خبراء: ثبات التَّشريعات بخطة تحديث القطاع العام استشراف لمتطلبات النمو
المدينة نيوز - رزان المبيضين- على مدى أكثر من قرن من الزمان كان تطوير وتحسين القوانين الناظمة لكل شؤون الحياة اليومية، ومن بينها تلك التي ينتظم عليها عمل مؤسسات الدولة وأدائها محل اهتمام المشرع الأردني والسلطة التنفيذية، ومن أجل هذا كان يتم فتح هذه القوانين بين فترة وأخرى لتعديلها وتحسينها وبما يخدم المواطن.
ونظرا لأهمية الثبات التشريعي والإداري في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المؤسسات والمجتمعات، أكدت الحكومة أن المكون التشريعي سيكون من بين أولوياتها المهمة في برنامج تحديث القطاع العام خلال العامين الحالي والمقبل، وبما يضمن إعداد منظومة تشريعات لتطوير الهياكل التنظيمية للمؤسسات تحافظ على الثبات التشريعي والإداري وتتجنب التغيير المستمر.
ويتضمن البرنامج إقرار نظام متكامل لإدارة القيادات الحكومية من حيث طريقة التعيين والترفيع والتخطيط لبناء قيادات إدارية متعاقبة، إضافة إلى إعداد الإطار التشريعي لإنشاء هيئة الخدمة والإدارة العامة، وهو ما رأى خبراء فيه توجها ينم عن إدراك متطلبات الإدارة الحديثة.
وكان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة أعلن في مؤتمر صحفي الأحد الماضي عن الأولويات والمبادرات التي ستعمل عليها الحكومة لعام 2023، ضمن البرنامج التنفيذي لخريطة طريق تحديث القطاع العام.
وأعاد الشريدة التذكير بأن خريطة التحديث تهدف الى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، والوصول إلى قطاع عام متمكن وفعال، لافتا الى أن الخريطة تتضمن ثلاثة محاور رئيسة هي: محور الخدمات، والمحور المؤسسي إضافة إلى المحور التشريعي.
وأوضح أن الأولويات التي وضعتها الحكومة في محور التشريعات تأتي لتنفيذ المبادرات التي تضمنها كل مكون من المحاور الثلاثة الرئيسة للخريطة، لافتا الى إقرار نظام التنظيم الإداري لوزارة الاتصال الحكومي في الربع الأخير من العام الماضي.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، استطلعت آراء متخصصين في التشريعات والإدارة العامة والقوانين الناظمة ومقارنتها ببرنامج العمل التنفيذي الذي أعلنته الحكومة، مؤكدين أن الثبات التشريعي والإداري ضرورة ملحة لتنظيم العمل وتطوير الهياكل التنظيمية للمؤسسات وتعزيز فرص تطورها واستقرارها، وتحقيق كفاءة وجودة أدائها، إضافة الى تحقيق التنمية المستدامة، وتحسين الخدمات التي تقدمها للمستفيدين منها، وذلك من خلال توفير بيئة عمل مستقرة ومنظمة .
ولفت هؤلاء خلال حديثهم لـ (بترا) إلى أهمية تبني الأسس الحديثة في التشريع وفق الممارسات الدولية الفضلى، واتباع النهج التشاركي في صياغة النصوص المستحدثة، وإجراء معالجة قانونية شمولية للتشريعات باعتبارها وحدة واحدة، وضمان الاستقرار التشريعي لها بصورتها الجديدة أو المعدلة.
مديرة وحدة إدارة وتنفيذ برنامج تحديث القطاع العام وداد قطيشات، أكدت أن نظام إدارة القيادات الحكومية كونه أحد أدوات التحديث، يتضمن بشكل أساسي الأسس والمعايير التي ستبنى عليها عملية تطوير الخدمات المقدمة في القطاع العام حيث يهدف إلى تطوير الخدمات المقدمة من قبل الوزارات والمؤسسات للمواطن.
وأشارت الى أن نظام إدارة القيادات الحكومية يركز على مبدأ المساءلة والتحفيز، لافتة إلى أنه يتم الآن العمل على مشروعين لتطوير منصة "بخدمتكم" لتفعيل دورها بشكل أكبر، وهناك حملة إعلامية تروج للمنصة تشجيعا للمواطنين على تقديم شكاواهم واقتراحاتهم وآرائهم عبرها.
