خيارات الملالي في إيران بين الرجعية السياسية والقمع
أطاحت الثورة الشعبية في ايران بكل الخيارات السياسية والأمنية في أروقة السياسة وكل ما يملكه صناع القرار التابعين لنظام الملالي والموالون بعد أن فشلت آلته الأمنية والعسكرية بقمع الانتفاضة والثورة الشعبية وعجز عن إطفاء نيرانها.
ولم تتأثر الثورة بما حاكه ويحوكه الملالي وأعوانهم من أصحاب المنافع والإمتيازات؛ لا بل إن الثورة اشتد إوارها وطال لهيبها أخطر المفاصل بجسد ذلك النظام القائم على الاستبداد والظلم، ومنها مرافق أمنية وعسكرية كان يفاخر بها على أنها قلعة منيعة بوجه التهديد وعلامة من علامات رسوخ نظامه.
تلقفت دوائر استخبارات النظام الإيراني بكل سرور خبر سعي رضا بهلوي ابن الشاه المخلوع وسليل نظام الشاهنشائية البائدة وتحركاته الدولية لطرح نفسه مرشحاً لتبوء منصب رأس القيادة القادمة في إيران وطموحه في عودة النظام الشاهنشاهي.
رضا بهلوي ابن شاه إيران الذي هرب سنة 1979 ناجياً بنفسه وأسرته من عقاب الشعب الإيراني الثائر الذي لفظه ولفظ حكمه الدكتاتوري الجائر، والفتى الحالم بإعادة عقارب ساعة الزمن في إيران إلى الوراء أكثر من أربعين سنة نسيت ذاكرته الأحداث التي رافقت الاطاحة بعهد حكم أبيه وأن الشعب الإيراني قد دفن حقبة أبيه بلا رجعة، وهاهو يحضر للتخلص من نظام الملالي الذي سرق ثورته وقتل زعمائها كي يسهل عليه تسلق قمتها والتفرد بحكم الشعب والوطن ليكمل المسيرة والبرنامج اللذان قد عُهِد بهما من قبل الغرب للشاه المخلوع ويستبدل تاج الشاه بعمامة وعباءة الدين.
التفكير الساذج والسطحي دعى رضا بهلوي لتشكيل تحالف هو أقرب للجوقة المسرحية منه لتجمع سياسي ولا يمت بصلة لأي تحالف سياسي، جوقة تضم مجموعة من مشاهير الفن والرياضة على افتراض أن تكون جسداً سياسياً قادراً على قيادة المعارضة في الوقت الراهن وقيادة البلاد بعد التخلص من نظام الملالي، متخذاً من منبر جامعة جورج تاون الأمريكية مكاناً مناسباً (حسب اعتقاده) لبث آراءه وخطته للمرحلة المقبلة، فإذا كان هذا الحالم ساذجاً وسطحياً فماذا يكون أولئك الذين يقفون خلفه إن صدقوا فعلا في توجه التغيير من خلاله وذلك أمر لا يمكن للعقل السوي قبوله والإقتناع به، وأما الحقيقة فهي الطعن في ثورة الشعب الإيراني من الخلف.
الغريب في الأمر أن نظام الملالي وجد في تحركات رضا بهلوي أرضاً خصبةً بل مستنقعاً ساهم هو في إيجاده ويستطيع من خلال مياهه العكرة تشويه صورة المقاومة الايرانية الحقيقية، وبث الدعاية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن المعارضة الايرانية ليست موحدة وأن المجلس الأعلى للثورة الايرانية (NCRI) ليس الجسد الوحيد والمؤهل لقيادة الثورة من جهة، ومن جهة أخرى بث الرعب والخوف لدى المواطن الايراني باحتمال عودة النظام الملكي الذي سرق المليارات من ثروته وقام بتهريبها عبر الحدود والعودة الى دكتاتورية بغيضة كان قد إنتهى منها في محاولة بائسة من الملالي لكبح جماح الانتفاضة ودحرها والتخلص من كابوس الإنهيار والسقوط الذي يلاحقه من قبل الشعب الثائر.
لكن نجم الأحلام البهلوية الذي لم يولد في فضاء سليم ومشروع أخذ بالأفول سريعاً مع تفكك التحالف الذي بناه من خلال طروحاته وأفكاره التي لاقت استنكاراً واستهجاناً من شركائه في التحالف، ومن خلال ردة الفعل الشعبية لدى الشارع الإيراني الرافض لعودة النظام البائد ولن يقبل بديلاً من أجل إيران المستقبل إلا ما يخرج من رحم قيادته الحالية المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التي تمثل مظلة شرعية لكل مكونات الشعب الإيراني والذي سيمهد في المرحلة لقيام سلطة شعبية وفق انتخابات ديمقراطية حرة.
جمع الشعب الإيراني الشقيق خياراته وحمل طموحاته وسار في نهج الانتفاضة رافضاً كل أشكال المساومة والغش والخداع التي أبقت الملالي في السلطة إلى اليوم، وظن رضا بهلوي بزيارته لسلطات الإحتلال في فلسطين أنه سيعتلي العرش من جديد رغماً عن الشعب الإيراني لكن ذلك على العكس تماماً ولم يُعد هو ومن على شاكلته سوى مولوداً وُلِدَ ميتاً، ولم تقدم خطوته هذه على إسقاط النظام ضمن برنامجه كما يدعي بل وفرت للنظام الأسباب التي يطعن بها في شرعية الثورة وشرف الثوار، ويبدو أن هذا ما أراده ابن الشاه المخلوع هو والملالي وكان لهم ما أرادوا، لكنهما لن يحصدا سوى نتاج زرعهما زرع السوء ولن ينالا سوى سخط الشعب الإيراني في الداخل والخارج، بالإضافة لما لاقاه في فلسطين المحتلة من برود رسمي وشعبي رفضا لتاج الشاهنشاهية البغيض الذي لبسه في حفل استقبال حضره حفنة من الذين أُحضِروا بروتوكوليا من هنا وهناك لكي يعطون انطباعا بتأييد فئة ما بعودة نظام الشاه والاستبداد وهي أي هذه الفئة وفقاً للمفاهيم السياسية إن حضرت لا تُعد وإن غابت لا تُفتقد.
ومن منطلق قاعدة أن الساقط لا يعود وأن ما تقاه بطنك تعفو عنه نفسك فإن رغبة المخلوع بالعودة لحكم إيران تبقى اضغاث أحلام غير قابلة للتحقيق ويبقى الشعب وقواه الوطنية الأصيلة الشرعية التي لا غبار عليهم ولا منازع لهم.
عبدالرزاق الزرزور / محلل سياسي & وحقوقي ومحامي