داس بحذائه على سجادة صلاة.. صورة لزعيم المعارضة التركية تثير جدلا وتعيد تقييم قدرته على هزيمة أردوغان
المدينة نيوز :- فجّرت صورة لزعيم المعارضة التركية ومرشح تحالف الطاولة السداسية للانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، وهو يدوس بحذائه على سجادة صلاة، جدلاً واسعاً في تركيا.
ورغم اعتذاره رسمياً عن الحادثة التي قال إنها غير مقصودة، فُتح الباب واسعاً أمام الجدل والتكهنات حول مدى قدرة كليتشدار أوغلو على اجتذاب أصوات شريحة من المحافظين الأتراك، وبالتالي هزيمة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وذلك قبيل أقل من 6 أسابيع فقط على الانتخابات المصيرية المقررة في الرابع عشر من مايو/ أيار المقبل.
والسبت، انتشرت على نطاق واسع صورة لكليتشدار أوغلو مع ثلاثة أشخاص بينهم جنان قفطانجي أوغلو، رئيسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وهم يلتقطون صورة حيث ظهروا جميعاً وهم يرتدون أحذية ويدوسون على سجادات صلاة كانت مفروشة على الأرض، حيث انتشرت الصورة كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، وولّدت ردود فعل غاضبة على نطاق واسع.
واعتبر مغردون أن ما جرى هو “إهانة لقدسية الصلاة” و”استهتار بقيم المسلمين المحافظين”، وسرعان ما تحول الجدل إلى نقاش سياسي عميق باتهام حزب الشعب الجمهوري العلماني، بأنه “لم ولن يتغير على الإطلاق” وأنه لا يزال “لا يحترم قيم المحافظين الأتراك والقيم الإسلامية”، وامتد النقاش للانتخابات المقبلة باعتبار أن ما جرى “هو دليل قاطع على ما سيقوم به كليتشدار أوغلو ضد المحافظين الأتراك” في حال فوزه بالانتخابات.
وفي أول تعقيب على ما جرى، قال حزب الشعب الجمهوري، إن الصورة التُقطت عقب مشاركة كليتشدار أوغلو في إفطار رمضاني مزدحم، حيث حصل ازدحام شديد من قبل المشاركين لالتقاط الصور معه، وكنتيجة للازدحام والفوضى، داس على سجادة الصلاة بدون أن يعلم بذلك. وعبّر البيان عن “الحزن العميق” نتيجة ما جرى مع قيادات الحزب “الذي يعرف الجميع حساسيتهم اتجاه هذه المسائل”، حسب تعبير البيان.
وفي السياق ذاته، نشر كليتشدار أوغلو تغريدة عبّر فيها عن اعتذاره وحزنه لما جرى، وكتب عبر تويتر: “أنا حزين، حزين جداً، لأنني لم أستطع رؤية سجادة الصلاة، لم أرغب على الإطلاق في إيذاء (مشاعر) أي شخص في العالم، وخاصة شعبي، وهنا أترك الذين يحاولون استغلال الحادثة عبر أدواتهم التحريضية لضمير ووجدان أمتنا”.
لكن قيادات بارزة في حزب العدالة والتنمية الحاكم، نشرت الصورة على نطاق واسع مع تعليقات تهاجم كليتشدار أوغلو، وتتهمه بـ”ازدراء قيم المسلمين الدينية والمعنوية”. وكتب نائب رئيس الحزب حمزة داغ: “المكان الذي دست عليه بحذائك هي السجادة التي يركع عليها المسلمون”، في حين تسائل وزير الصناعة مصطفى فارانك بالقول: “إذا كان هؤلاء الأشخاص الغريبون عن قيم شعبهم سيحكمون البلاد، فهل سيحترمون هذه القيم ويراعونها؟”، كما اعتبر وزير العدل بكير بوزداغ ما جرى “قلة أدب واحترام”.
وعلى الرغم من أن ما جرى مجرد حادثة يؤكد كليتشدار أوغلو أنها غير مقصودة، إلا أنها خلفت إحراجاً واسعاً لحملته للانتخابات الرئاسية وللأحزاب السياسية التي تدعمه في الانتخابات، لاسيما الأحزاب المحافظة ذات التوجهات الإسلامية التي التزمت الصمت، وأبدى عدد من أنصاره غضبهم مما جرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويدعم كليتشدار أوغلو في سباقه للانتخابات الرئاسية عدد من الأحزاب المحافظة منها حزب السعادة الإسلامي، وحزب المستقبل الذي يقوده أحمد داود أوغلو رفيق أردوغان السابق، وحزب الديمقراطية والتقدم الذي يقوده علي باباجان، وهو ما كان يتيح لكليتشدار أوغلو اجتذاب شريحة من أصوات المحافظين الأتراك الذين يمثلون الأغلبية في البلاد، والقادرة على حسم فوز أي مرشح في الانتخابات الرئاسية.
