تأثير أهم الحقب والأحداث التاريخية في الموضة عبر الزمن - صور

شكّلت الملابس على مرِّ الزمن جزءا مهما من ثقافة الإنسان ونمط حياته، ويعود وجودها ودورها الوظيفي إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث إن الانسان القديم استخدمها نوعا من الحماية، ومن ثم أصبحت للسترة، وبعدها للتفرقة بين الطبقات الاجتماعية، وأخيرا للأناقة ومواكبة الموضة. وكان لجميع الحقب التي مرّت فيها الملابس تأثير معيّن في شكلها الحالي والمتطور، وهنالك بعض الحقب التاريخية التي كان لها في الملابس تأثيرا عظيما ما زال واضحا حتى يومنا هذا. فمن الفراعنة إلى الإغريق إلى القرون الوسطى وصولا إلى القرن العشرين، سنعرّفك اليوم من خلال السفر عبر الزمن إلى أكثر الحقب التاريخية التي كان وما زال لها تأثير كبير في عالم الموضة وصناعة الأزياء.

حقائق تاريخية مذهلة عن الملابس وتبدّل وظائفها عبر الزمن

لا نعرف بالضبط تاريخ أول قطعة ثياب على الإطلاق، لكن علماء الآثار يرجّحون أن تاريخ الملابس يعود إلى العصور الحجرية، أي ما يقارب الـ 100 ألف سنة، وكان استخدامها كما ذكرنا يقتصر على حماية الجسم وتأمين الدفء له، وكانت تُصنع من مواد موجودة في الطبيعة، مثل الفرو والجلود الطبيعية والألياف النباتية. ومع تطــور المجــتــمــــعات البـشرية، بدأت الملابس تلعب دورا أكثـــــر أهــميــــــة في تـــوضـيـــــح الحــــالة الاجـتــــماعية والهـــــوية. ففــي الكثيـــــر من الثــــقــافـــــات القــــــديمة، استُخـدمت المـــلابــــس للتــــميــــيـــــز بين الطـــبـــقـــــــــات الاجتماعية والإشارة إلى مهنة الشخص أو رتبته. لكن مع مرور الوقت، تطورت أنماط الملابس والمواد التي تُصنع منها، لتصبح أكثر تعقيدا، وفي العصر الحديث لا تزال الملابس تؤدي دورها الوظيفي، لكنها أيضا تلعب دورا مهما في الموضة والتعبير عن الذات. وحتى وصلت الملابس إلى شكلها الحالي، مرّت بالكثير من المتغيرات التي تأثرت بالحقب التاريخية والأحداث المهمّة. إليك بعض أبرز الحقب الزمنية التي كان لها التأثير الأكبر في عالم الموضة، من عصر الفراعنة حتى بداية الألفية الجديدة.

من مجموعة "جيفنشي" GIVENCHY لخريف وشتاء 2016من مجموعة "جيفنشي" GIVENCHY لخريف وشتاء 2016

الحقب التاريخية التي كان لها التأثير الأكبر في الأزياء

شهد العالم على مر العصور تغيرات كثيرة أدت إلى صياغة الكثير من نواحي الحياة بما فيها الملابس، ولعب كل عصر دورا مختلفا في إضافة أو إزالة بعض العناصر. غير أن هناك عصورا تاريخية ارتبطت بأحداث جوهرية كان لها تأثير مختلف أو أكثر قوة، ونتحدث هنا عن بعض أبرز هذه الحقب التي لعبت دورا رئيسا في تشكيل الموضة، وما زالت إلى اليوم تلهم الموضة الحالية وتؤثر في أهم دور الأزياء العالمية.

عصر الفراعنة ومصر القديمة

من أهم وأغنى الحقب التاريخية التي ما زال تأثيرها في عالم الموضة مستمرا إلى اليوم:

مصر القديمة والفراعنة من أهم الحضارات عبر التاريخ، وقد سجلّت الكثير من الإنجازات الاستثنائية في الكثير من المجالات. ولهذا فإن تأثير هذه الحضارة ما زال مستمرا إلى اليوم في الكثير من نواحي الحياة، ومنها الموضة. نرى دور أزياء عالمية عدّة تستخدم الرموز والرسوم التي وجدت في تلك الحقبة، وتحوّلها إلى طبعات على الملابس أو الإكسسوارات، وأشهرها "عين حورس" التي ترمز إلى الحماية والشفاء. وقد شاهدنا هذه الطبعات واضحة في مجموعة "جيفنشي" GIVENCHY لموسم خريف وشتاء 2016، حيث طُبعت الملابس بالرسوم الفرعونية بطريقة فنية.

