الإنشاد الديني.. تفرد في فن الغناء على هوى المدائح والابتهالات الروحانية الآسرة
المدينة نيوز :- لا جدال بأن للموسيقا والغناء جذوراً ضاربة في التاريخ منذ قديم الأزل، انبثقت في أصلها من طقوس وشعائر دينية في الحضارات القديمة، لا سيما في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل وبلاد فارس والهند، ومع تطور حال الغناء واتخاذه أشكالا وصنوفا متعددة ومنها ما هو للترفيه عن النفس، والاحتفالات بالمواسم، والمناسبات الاجتماعية، والانتصارات في المعارك والحروب، حتى صار له أنواعه وطرقه وإيقاعاته، وبالتالي تفرد فن الإنشاد الذي يتكئ على جذور الغناء الديني، ليمسي فناً له أصوله وقواعده وأنواعه مفعما بروحانية آسرة.
* تاريخ الإنشاد الديني في الإسلام
بدأ الإنشاد الديني الإسلامي في زمن النبيّ محمّد (ص)، إذ كان عليه الصلاة والسلام قد مرّ بنسوةٍ كُن يمدحنه ويقلن: (نحنُ نسوةٌ من بني النجار.. يا حبّذا محمّدٌ من جارِ)، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوي إلى يومنا هذا، إذ نجد الكثير من أحباب الله ورسوله ينشدون ويمتدحون النبيّ، ويشتمل الإنشاد الديني على الأذكار والتهليل والتسبيح والابتهالات.
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث الإسلامي، بأن بدايته كانت مع بداية الأذان حيث كان أول مؤذن بالإسلام الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه يُجوّد فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسناً بصوت جميل عذب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتى.
وكانت بداية الإنشاد الديني على أيدي مجموعة من الصحابة في عهد الرسول، ثم مجموعة من التابعين، واعتبرت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول ، هي الأساس للمنشدين، إذ تعتبر قصيدته (وأحسن منك لم تر قط عيني.. وأجمل منك لم تلد النساء/ خلقت مُبرأً من كل عيب.. كأنك قد خلقت كما تشاء)، واحدة من أبرز القصائد التي يبني عليها المنشدون إلى اليوم مديحهم النبوي.
وتغنى المنشدون كذلك، بقصائد لشعراء كتبوا في موضوعات متنوعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك، ولعل حكاية استقبال الرسول الكريم (ص) في المدنية المنورة عندما هاجر إليها، واستقبال أهلها المسلمين له وهم ينشدون: (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع)، علامة فارقة في تاريخ الغناء والموسيقا العربية، كون جموع الناس يعتبرونها أساساً للإنشاد الإسلامي وبداية له.
وفي عهدي الأمويين والعباسيين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله، وضوابطه، وقوالبه، وإيقاعاته.
واشتهر الكثير من المنشدين وكان أكثر المنشغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وكان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين ورجال الفن.
وكذلك كان الخليفة العباسي الواثق الذي كان يغني له إسحاق وإبراهيم الموصلي، وهما من أشهر الموسيقيين في العصر العباسي وعبد الرحمن بن الحكم الذي ذاع في عهده صيت "زرياب" الذي وضع الوتر الخامس للعود وهو تلميذ إسحاق الموصلي، وغيرهم كثيرون ممن اشتهروا بغناء وتلحين القصائد الدينية والأناشيد.
ولا يعتبر الإنشاد الديني حكراً على المسلمين، فُقد عرف منذ قديم الأزل، وبحسب مؤلفة كتاب (فن الإنشاد الديني) للباحثة المصرية مروة البشير والصادر عن الدار المصرية اللبنانية؛ تشير في مقدمة كتابها إلى أن مصر الفرعونية هي أول حضارة في العالم عرفت الإنشاد الديني، وهو الإنشاد المصاحب للطقوس والعبادات وإقامة الشعائر والصلوات داخل المعابد عبر مجموعة من الترانيم تستند لنصوص دينية، وكانت أشهر هذه الأناشيد على الإطلاق للملك الفرعون اخناتون.
