أكاديميون ومثقفون يعاينون سردية النص المسرحي الأردني
المدينة نيوز :- عاين مسرحيون وأكاديميون ومثقفون سردية النص المسرحي الأردني تاريخا وموضوعا وقضايا ونقدا وتجارب، مساء اليوم السبت، في قاعة منتدى عبد الحميد شومان بعمان.
وفي ندوة نظمها مختبر السرديات الأردني ومؤسسة عبد الحميد شومان بعنوان: "ملتقى النص المسرحي الأردني الأول-دورة جمال أبو حمدان"، قال رئيس المختبر الكاتب مفلح العدوان، في كلمة له بالجلسة الافتتاحية، إن هذا الملتقى يأتي لمناقشة سردية المسرح الأردني، وتسليط الضوء على بداياته الأولى وأهم كتاب المسرح، ومراحل تطور الكتابة المسرحية، والقضايا والموضوعات
التي تطرق لها كتاب المسرح، وتلك العلاقة بين المخرج والكاتب، ومساحة الكتابة في مسرح الأطفال، وأهم التجارب الكتابية الشبابية، وكيفية تعامل المؤسسة النقدية والإعلامية مع النصوص المسرحية الأردنية.
وبين العدوان أن المختبر يسعى إلى تلّمس كثير من القضايا حول النص المسرحي، الذي تتكرر دائما حوله مقولة أن "هناك أزمة نص محلي"، فهل يستطيع الملتقى الإجابة على هذا السؤال، لافتا إلى أنه من الصعوبة الإحاطة بكل التفاصيل المتعلقة بالنص المسرحي وكتابته وكيفية التعامل معه في الدورة الأولى للملتقى، إلا أن هذه الندوة تقدم آلية عملية، لمعاينة الحالة، وستتبع هذا الملتقى ملتقيات وورش عمل وندوات أخرى، كلها تصب في تشريح الحالة، ومحاولة توثيقها، وإيجاد بيئة مناسبة للحوار والحديث حول النص المسرحي، وحل بعض إشكالاته وطرح رؤى صالحة للتطبيق حول النص المسرحي الأردني.
ونوه بأن هذا الدورة تحمل اسم الراحل المبدع الكاتب جمال أبو حمدان، الذي يمثل واحدا من أهم كتاب النص المسرحي ليس على مستوى الأردن، بل في العالم العربي، وهو رمز نعتز به، ونقدمه رائدا في الكتابة والتجديد على مستوى الشكل والموضوع للنص المسرحي الأردني.
من جهته، قال مدير منتدى شومان الثقافي، الكاتب موفق ملكاوي، إن فعالية اليوم تكشف عن الإمكانيات الكبيرة التي يمكن لها أن تتحقق في حال كانت هناك شراكات حقيقية بين الأجسام والتجمعات والمؤسسات الثقافية، من أجل خدمة أهداف الأطراف المختلفة، وهي بلا شك أهداف تتقاطع في كثير من محاورها، لافتا إلى أن الأهم هو أن تتبنى تلك الأطراف برامج جادة وأهدافا قابلة للتحقق، ومحاولة الخروج من النمطية التي تحكم كثيرا من الأنشطة في الساحة المحلية.
وفي الجلسة الأولى، التي أدارها الكاتب العدوان، تناول الفنان والباحث عبداللطيف شما في ورقته "رواد كتابة النص المسرحي الأردني: البدايات ومرحلة التأسيس"، تاريخ المسرح الأردني، مشيرا الى ما أطلق عليه نشاطات "شبه مسرحية" كان يقدمها قاصون جوالون جابوا بلاد الشام في المرحلة التي سبقت تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 ويعرضون فنونهم من حكايات شعبية وسير وملاحم كحكايات أبو زيد الهلالي وعنترة على جمهور الفلاحين من أهل القرى.
ولفت شما إلى أن ظاهرة المسرح في شرق الأردن كانت بتأثير من الفرق المسرحية العربية المجاورة التي كانت تجوب المنطقة ومنها على سبيل المثال مسرحية "قاتل اخيه" لجميل البحري، والتي عرضت في الأردن وسوريا بعد الحرب العالمية الأولى، مشيرا كذلك إلى تجارب الأبوان انطون الحيحي وزكريا الشوملي في الكتابة والعروض المسرحية، ومنها مسرحية هاملت التي عرضت في بيت ساحور والقدس ومادبا وبيت لحم وغيرها من المدن على ضفتي نهر الأردن.
واستعاد تجربة الأب انطون الحيحي في مادبا، والذي أسس جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية، وجعل من أهدافها التمثيل، وقدم أعمالا عديدة، ومنها "الملاك والشيطان" و"الأميران الأسيران" و"الدبابيس" وغيرها.
ونوه بتجارب روكس العزيزي في الكتابة والإخراج المسرحي ومنها مسرحية "سجين جمياج" في الفترة 1920-1921، لافتا كذلك إلى تجربة عقيل أبو الشعر، الذي كتب مسرحية حول أمجاد العرب القومية حين كان سكرتيرا لجمعية العرب الفتاة.