من مجموعة "جيفنشي" GIVENCHY لخريف وشتاء 2016

وكذلك الأمر بالنسبة لمجموعة "زهير مراد" ZUHAIR MURAD لموسم ربيع وصيف 2020 للهوت كوتور، حيث جرى تطريز هذه الرسوم بالترترة البراقة والخرز على الأقمشة، فبدت التصاميم في غاية الفخامة، ولا سيما أنها جاءت بألوان غنية.

و"جون غاليانو" JOHN GALLIANO أيضا من المصممين الذين استوحوا من هذه الحضارة، لكنه اتبع النمط المسرحي الدراماتيكي في مجموعة الهوت كوتور التي قدّمها من دار "كريستيان ديور" CHRISTIAN DIOR لربيع وصيف 2004.

من مجموعة "كريستيان ديور" CHRISTIAN DIOR للأزياء الراقية لعام 2014من مجموعة "زهير مراد" للأزياء الراقية لربيع وصيف 2020من مجموعة "زهير مراد" للأزياء الراقية لربيع وصيف 2020"شانيل ميتييه دار" ٢٠١٩ CHANEL MÉTIERS D’ART"شانيل ميتييه دار" ٢٠١٩ CHANEL MÉTIERS D’ART

وكما نعلم، فإن للألوان والأقمشة أيضا أهمية كبيرة في الحضارة المصرية، حيث كانت تستخدم أقمـشة فاخرة مثل الكتان والقطن والحرير، وتُطرّز بأنماط وتصاميم معقدة. وكانت للألوان المستخدمة دلالات مهمة، فارتبط الأحمر والذهبي بالسلطة والثروة على سبيل المثال، بينما كان يرمز اللونان الأزرق والأخضر إلى الحياة والخصوبة، ولا تزال هذه الألوان والأقمشة شائعة في المـوضة الحديثة اليوم. فرأيناها مثلا في مجـموعة METIERS D‪’ART لمـــوسـم 2019/2018 من "شانيل" CHANEL التي استوحت تفاصيلها من هذه الحقبة التاريخية ومن مختلف عناصرها وألوانها وأقمشتها وملكتها كليوباترا، التي اشتهرت بجمالها وأناقتها والتي غالبا ما تم تصويرها، وهي ترتدي مجوهرات نفيسة وعباءات مترفة وأغطية رأس باهرة.

الأساطير اليونانية وملكات الإغريق عناصر تاريخية ما زالت تلهم مصممي الأزياء في يومنا هذا

كان للأساطير اليونانية القديمة وملكات الإغريق تأثير كبير في الموضة عبر التاريخ، مع ملابس ومجوهرات تعود إلى تلك الحضارة وتلهم الموضة المعاصرة. عُرف الإغريق بالتصاميم البسيطة، ولا سيما منها الأثواب التي كانت تلتف حول الجسم لتظهر شكله الطبيعي، سواء كانت بقصة الكتف الواحدة التي ما زالت من الأكثر رواجا حتى اليوم أو بالأكتاف المنسدلة. واستخدموا أقمشة ناعمة ومنسدلة لتنفيذ هذه التصاميم مثل الشيفون والحرير، ونرى التقنيات والأقمشة نفسها في تصاميم اليوم، كما في مجموعة "ديور" DIOR لمــوسم ربيع وصيف 2020 والتي استوحتها "ماريا غـــراتـــسيــــــا كـــيـــــــوري" MARIA GRAZIA CHIURI من هذه الحضارة، فشاهدنا الكثير من الأقمشة المنسدلة على فساتين ناعمة وبألوان هادئة زينتها الإكسسوارات والمجوهرات الذهبية.

من مجموعة "ديور" DIOR للأزياء الراقية لربيع وصيف 2020

وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجموعة "فالنتينو" VALENTINO التي قدّمها "بييرباولو بيتشولي" PIERPAOLO PICCIOLI للهوت كوتور لموسم ربيع وصيف 2016 والتي بدت فيها عارضات الأزياء كملكات الإغريق مع فساتينهن الناعمة بألوان تنوعت بين الأبيض والذهبي والأسود، ومع إكسسوارات زينت رؤوسهن واستُلهمت من أكاليل الغار وصنادل مسطحة أكملت الإطلالات بطريقة مثالية.