ولعل حكاية مزامير النبي داوود عليه السلام في القراءة الدينية والتسابيح تؤشر إلى ذلك القدم في فن الإنشاد الديني، والمقصود بمزامير داود هو الصوت الرائع الذي كان يمتلكه نبي الله داود (عليه السلام) إذ كان معروفا عليه السلام بين قومه، بصوته الشجي مؤثراً بهم، كما عرفت المسيحية الإنشاد أيضاً، إذ انتشر مع ظهور الديانة المسيحية، وكان يؤدى بشكل فردي أو جماعي، وبعد انتهاء عصر اضطهاد المسيحيين، قام آباء الكنيسة بتأسيس نظام للطقوس الدينية المؤلفة من الأناشيد التي يترنم بها المنشدون في المناسبات المختلفة طوال السنة.
*الغناء وفن الإنشاد الديني في الإسلام وتعدد ألوانه وأشكاله
والإنشاد الديني في الإسلام بتفاصيله؛ هو فن متعدد الألوان كالمدائح النبوية والابتهالات والرجائيات إلى السماء، وتكمن أهميته في الإبقاء على الهوية العربية والإسلامية حاضرة في المقامات الموسيقية، خاصة وأن كبار المنشدين، مثل: النقشبندي ومحمد عمران ومحمد الكحلاوي ومحمد التهامي وعلي الهبلاوي وسواهم، أجادوا في تقديمه، لأنهم عرفوا كيف يبحرون بين المقامات الموسيقية، وساعدهم في ذلك إتقانهم وحفظهم للقرآن الكريم.
ويبدأ الجدل حول الإنشاد أساساً من تسميته، هل هو مستقل بذاته أم يعتبر غناءً كغيره؟ فالإنشاد كما جاء تعريفه في اللغة، هو "رفع الصوت بالشعر مع تحسين وترقيق"، واصطلاحاً يعني "أغانٍ دينية التوجه، تُغنى بموسيقا غير صاخبة، أو من دون موسيقا، معتمدة فقط على الصوت البشري وبعض المؤثرات الصوتية"، ويعد هذا الفن امتداداً لعمل أجيال في الفن الملتزم من ناحية، والفن الديني القائم على الأدعية والابتهالات من ناحية ثانية.
وللإنشاد أنواع أبرزها: الحداء، وهو ما يقدمه شخص واحد فقط، من دون ترديد، ومن دون إضافة أي مؤثرات، وقلما تجد من يتقنه لاعتماده الكلي على مهارة المنشد، والإيقاع، ويكون به ترديد، وهذا النوع سهل ويتقنه الكثيرون، لاعتماد المنشد فيه على الآلات الموسيقية والفلاتر والمؤثرات والدفوف، إذ يصاحب غناء الكلمات ضرب بالدف من دون موسيقا.
وعن جدلية تعريفه كإنشاد ديني أم غناء، يبين الفنان العالمي سامي يوسف في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن فكرة العمل الفني الغنائي، هي ما تحدد اتجاهه، وأن عمليه الشهيرين: "حسبي ربي" و"المعلم" يدخلان في باب فن الإنشاد الديني لتناولهما موضوعين لهما علاقة بالابتهال الديني لرب العالمين ومدح الرسول الكريم (ص).
ويكشف الفنان البريطاني- الاذرابيجاني يوسف سر نجاح الإنشاد الديني، بمدى ارتباطه باهتمامات الجمهور، ويقول: "عرفت من احتكاكي بالجمهور في الحفلات، وبحثي عن سر نجاح أنشودتي (حسبي ربي) و(المعلم)، أن الناس تبحث عما يشبهها في التفكير، وعن الأمور البسيطة التي يستوعبونها، لذا كلما كان الإنشاد معبراً عنهم سينجح وينتشر".
من جهته، يفضل مقدم البرامج الفنية في الإذاعة اللبنانية، الناقد الفني اللبناني محمد حجازي، تسمية فن الإنشاد الديني عموماً بالابتهال أو البوح الروحاني وليس بالغناء، ويقول في حديثه لـ(بترا) إن مثل هذه الأعمال تحتاج لفنان صادق يقدمها حتى تصل إلى الجمهور بصورة صحيحة.
ويضيف: "الأعمال الإنشادية لا يهتم بها الجمهور إلا في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان، ولهذا السبب لا توجد أسس متينة لانتشارها، ويبقى تقديمها مبنياً على محاولات فردية".
مدير إذاعة القرآن الكريم في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني الدكتور علي المناصير الذي يلفت الى أن شعبية الأناشيد تزداد في المناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان الفضيل، ويقول لـ(بترا) إن تسابيح وابتهالات المنشدين صارت من طقوس الناس في أوقات السحر والفجر وفي فترة الغروب.