وبين أن أهم عوامل انتشار المسرح في تلك الفترة يتمثل بانتشار الأديرة والمدارس وعودة الدارسين في القدس ودمشق ممن أحبوا هذا الفن وتسلحوا به، مشيرا إلى مسرحية "سهرات العرب"، تأليف عثمان قاسم، وقدمت في النادي العربي بمدينة إربد عام 1920، وشارك فيها كل من مصطفى وهبي التل وسليمان الصفدي وسامح حجازي وجميل وعبد اللطيف شاكر ومحمد محي الدين اللحام.
واستعرض التجارب المسرحية، كتابة وعروضا، في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينات من القرن الماضي، لافتا إلى أن عام 1965 يعد عاما مفصليا ولبنة أساسية أسهمت بترسيخ المسرح في الأردن بالتزامن مع استحداث دائرة للثقافة والفنون التي ضمت أسرة المسرح الأردني، وبالتزامن كذلك مع تأسيس الجامعة الأردنية عام 1962 ومسرحها الجامعي.
أما الأكاديمية الباحثة والناقدة المختصة في النص المسرحي ونائب رئيس منتدى النقد الدرامي، الدكتورة صبحة علقم، فتناولت، في ورقتها المعنونة بـ "النص المسرحي: محطات وأسماء"، تاريخ الكتابة المسرحية في الأردن، مشيرة إلى أن الأبحاث المعنية بتاريخ المسرح في الأردن، تشير إلى أن أول نص مسرحي مكتوب محليّاً كان يحمل عنوان: "مات الكاوي يا سعيد"، وينسبه الدكتور مفيد حواتمة إلى الأب البولوني يوحنا بونفيل من مدينة مأدبا عام 1914، فيما ينسبه غنام غنام إلى روكس بن زائد العزيزي عام 1919، أما عادل لافي فينسبه إلى الكاهن أنطون الحيحي عام 1918، وهو نص، أياً كان مؤلفه، ذو منحى كوميدي يسخر من المتكبّرين زمن الحكم العثماني.
وتابعت أنه تبع ذلك مجموعة نصوص مسرحية للعزيزي هي: "فيلسوف" 1920، "العاشقان" 1921، "المتهمة"، "ابن وائل"، و"فاء العرب" 1922 ، و"الأرض أولا" الذي يتكون من 5 فصول، وقد كُتب في الثلاثينيات، ونُشر عام 1971 في مجلة "العرفان" اللبنانية، ثم نشرته وزارة الثقافة الأردنية عام 1988، وفي الفترة نفسها كتب وأخرج محمد المحيسن مسرحية "الأسير" في الكرك عام 1933.
كما تناولت فترات الأربعينيات والخمسينيات، لافتة إلى أنه في عقد الستينيات قفزت النصوص المحلية إلى 16 مسرحية، بعد ظهور كتّاب جدد، ونشوء مؤسسات تُعنى بالمسرح، وتشكيل فرق مسرحية، ودخول المرأة إلى مجال التمثيل، ليتواصل في عقد السبعينيات إلى نحو 35 كاتباً، كتبوا 53 نصاً.
ولفتت إلى أن النصوص المسرحية المحلية تناولت خلال المائة سنة الماضية موضوعات تاريخية واجتماعية وسياسية، وقضايا المرأة، ومظاهر التراث الشعبي، وتوزعت بين المقاربات الجادة والكوميدية والساخرة، شأنها شأن النصوص المسرحية في العالم العربي عامةً، مع مراعاتها خصوصية واقع المجتمع الأردني.
وتناولت، في ورقتها، نماذج من نصوص مسرحية عملت على تقديم قراءة تحليلية لها، ومنها مسرحيات "الخيط" للأديب جمال أبو حمدان و"يا سامعين الصوت" للفنان خالد الطريفي و"ظلمة الامبراطور" للكاتب والفنان غنام غنام، و"أوراق الحب" أول نص مسرحي كتبته الروائية الراحلة ليلى الأطرش، و"عشيات حلم" للكاتب مفلح العدوان و"ظلال أنثى" للكاتب هزاع البراري.
وواصلت الجلسة الأولى من الملتقى مع ورقة "استلهام التراث والتاريخ في النص المسرحي الأردني" لرئيس مهرجان عشيات طقوس المسرحية الأكاديمي والمخرج الدكتور فراس الريموني الذي سلط الضوء على حضور التاريخ والتراث بوصفهما مادتين أوليتين لتأسيس النص المسرحي الأردني في مطلع القرن العشرين، وكون هذا الاستلهام ضرورة فنية واجتماعية وسياسية في مرحلة تجتاحها التحولات السياسية والاجتماعية.
واستعرض عددا من أبرز الرواد في الكتابة المسرحية الذين اتكأوا على هذا الاستلهام ومنهم العلامة الأردني روكس بن زائد العزيزي، والأديب عبد الرحيم عمر، والأديب جمال أبو حمدان والكاتب محمود الزيودي، والكاتب أمين شنّار، والشاعر حيدر محمود، والكاتب جبريل الشيخ، والكاتب والفنان جميل عوّاد وغيرهم.