من مجموعة "فالنتينو" VALENTINO للأزياء الراقية لربيع وصيف 2016من مجموعة "فالنتينو" VALENTINO للأزياء الراقية لربيع وصيف 2016

وبالحديث عن الأحذية، فإن الحضارة اليونانية أيضا قدّمت لنا الصنادل الإغريقية ذات الأربطة التي انتعلها المقاتلون في ذلك الوقت، وما زالت تحمل اسم صنادل "غلادييتور" (أي المجالد) إلى يومنا هذا. وفي كل موسم، نراها لدى الكثير من الدور العالمية مثل دار "ألبيرتا فيريتي" ALBERTA FERRETTI التي قدّمتها ضمن مجموعتها لربيع وصيف 2022.

من مجموعة "فيريتي" FERRETTI لربيع وصيف 2022من مجموعة "فيريتي" FERRETTI لربيع وصيف 2022

القرن الثامن عشر وعظمة عصر النهضة وتأثيرهما في الموضة والأزياء

يمتد القرن الثامن عشر من عام 1701 إلى 1800 ويعرف أيضا باسم عصر التنوير. خلال هذا الوقت تميزت الموضة بالأقمشة الفاخرة والزخارف والنقشات المترفة، وتعزيز الشكل الأنثوي في ما يتعلق بأزياء النساء.

"ألكسندر ماكوين" ALEXANDER MCQUEEN

في أوائل القرن الثامن عشر كان الرجال يرتدون بذلات من ثلاث قطع، مع سترة قصيرة من الأمام وطويلة من الخلف وجيليه وبنطلون ضيق يصل طوله إلى حدود الركبة. أما النساء، فكنّ يرتدين فساتين بقصّات فاخرة مع كورسيه علوي وتنورة منفوشة، وقد شاهدنا الكثير من التصاميم التي استوحيت من ذلك العصر من وجهات نظر الكثير من دور الأزياء العالمية مثل دار "ألكساندر مــاكــويــــــــن" ALEXANDER MCQUEEN، حيث شاهدنا في مجموعة الدار لموسم خريف وشتاء 2014-2013 تصاميم مترفة ذات طابع دراماتيكي عادت بنا إلى تلك الحقبة.

من عرض "موسكينو" MOSCHINO لموسم خريف 2020من عرض "موسكينو" MOSCHINO لموسم خريف 2020

بينما صوّرت دار "موسكينو" MOSCHINO ذلك العصر بطريقة أكثر مرحا في مجموعة خريف 2020. ومن أشهر الملابس في القرن الثامن عشر الفستان المصمم على طراز الروكوكو مع التنورة الكبيرة والكورسيه المكشوف الأكتاف والأكمام المزينة بالكشكش.

من مجموعة "بروك" لربيع وصيف 2020من مجموعة "بروك" لربيع وصيف 2020

ومن ثم أعقب العصر الفيكتوري القرن الثامن عشر، وكانت الملابس فيه أكثر تواضعا وتحفظا، وقد تميزت الموضة النسائية بالفساتين مع الياقات العالية المشغولة بالدانتيل أو المزينة بالشرائط، والأكمام المنفوخة والتنانير الأكثر انسدالا. وما زالت هذه التصاميم تلهم عددا كبيرا من دور الأزياء العالمية في الشــــكل العــام أو في التــفاصــــــيل، و منــها دار "بـــروك كولــكـشـــــن" BROCK COLLECTION، وخصوصا في مجموعتها لربيع وصيف 2020.

حقبة العشرينيات أنتجت أشهر مصممات أزياء في التاريخ

شهدت حقبة العشرينيات تغيرات اجتماعية وثقافية كبيرة، وانعكس ذلك طبعا على الموضة وتصميم الملابس في ذلك الوقت. تميّزت تلك الحقبة بالعديد من الأنماط المبتكرة في اللباس ومنها "فلابر" FLAPPER، فأطلق على النساء اللواتي اعتمدن هذا الأسلوب اسم "فتيات فلابر". وهو النهج الأشهر في ارتداء الأزياء وتنسيقها من عقد العشرينيات، وارتكز على التنانير القصيرة والفساتين المزينة بالشراريب أو الريش مع قصّات منسدلة وناعمة، إلى جانب تسريحات الشعر القصير والمتموج، وقد شاهدنا هذا الأسلوب في مجموعة "إردم" ERDEM لموسم خريف وشتاء 2022.