ويضيف المناصير: "تحرص إذاعة القرآن الكريم على تقديم الأناشيد والابتهالات والتساييح والتفاريد الدينية ذات القيم والمعاني الهادفة، خاصة تلك التي تخلو من الموسيقا وتعتمد على قدرات الأداء الصوتي لمجموعة من أبرز المنشدين، وهو الأمر الذي نلمس خلاله تجاوباً من جمهور الإذاعة الذي يطالبنا دوماً ببث الأناشيد والتسابيح والابتهالات التي تتصف بالوقار والهدوء، والتلون بطبقات موسيقية مختلفة، ليتذوق المستمع على مهل ويعيش مع النص المشاعر الإنسانية المختلفة، مثل مشاعر الهيبة على مقام البيات ومشاعر الحزن على مقام الصبا، ومشاعر الاستمتاع على مقام النهاوند، ليعيش المستمع بعد ذلك حالة الرضا عن النفس والشعور بالأمل بالله تعالى".
ويشير المناصير إلى أن إذاعة القرآن الكريم انتجت قبل عامين، برنامجاً عن تاريخ فن الإنشاد الديني، استعرضت فيه نشأته وتطوره وأبرز المنشدين على مدى التاريخ، في سياق دعمها للإنشاد باعتباره فناً هادفاً.
*انحسار وتراجع
وعلى الرغم من مروره بمراحل ازدهار كبرى لسنوات عديدة، إلا أن فن الإنشاد الديني يمر اليوم بحالة من التراجع والإنحسار وندرة في الاهتمام الجماهيري والإعلامي، على الرغم من وجود منشدين قدموا أعمالاً، صفق لها الجمهور طويلاً، كما احتفى بهم وبأعمالهم الإعلام، لكن كل ذلك لم يمنع أن يفقد هذا اللون من الغناء تدريجياً، حضوره وبريقه كما كان سابقاً.
ويعزو الفنان اللبناني وائل جسار، في حديثه لـ(بترا)، سبب تراجع وانحسار فن الإنشاد الديني، إلى خوف معظم المنتجين من مواصلة إنتاجه، بسبب تراجع عدد الفئات المستهدفة التي يعنيها مثل هذا النوع من الفن.
وجسار الذي قدم خلال مشواره الفني أربعة ألبومات إنشادية، منها: "رباعيات في حب الله" وجزئين من "في حضرة المحبوب" و"نبينا الزين" في مدح الرسول الكريم، إضافة إلى أغنيتين للمسيح عليه السلام، الأولى بعنوان: "المسيح الحنان" والثانية: "البشارة يا مريم"، يعتبر أن غناءه لفن الإنشاد الديني (شرف) ويقول: "الأناشيد التي قدمتها شكلت بصمة مهمة في مشواري الفني، وأتشرف بأنني قدمتها إلى جانب الأعمال العاطفية التي اشتهرت بها، ولا أبالغ إن قلت إن رد فعل الجمهور فاجأني، وجعلني متحمساً لتقديم المزيد من هذه الأعمال، لكنني بت مطالباً بأن أدقق أكثر فيما أقدم، خاصة أن تجربتي هذه ترسخت في أذهان الناس".
ويتفق الفنان المصري حمادة هلال مع زميله جسار، في مسألة ندرة اهتمام شركات الإنتاج بتقديم الأناشيد، باعتباره يقدم لفئة محددة، ويقول لـ(بترا): "فن الإنشاد الديني محصور في يد المنتج الباحث عن المقابل المادي والمعنوي لما يقدمه، ولهذا السبب تغيب إنتاجات فن الإنشاد، لعدم توفر مردود مادي من ورائها".
ويصف هلال تقديمه لأنشودة "محمد نبينا" من العلامات المهمة في مشواره الفني، ويقول: "لا أنكر أن نجاح الأنشودة الكبير أصابني بالذهول، خاصة بعد أن تمت ترجمتها للغة الإنجليزية وبثها عبر العديد من القنوات الفضائية وصفحات "اليوتيوب" المختصة بالأناشيد الإسلامية، وأعتبر أن تقديمي لهذا النوع من الفن تجربة مثمرة، زادت من رصيدي جماهيرياً".