لكن هذه الواقعة يمكن أن تؤدي إلى اهتزاز ثقة المحافظين الأتراك في الوعود التي يقدمها كليتشدار أوغلو، والتي ترتكز بدرجة أساسية على تقديم تطمينات للمحافظين بأن حزب الشعب الجمهوري تغير، ولن يعود لحقبة المنع والتضييق التي مارس فيها سابقاً إجراءات تعسفية ضد المحافظين والمحجبات، كما أن هذه الواقعة تدعم دعاية أردوغان الانتخابية التي تقوم بدرجة أساسية على إقناع الناخبين الأتراك ولا سيما فئة المحافظين، بأن عودة حزب الشعب الجمهوري إلى الحكم، تعني عودة سياسات القمع والتضييق على المحافظين.
وفي السنوات الأخيرة، تمكن كليتشدار أوغلو من تحقيق نقلة نوعية في حضوره السياسي، وذلك من خلال القيام بإصلاحات واسعة في فلسفة حزب الشعب الجمهوري الذي اتُهم على الدوام بتوجهاته العلمانية الكمالية المتطرفة، والتضييق على المحافظين الأتراك، قبل أن ينجح في إبعاد الشخصيات “الصدامية” مع المجتمع، وتقديم خطاب معتدل، وصولاً إلى الاعتذار والاعتراف بأن سياسيات التضييق على الحجاب كانت “تصرفا خاطئا” يجب ألا يتكرر.
لكن كليتشدار أوغلو الذي وصف سابقاً الحجاب بأنه “قطعة قماش من مترين” يبقى محسوباً على التكتل اليساري العلماني داخل الشعب الجمهوري، والذي لم يعد قادراً على حصد أصوات تؤهله للفوز في أي انتخابات بتركيا. فالنجاح الوحيد لكليتشدار أوغلو خلال فترة رئاسته، هو الفوز برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة، وهو الفوز الذي لم يكن ليتحقق لولا اختياره مرشحين ذوي توجهات محافظة، ولديهم مواقف معلنة باحترامهم للحجاب وتصالحهم مع الدين بعيداً عن المواقف العلمانية المتشددة.
وفي محاولة لتغيير هذه الصورة، اتخذ كليتشدار أوغلو خطوات هامة تتعلق بـ”تحييد” القيادات العلمانية المتشددة عن المشهد السياسي، وإفساح المجال أمام الخطاب الواقعي والمتزن، وهو ما بدد المخاوف التقليدية لدى المحافظين الأتراك، حيث أكد مراراً أن التاريخ لن يعود للخلف، وأن لا إجراءات ضد المحافظين. ودلل على ذلك بتعيين سيدات محجبات في طاقمه المقرب، وأبرز حضور رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة ذات الميول القومية والمحافظة، وهو ما رفع أسهمه الانتخابية بشكل كبير.
في خطوة مفاجئة وغير تقليدية، أعلن كليتشدار أوغلو، قرار حزبه تقديم مشروع قانون للبرلمان التركي يتعلق بحماية حقوق المحجبات والحريات الشخصية المتعلقة بارتداء الملابس، وهي مبادرة أجمع مراقبون على أنها تهدف إلى “خلط الأوراق” ومحاولة لـ”سحب ورقة المحجبات من حزب العدالة والتنمية الحاكم” في إطار مسعى لكسب أصوات المحافظين الأتراك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
ومنذ عقود طويلة، يُنسب إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو 100 عام، كافة القرارات والإجراءات العلمانية المتشددة التي استهدفت المحافظين في البلاد، ومنها سن القوانين التي حاربت ارتداء الحجاب، ومنع الدخول به إلى المؤسسات التعليمية والصحية. وهي القوانين التي بقيت مطبقة حتى سنوات قريبة، قبل أن يتمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم من تغييرها وفرض واقع جديد في البلاد.
إلا أن كمال كليتشدار أوغلو الذي يطمح للوصول إلى الرئاسة التركية، اعترف في أكثر من مناسبة مؤخراً، بأن هذه القرارات “كانت خاطئة” وأن “لا عيب في الاعتراف بالخطأ”، متهماً حزب العدالة والتنمية بـ”استغلال” القضية في كل جولة انتخابية من أجل تحقيق مزيد من الأصوات على حد تعبيره.
القدس العربي