من مجموعة "إردم" ERDEM لخريف وشتاء 2022من مجموعة "إردم" ERDEM لخريف وشتاء 2022

ولا يمكننا أن ننسى "إلسا سكياباريلي" ELSA SCHIAPARELLI التي تميزت بأسلوبها السريالي المبتكر، وصممت الكثير من القطع التي اعتبرت سابقة لعصرها، وتميزت بحرفيتها العالية. منها فستان "الهيكل العظمي" الذي صممته في عام 1938، وهو عبارة عن فستان أسود ضيق فيه تفاصيل تشبه الهيكل العظمي. وإن دلّ هذا الفستان على شيء، فهو عبقرية هذه المصممة وفلسفتها الخاصة في الموضة! وقد أعيد تقديم هذا الفستان في مجموعة الدار لموسم ربيع وصيف 2020، وقد ارتدته الممثلة "إميليا كلارك" في حفل "جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام" من العام نفسه.

"ايميليا كلارك" EMILIA CLARKE في فستان من "سكيابايريلي" SCHIAPARELLI في حفل BAFTA 2020

وإضافة إلى نمط الأزياء المختلف في تلك الحقبة، لمعت خلال سنينها أسماء أشهر مصممات الأزياء في التاريخ اللواتي ما زلن يؤثّرن في الموضة حتى اليوم وما زالت الدور العالمية التي أسسنها موجودة، وتحقق مبيعات هائلة. نتحدث هنا طبعا عن "كوكو شانيل" التي ألهمت وتلهم ملايين النساء حول العالم، والتي أحدثت ثورة في عالم الموضة بعد ابتكاراتها الريادية مثل الفستان الأسود القصير، وهو اليوم إحدى أكثر القطع مبيعا في العالم.

"كوكو شانيل" COCO CHANEL - باريس عام 1944

ونذكر أيضا "جان لانفان" JEANNE LANVIN التي تميز أسلوبها بالأنوثة والنعومة، وأشهر ابتكاراتها كان Robe de Style وهو الفستان الشهير الذي صممته بقصة الكورسيه من الأعلى مع تنورة منفوشة وصل طولها إلى حدود الكاحل. وقد أعادت دار "لانفان" LANVIN تقديم هذه الفستان مرات عديدة في عروضها الحديثة، وبصورة خاصة حين كان المصمم الراحل "ألبير إلباز" مديرها الإبداعي.

"جين لانفان" JEANNE LANVIN- باريس عام 1955"جين لانفان" JEANNE LANVIN عام 1930

والجدير بالذكر أنه في كلتا الحقبتين، كانت الطبعات والنقشات الجريئة على الأقمشة رائجة جدا، بما في ذلك الأقمشة المنقطة والمقلّمة والمزخرفة بالزهور.

في المقابل، كانت حقبة الخمسينيات أكثر استقرارا وازدهارا بعد نهاية الحرب. وفي عام 1947 قدم "كريستيان ديور" CHRISTIAN DIOR ما عُرف باسم "الإطلالة الجديدة" NEW LOOK للمرة الأولى، وهو شكل تمحور حول تحديد الخصر مع قصة أكتاف منسدلة ودائرية نوعا ما للسترة، فوق تنورة كبيرة أو كما تسمى بالـ full skirt والتي كان يصل طولها فوق حدود الكاحل. وكان هذا الشكل الأكثر رواجا في تلك الحقبة.

من مجموعة "ميو ميو" MIU MIU لخريف وشتاء 2015"ديور" DIOR 1947من مجموعة "ميو ميو" MIU MIU لخريف وشتاء 2015"أودري هيبورن" AUDREY HEPBURN 1954

واستــمرّ تعــــزيز الشـــكل الأنثوي، كما في حقبة الأربعينيات. لذلك، حين نرى اليوم مبادئ التصميم نفسها، نعود بالذاكرة فورا إلى أيقونات الموضة في تلك الفتـــرة مثـل "مارلـين مونرو" و"أودري هيبورن" و"غريس كيلي" والقائمة تطول.. وحين نتذكّر تلك الأسماء، نعرف لماذا ارتبطت هذه الحقبة أيضا بالعصر الذهبي للسينما.