ويعلل مؤسس شركة أرابيكا، المنتج اللبناني محمد ياسين، سبب توجهه في مرحلة معينة لإنتاج بعض الأعمال الفنية الإنشادية، لإيمانه بأهمية هذا النوع من الفن ووجود فئة كبيرة من الجمهور تهتم به.
ويقول ياسين "أعتبر تجربة إنتاج ألبومات إنشادية قدمتها بصوت المطرب وائل جسار تحدياً حقيقياً لسوق الغناء العربي، خاصة بعد نجاح التجربة معه، ومع مطربين آخرين قدموا أغنيات إنشادية منفردة، لكن انتشار فن الإنشاد يبقى محصوراً بعوامل عدة، أهمها قناعة المطرب بتقديمه، والحصول على أعمال فنية ترتقي بالذائقة، ومدى تقبل الجمهور للإنشاد".
ويؤكد أن تجربته الإنتاجية أعطته قناعة بأن فن الإنشاد يمكن أن يكون له حضور كبير، في حال تحمست شركات الإنتاج الأخرى لتقديمه، ويقول: "قد أكون أنا المنتج العربي الوحيد الذي قدم فن الإنشاد الديني بشكل رسمي، في الساحة الفنية العربية بأصوات مطربين كبار، لكن يداً واحدة لا تصفق".
ويفسر المدير التنفيذي لفرقة الروابي الفنية الأردنية، أحمد قاسم، في حديثه لـ(بترا)، سبب مرور فن الإنشاد الديني بحالة من التراجع، بعدم وجود ثوابت وضوابط أو جهة مسؤولة كنقابة أو رابطة تنظيم عمل الفرق والفنانين المعنيين بهذا النوع من الفن.
ويقول: "عاشت فرقة الروابي مرحلة ذهبية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي حتى أوائل الألفية الجديدة، قبل أن تتراجع الحالة العامة لنوع الفن الذي نقدمه، بسبب طغيان المعايير التجارية على الساحة، وعدم وجود ضوابط تحكم العملية الإنتاجية على قلتها، فأدت قلة مواردنا المادية إلى تقليل تواجدنا الفني، مع إصرارنا على عدم السباحة مع تيار التجارة وتفضيل تقديم أعمال هادفة".
*محدودية الانتشار
ويرى فنانون ونقاد لهم إسهاماتهم في فن الإنشاد الديني، أن حصر موضوعاته في المديح النبوي فقط، قد يحشره في زاوية معينة تحد من انتشاره كفن مستقل بذاته، إذ يمكن أن يتطرق لمختلف الموضوعات الحياتية والاجتماعية، وهو ما يرغب به الجمهور الذي يبحث عن أعمال تتحدث عنه.
وفي الوقت الذي يرى فيه الفنان اللبناني جسار أن فن غناء المدائح والابتهالات له قواعد ومحددات من الصعب التعدي عليها، إلا انه يوضح انه "يمكن تطوير فن الإنشاد من خلال توافر الأفكار الاجتماعية والإنسانية التي يمكن أن تتحول إلى نصوص غنائية، ما يوسع من الموضوعات التي يمكن أن يتناولها النشيد".
بينما يفسر الناقد الموسيقي المصري مصطفى حمدي، المختص بقضايا الغناء الديني، محدودية انتشار فن الإنشاد إلى اقتصاره على فئات معينة، ويقول لـ(بترا): "من الطبيعي أن يحظى الغناء العاطفي بالانتشار أكثر من الإنشاد، كونه يخاطب فئات متعددة من ديانات مختلفة، وهو منتشر في المجتمع بين الناس والعائلات على اختلاف درجات إيمانها، بعكس فن الإنشاد الذي يقتصر على فئات محددة".
ويربط المنشد السوري موسى مصطفى، تراجع حضور فن الإنشاد الديني، بمحدودية الدعم الممنوح له إنتاجياً وإعلامياً وجماهيرياً.
ويؤكد لـ(بترا): "فن الإنشاد مطلوب كثيراً، بدليل أن بإمكان أي مشكك أن يدخل على موقع اليوتيوب العالمي، ويكتب كلمة نشيد، فتظهر له آلاف الصفحات المعنية بالإنشاد الديني بمختلف أنواعه، وسيدهش من حجم عدد المشاهدات التي تفوق الملايين، لكن هذه الشهرة الافتراضية لا يوازيها نفس النجاح على الأرض، كون معظم القنوات الفضائية العربية ووسائل الإعلام، لا تخصص لهذا النوع من الفن، ما يستحقه من اهتمام، فيبقى الغناء الديني محصوراً في أماكن معينة".