وبخصوص إنشاء مراكز خدمات حكومية على غرار مركز المقابلين قالت قطيشات، إن هناك خطة مبدئية يتم العمل عليها بالتوافق مع وزارة الاقتصاد الرقمي لإنشاء مراكز على امتداد المملكة بحيث يتم العمل على تحويل 5 مراكز حكومية قائمة الى مراكز خدمات شاملة و 5 أخرى سيبدأ إنشاؤها هذا العام وحتى النصف الأول من العام المقبل، مشيرة الى أن تحديد مواقع هذه المراكز يعتمد على عدة عوامل منها توفر المبنى، والكثافة السكانية وسهولة الوصول.
من جهته أكد نائب عميد كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط الدكتور محمود الرجبي أن منصات التواصل الاجتماعي تشكل فرصة كبيرة لصاحب القرار لقياس ردود الفعل حول الخدمات المقدمة، والصورة المرتسمة في أذهان الناس حول المؤسسة الحكومية وهذا ما لا تتيحه الآراء المتوفرة عبر منصة "بخدمتكم"، بينما يتيح الفضاء المفتوح فرصة للتعبير بصراحة اكبر، ما يساعد في إعطاء الصورة الإيجابية عن مؤسسات الدولة وكسب رضا المواطن.
واعتبرت الدكتورة جمانة الزعبي، أستاذ مشارك في الإدارة العامة في الجامعة الأردنية، أن إعداد القيادات عملية مهمة لتطوير وتعزيز القدرات القيادية في القطاع الحكومي وتحفيزهم على تحمل مسؤولياتهم وتعزيز مهاراتهم في اتخاذ القرارات وذلك ضمن ثلاثة عوامل أساسية تراعي طبيعة عمل المؤسسة ورؤيتها وأهدافها. وبينت أن أول تلك العوامل هو توفير التشريعات الاساسية للبنية التحتية لبيئة العمل وثانيها تمكين القيادات، أما العامل الثالث فيركز على أخلاقيات العمل للقادة وتأثيرهم الايجابي على مجتمعاتهم.
وأِشارت الزعبي إلى أهمية الثبات التشريعي والإداري في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المؤسسات والمجتمعات، في تعزيز المأسسة وضمان حماية حقوق جميع الأطراف المعنية من التقلبات القانونية والإدارية.
وأضافت، إن الثبات الإداري والوظيفي يؤكد أن المؤسسة قادرة على توفير وضبط إجراءات وسياسات وتوجيهات ثابتة تحكم عمل المؤسسات بشكل مؤسسي، وتضمن تنفيذ وتطبيق القوانين واللوائح بشكل موحد، وتحقيق العدالة والمساواة في المعاملة بين الموظفين والمستفيدين من الخدمات الحكومية، وتحقق التميز والفعالية في أداء المهام وتحقيق الأهداف.
وأوضح المتخصص في القانون الدستوري والإداري الدكتور سيف الجنيدي، أن خريطة طريق تحديث القطاع العام (2022-2025) تضمنت سبعة محاور أساسية، من ضمنها محور التشريعات المتعلقة بالإدارة العامة.
وبين أن محور التشريعات في خريطة تحديث القطاع العام اتسم بالشمولية؛ لامتداده إلى تطوير وتعديل منظومة التشريعات والأنظمة المتعلقة بالإدارة العامة، وتضارب المصالح ومتطلبات النزاهة والمخالفات الإدارية، بما فيها نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020، بالإضافة إلى استحداث وتطوير الأنظمة الخاصة بالخدمات الحكومية وإدارتها.
وترتكز أسس التحديث القانوني المقترحة على نهج التغيير الإيجابي، وبما يضمن حسن تطبيق التشريعات المستحدثة وفعاليتها وتبني النهج التشاركي في صياغة النصوص المستحدثة، والمعالجة القانونية الشمولية للتشريعات باعتبارها وحدة واحدة.
وأكد ضرورة الالتفات بجدية إلى الميثاق الأخلاقي ومدونات السلوك الوظيفي للقطاع العام من خلال مراجعتها وتطويرها؛ لضمان تنفيذها وانسجامها مع مفاهيم الشفافية والنزاهة، وعقد ورش توعوية للموظفين حولها، باعتبارها وسيلة للمساءلة الذاتية، وتبيان طبيعة الالتزامات التكميلية.
ولفت الجنيدي إلى أن التعديلات التشريعية المتوائمة مع بنود خريطة تحديث القطاع العام تعتبر الوعاء التنظيمي الضامن لإنفاذ الرؤى الجديدة، واللازمة لانتظام سير المرافق العامة في الدولة وحسن أدائها ومرونة استجابتها للمستجدات والتطورات المتسارعة عالميا، خصوصا في ظل المساعي لأتمتة الخدمات ورقمنتها، وبما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة وتحسين كفاءة الإدارة العامة.
--(بترا)