الأربعينيات تتجه نحو البساطة، وأسلوب "New Look" يرسم ملامح الخمسينيات

تميزت الأزياء في فترة الأربعينيات بتعزيز منحنيات جسم المرأة واعتماد قصّات الساعة الرملية، لكن هذه الفترة كانت صعبة أيضا، خصوصا مع بداية الحرب العالمية الثانية التي كان لها آثار جانبية في مختلف المجالات، بما في ذلك مجال الأزياء طبعا. وفي ظل ترك الكثير من الرجال وظائفهم من أجل الالتحاق بالجيش، اضطرت النساء للعمل لتعويض النقص المادي، وهذا ما جعل الملابس تتجه نحو التصاميم البسيطة والعملية مثل التنانير الميدي ذات القصّات المستقيمة، والتي عادة ما كان يتم تنسيقها مع الكنزات الناعمة أو مع الكنزة القصيرة المفتوحة؛ وكانت الأكتاف بارزة في تلميح إلى الخزانة الرجالية، لإضفاء لمسات من القوة على الشكل الأنثوي الناعم، بما أن المرأة اتجهت نحو ميدان العمل. ولأن الاقتصاد مرّ أيضا بفترة كساد، استُبدلت الأقمشة الفاخرة بالأقمشة الرخيصة نوعا ما، مثل القطن والحرير الصناعي. وقد شاهدنا أمثلة على هذه الحقبة في عدد من مجموعات دور الأزياء العالمية على مر السنين، بما في ذلك مجموعة "ميو ميو" MIU MIU لموسم خريف وشتاء 2015.

الستينيات كانت ثورة في عالم الموضة والسبعينيات كانت رسالة حب وسلام

فترة الستينيات كانت ثورة في عالم الموضة، حيث إنها بدأت بالانتفاض على التصاميم القديمة، وظهرت فيها عمليات التجريب والتغيير لتقديم نمط جديد من الملابس. وبالفعل كانت النتيجة مظهرا جديدا شبابيا ومنعشا، وقد ميّزت هذه الفترة الكثير من الأساليب، ومنها الـ MOD STYLE الذي تميز بالتنانير القصيرة والفساتين ذات القصّـــات المســـتـــقيــمـــة مع الأقمــشة الملونة بـــــــطــريقـــــة الـ COLOR BLOCKING أو الأشـــــــكال الهنــــدسية والغـــرافيـــكــيــــــة. وكــــان مصــــمــــــم الأزياء الفرنسي "بيير كاردان" PIERRE CARDIN من ألمع الأسماء في تلك الفترة.

"بيار كاردان" PIERRE CARDIN 1969

ومع انتشار إنتاج أفلام الخيال العلمي، اتجهت الموضة نحو التصاميم المستقبلية، واستُخدمت الأقمشة المعدنية والملابس المصنوعة من البلاستيك الشفاف.

"باكو رابان" PACO RABANNE 1969

كان الأسلوب الهيبّي البوهيمي وسيلة للتعبير عن رفض الوضع السائد في تلك الحقبة، والرغبة في العيش في عالم أكثر سلاما وتناغما، والتأكيد على الارتباط بالطبيعة. وهناك دور أزياء معروفة باعتمادها النمط البوهيمي في مجموعاتها مثل دار "إترو" ETRO، و"سان لوران" SAINT LAURENT، و"روبيرتو كافالي" ROBERTO CAVALLI وغيرها.

من مجموعة "كافالي" CAVALLI لربيع وصيف 2017

ومن الأساليب التي ميّزت حقبة السبعينيات أيضا، كان طراز الديسكو الذي بدأ في عام 1970. فتأثرت الأزياء بالموسيقى وبالحياة الليلية في تلك الفترة، وكانت أهم عناصر هذه الصيحة أقمشة الترترة البراقة واللامعة والسروال العالي الخصر وأحذية بلاتفورم، وطبعا الألوان الحيوية مثل الأزرق النيلي أو الأزرق الكهربائي، أو الفوشيا أو الأصفر وغيرها. وكثيرا ما يعود مصممو الأزياء في عصرنا الحالي إلى فترة الديسكو ليستوحوا منها أفكارهم. وأول الأسماء التي تتبادر إلى أذهاننا "توم فورد" TOM FORD الذي قدم تصاميم رائعة من منظوره الشخصي لفترة الديسكو وأحدثها كانت مجموعته لموسم لربيع وصيف 2023. وكذلك "مايكل كورس" MICHAEL KORS الذي يعشق تلك الحقبة وكثيرا ما يعود إليها في مجموعاته.