ويقدم المنتج المنفذ لبرنامج اكتشاف مواهب الإنشاد الديني "منشد الشارقة" نجم الدين هاشم، سبباً مباشراً لعدما انتشار فن الإنشاد الديني.
ويقول :"الإنشاد التقليدي يقتصر على المدح والرجائيات والإلهيات، وهذا ما حاولنا تجاوزه في برنامج "منشد الشارقة، حيث نطلب من المشتركين تقديم أعمال تتناول القيم والأخلاق والأم والأب في الإنشاد وعدم الاقتصار على الناحية الدينية فقط".
ويرى الفائز بلقب الموسم العاشر من برنامج "منشد الشارقة"، المغربي ياسين الأشهب، حاجة فن الإنشاد الديني حتى ينجح؛ لمواكبة روح العصر من تطور تكنولوجي وموسيقي.
ويقول لـ(بترا): "لا أرى فرقاً في فنون الغناء بأنواعها كافة، وما يفرق نوع عن الآخر، القوالب الموسيقية التي يتم تقديمه بها، وفكرة الأغنية ومضمونها، لذا أجد أن الغناء، هو شكل من أشكال التعبير الجميلة، وعلى المطرب أن يختار توجيهها في قضايا ومواضيع لا تتنافى مع الفطرة، مثل السلام والحب وفعل الخير ومدح الرسول الكريم والتغني بالوطن".
فيما يؤكد المنشد الأردني أحمد الكردي، ضرورة وجود أرض خصبة من القناعات الدينية والاجتماعية بين الناس، لتقبل فن الإنشاد الديني كما يتم تقبل ألوان الفنون الأخرى، لافتا إلى الحذر الشديد وحساسية التعامل مع الاناشيد الدينية.
ويرى الكردي لـ(بترا) ان بعض شركات الإنتاج والقنوات الفضائية تخشى من تبني فن الإنشاد الديني، خشية الإشارة إليها، بأنها تسوق فناً، يقوم على تفرقة دينية أو عنصرية معينة، ولهذا السبب تحجم عن الإنتاج، على الرغم من أن معظم الأناشيد تتغنى بسماحة الدين وتشكل حائط صد فكري، أمام الغناء المبتذل.
*الغناء الديني ليس سهلاً
يقول الموسيقار المصري صلاح الشرنوبي لـ(بترا)، إن الغناء الديني لون رائج من ألوان الفنون الموسيقية.
ويضيف: "ليس سهلاً على أي مغنٍّ أن يقدم هذا النوع من الغناء، فالإنشاد يحتاج لمن يجيدون غناء المقامات الموسيقية الشرقية، ويتنقلون بينها بسلاسة، فالمنشدون هم أبرز الحافظين للهوية الشرقية في الموسيقا، بعد أن توجه معظم المطربين في الوقت الحالي للموسيقا الغربية والمعتمدة على الآلات".
ويربط الشرنوبي نجاح النشيد، سواء قدمه منشد بموسيقا أو دون، أو إن قدمه مطرب ملعبه الأساس الغناء العاطفي؛ بالصدق، الذي يبديه صاحب العمل في أدائه، معتبراً أن مقدار الإحساس بالكلام، سواء كان ابتهالاً أم مناجاة أم موضوعاً اجتماعياً، هو طريق نجاح العمل، لأن جمهور الإنشاد الديني، أصعب فكرياً وثقافياً من جمهور الغناء العاطفي.
ويرجع سبب تراجع الأناشيد جماهيرياً وإعلامياً أمام سطوة الغناء العاطفي، لعوامل مادية، مشيرا الى أن قلة من المنتجين الذين يمكن أن يخوضوا غمار إنتاج الغناء الديني، بسبب عدم وجود قنوات وإذاعات تستقبل هذا النوع من الفن، مقابل وجود قنوات وإذاعات تهتم بتقديم الغناء العاطفي.
كما يرجع ذلك الى تحول ذائقة شريحة واسعة من الجمهور الى ما يصفه بتراجع مستوى بعض الأغاني التي تقدم للجمهور.
--(بترا)