الإصلاح الإداري ليس من السهولة بمكان أن يتحقق لتداخل عوامل كثيرة مؤثرة في إدارة أجهزة الحكومة؛ فالعوامل البشرية، والعوامل الإجرائية، والتشريعية، والتنظيمية، وبيئة العمل عموما، والظروف والأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحلية والمحيطة كلها تؤثر في أداء العمل العام".
وبين العتوم أن أهم عامل ومكون للتطوير الإداري هو العامل البشري؛ مثل الموظف التنفيذي في الصف الثاني والثالث، والموظف المسؤول في الصافي الثاني وهم الإدارة الوسطى من رؤساء أقسام، ومدراء مديريات، ثم الإدارة العليا وهم المدراء والأمناء العامون، ثم الوزراء، ورؤساء مجالس الإدارة، ورؤساء الدواوين ومن هم بالمجموعة الأولى، فكل تلك الشرائح وما يؤثر عليها تنعكس على أداء القطاع العام، خاصة إذا نظرنا إلى مؤثرات وضغوطات مجلس الأمة، وضغوطات أصحاب المصالح، وجماعات الضغط، وبالتالي الدولة العميقة، كلها حقيقة تؤثر في واقع عمل، وأداء، وإنجازات مؤسسات ودوائر القطاع العام.
وتابع "لذلك، فتفهمنا لتلك المؤثرات بكافة سبلها تجعلنا نفكر بطريقة أعمق وأشمل، وأكثر موضوعية عند اتخاذ القرارات والسير بالتوجهات الإدارية والتنموية بفنياتها وتداخلاتها نحو المستقبل.
وأشار إلى أن التركيز الحكومي على المحور المؤسسي يأتي في مكانه الواقعي والعملي؛ إذ إن تصميم برنامج لتطوير الثقافة المؤسسية وتركيزه على إدارة التغيير، والتمكين، والمساءلة يعد أمرا حيويا وضروريا.
وأكد أن مقاومة التغيير لها أسباب متعددة، أبرزها الخوف من إدراك أهمية التغيير المطلوب الذي يعني التغيير لضبط خطوات سير العمل، وتحديد مراحل الإنجاز بزمن معين ترصده برمجة حاسوبية متقدمة؛ ما يعني ضبط الأداء لكل شخص.
وأشار إلى أن حوكمة العمل وتنظيمه، وإيضاح جوانب المساءلة حوله، وإظهار مدى النزاهة، والإنصاف بالإجراء، والتنسيب، وبالتالي بالقرار، ومن هنا تكون الصورة أمام القيادات واضحة، فيمكنها من معرفة كافة تفاصيل الإنجاز والعمل، وأية قصور في أي جانب منه، وهذا يمكن القائد من مساءلة ومحاسبة الموظف المسؤول بكل بساطة، ومن هنا يأتي الخوف من التغيير.
وأوضح أن إطلاق جائزة لأفضل قائد للتغيير، وأفضل فريق للتغيير يعتبر غاية في الأهمية؛ إذ إن القائد هو القدوة في الجد والعمل والتجديد والتطوير، وهو القدوة في الحفاظ على المال العام من البذخ والإسراف، والحرص على ممتلكات الدائرة والدولة، لذلك فالتثقيف المؤسسي للقادة ضروري خاصة وأن البعض قد لا تكون لديه خبرة في القطاع العام، أو خبرته محدودة في دائرة واحدة أو عمل واحد؛ لذلك فحاجتهم ماسة لفهم الواقع المؤسسي الشامل.
ولفت إلى أن إدماج مكون الهيكل التنظيمي والحوكمة معا فيه شك بموضوعية الطرح العلمي لهما معا؛ فالحوكمة تشمل تنظيم أعمال الدائرة بما فيها التشريعات، والهيكل التنظيمي، ونتائج الأعمال المالية، والموارد البشرية وغيرها، حيث تعد هذه من عناصر الحوكمة.
وقال إن هناك مبادئ للحوكمة تشمل تسعة مبادئ من بينها القيادة، والنزاهة، والشفافية، والمساءلة، والفعالية، والكفاءة، والاستدامة، وهذه العناصر، والمبادئ أقرتها الحكومة عام 2017.
يذكر أن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة أعلن عن الأولويات والمبادرات التي ستعمل الحكومة عليها خلال العام الجاري 2023، ضمن برنامج تنفيذي لخارطة طريق تحديث القطاع العام، وحددت الحكومة 51 أولوية عمل للعام الحالي.