من مجموعة "اترو" ETRO لربيع وصيف 2020من مجموعة "توم فورد" TOM FORD لربيع وصيف 2023

وفي نهاية الستينيات، بدأت الحركة البوهيمية في الظهور، ومهّدت لمظهر جديد ومختلف في عقد السبعينيات. ظهرت هذه الحركة كنوع من التمرد على الثقافة التقليدية السائدة، ولا سيما النزعة الاستهلاكية التي ظهرت بعد الحرب وتعزيز فكرة الحرية والسلام. ولهذا جاءت التصاميم متدفقة ومنسدلة، وانعكست في تنانير وفساتين طويلة وقمصان فضفاضة مصنوعة من الأقمشة الطبيعية مثل الكتان والقطن، إضافة إلى أقمشة الكروشيه والتفاصيل التي صنعت يدويا مثل التطريز والخرز.

بين موسيقى البوب وثقافة البانك تشكلت أبرز عناصر الموضة في حقبة الثمانينيات

على الرغم من أن أزياء الثمانينيات لم تكن الأجمل من بين حقب الموضة الأخرى، إلا أن تأثيرها كان قويا جدا في الموضة اليوم، وميّزتها الكثير من العناصر المختلفة، وكان للجانب الدراماتيكي حضور قوي واتبعت التصاميم مبدأ "الأكثر أكثر". لكن لعل أكثر ما ميز هذه الفترة هو أن التصاميم النسائية بدأت مرة أخرى تستعير بعض ملامحها من خزانة الرجل، وبدأنا نرى نساء كثيرات في البذلات الرسمية أو سترات البليزر البارزة الأكتاف، إضافة إلى القصّات الكبيرة. وما زالت هذه العناصر من أساسيات موضة اليوم، ونراها لدى الكثير من دور الأزياء العالمية.

من مجموعة "مارك جاكوبس" MARC JACOBS لخريف وشتاء 2018

وقد برزت الألوان القوية والجريئة مثل ألوان النيون، واستُخدم في مختلف تصاميم الأزياء والإكسسوارات أيضا.

وطبعا شهدت الملابس الرياضية تطورا كبيرا، وأصبح استخدامها شائعا للمشاوير اليومية، مثل سروال الليغينغ المطاطي الرائج حتى اليوم، والسترات ذات الطابع الرياضي المصنوعة من الأقمشة المقاومة للماء، والأحذية الرياضية. وقد ظهرت ثقافة البانك في الثمانينيات أيضا، وأثّرت بقوّة في الأزياء وتميزت بالسترات الجلدية المزينة بالمسامير المعدنية، والأقمشة الممزقة، وقمصان التي-شيرت المطبعة، والشعر المصبوغ بألوان غريبة. وكانت "فيفيين ويستوود" VIVIENNE WESTWOOD أول مصممة أزياء أسهمت في المزج بين الموضة وثقافة البانك من خلال تصاميمها المبتكرة.

حقبة التسعينيات اتجهت نحو البساطة وهي الأكثر تأثيرا في موضة اليوم

بعد الأسلوب المترف والدراماتيكي في حقبة الثمانينيات، اتجهت الموضة في التسعينيات نحو تصاميم أكثر بساطة، وقد اتبعت النمط المينيمالي، حيث فضل الكثير من المصممين الخطوط النظيفة والقصّات المستقيمة ولوحة الألوان الهادئة.

وفي هذه الحقبة برزت موضة القمصان القصيرة البسيطة التصميم والمصنوعة عموما من القطن، وجرى تنسيقها مع سراويل الجينز أو التنانير ذات الخصور المتوسطة الارتفاع أو سراويل "كارغو" المتعددة الجيوب والتي عادت بقوة إلى ساحة الموضة في المواسم الماضية. وقد شاهدنا عددا كبيرا من النجمات الشابات يعتمدن هذه الموضة في إطلالاتهن اليومية مثل "هايلي بيبر" و"بيلا حديد"، وعدد هائل أيضا من دور الأزياء التي تقدّم هذا الأسلوب على منصات عرضها لموسم ربيع وصيف 2023.

من مجموعة "كوبيرني" COPERNI لربيع وصيف 2023

وبرزت كذلك موضة الفساتين الخفيفة الحريرية الملمس أو ما يُعرف باسم "سليب دريس" SLIP DRESS، وكانت قصيرة أو تصل إلى الركبة. ورأينا هذه الفساتين في الكثير من المجموعات الحديثة.

من مجموعة N٢١° لربيع وصيف 2023من مجموعة "فندي" FENDI لربيع وصيف 2023

حتى وصلت إلى شكلها الحالي، عاصرت الموضة أزمنة كثيرة، ومرّت بالكثير من المتغيرات التي اقترنت بأحداث تاريخية مهمّة. فنحتتها كل حقبة زمنية بطريقة ما أدّت إلى بلورتها.