ولفت إلى أن بنية النص المسرحي الأردني تطورت من تسعينيات القرن الماضي الى اليوم وارتبطت إشكالية تأصيل الخطاب المسرحي العربي عند الأديب المسرحي الأردني بالتراث، وبرزت لديه ثنائية الأصالة والمعاصرة التي فرضت عليه التعامل مع التراث كمواقف وحركة مستمرة من شأنها أن ترسخ القيم الإنسانية المثلى، لا أن تقتصر نظرته للتراث على أنه مادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته.
وبين أن عملية توظيف التراث في النص المسرحي الأردني تأسست من خلال قراءة الموروث قراءة نقدية هادفة أسهمت في تأسيس رؤية لمشكلات الواقع الملحة، بحيث جاء توظيف التراث هنا بطريقة فنية إيحائية ورمزية، هدفها خدمة الحاضر والمستقبل، لترسيخ قيم متطورة بعيدة عن السطحية والابتذال.
وأشار إلى تأثر الأديب المسرحي الأردني في الدعوات التنظيرية المرتبطة بتوظيف التراث في المسرح العربي للبحث عن قالب مسرحي عربي أو سامر شعبي أو حكواتي أو احتفال أو فرجة مرتجلة، وتقنيات الفرجة المسرحية، مرتكزا في نصوصه على المصادر التراثية الشعبية والتاريخية.
ورصد في ورقته عددا من المعالجات التي اعتمدها المؤلف الأردني لتوظيف التاريخ والتراث في النص المسرحي، مستعرضا نماذج لنصوص وعروض مسرحية لكتاب أردنيين.
وفي شهادته الابداعية استذكر الأديب هاشم غرايبة إطلالته الأولى على المسرح حينما كان طالبا في العراق في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي ومن ثم عودته إلى الأردن، مشيرا إلى انضمامه الى فرقة "عمون 74"، التي أسسها الفنان سهيل الياس عام 1974، وضمت آنذاك كلا من الأديب جمال ابو حمدان والفنانين جميل عواد وفؤاد الشوملي وجولييت عواد وعبدالكريم القواسمي وآخرون، وأن أول عمل مسرحي قدمته الفرقة كان بعنوان: "رحلات ابن بطوطة".
وأشار الى أن أول مسرح تأسس في إربد هو مسرح مدرسة الصناعة.
ورأى أن من حق المخرج أن يفعل بالنص المسرحي ما يشاء، معتبرا أن المسرح ما يقدم على الخشبة وليس ما يكتب على الورق.
وفي الجلسة الثانية، التي أدارتها الكاتبة هيا صالح لفتت الأكاديمية والمخرجة الدكتورة مجد القصص في ورقتها المعنونة بـ "النص المسرحي في الأردن من الكتابة الأرسطية الى الكتابة اللا أرسطية في الفترة 2006-2022" إلى أهمية التعاون بين الكاتب والمخرج للخروج بنص عرض أكثر منه نصا أدبيا، مبينة أن الهدف الأول والأخير للنص المسرحي هو أن يتحول إلى عرض مسرحي يصل بأفكاره إلى أكبر شريحة من الجمهور.
ورأت أن هذه الآلية الجديدة وفرت نصوصا كثيرة من أدباء متميزين جعلتهم يقتربون من المسرح سواء كانوا روائيين أو كتاب قصة قصيرة، مثلما أنها حلت أزمة النص المسرحي الذي يعاني منه العالم العربي، وبالتالي الأردن، وغذّت المسرح الأردني بأفكار جديدة وجريئة ولغة أدبية متميزة ووفرت للمخرج القدرة الكبيرة في تحويل هذه الصور الأدبية إلى صور مسرحية.
وتناولت خصائص الكتابة الجديدة التي رأت أنها خرجت من النص الأرسطي إلى النص اللا أرسطي وأحيانا الى ما بعد الأرسطية، مستحضرة نماذج على النص اللا أرسطي ومنها مسرح العبث والملحمي، مستعرضة آليات وخطوات الكتابة اللاأرسطية وما بعد اللاأرسطية في عدد من المسرحيات الأردنية.
وتحدثت عن العلاقة الجديدة بين المخرج والمؤلف والتي بحسبها أثمرت نتاجا إيجابيا في العشرين سنة الماضية.
وتحدثت مديرة المركز الوطني للفنون الأدائية، المخرجة لينا التل، عن "مسرح الطفل بين الكتابة والإخراج"، مبينة أن ثمة فرق كبير بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار، ويكمن ذلك في خصوصية النص والمحتوى بحيث تتناسب مع الحركة، لافتة إلى عوامل النمو العاطفي والجسدي والإدراكي لدى الطفل وأهمية الالتفات لمعايير الفئة العمرية واللغة.
وتناولت موضوع الحبكة والصراع في الكتابة للأطفال من حيث عدد الأحداث وتشابكها وترابطها بحسب الفئة العمرية، مشيرة إلى أن معظم المسرحيات التي تقدم في الأردن بشكل عام للفئة العمرية فوق 10 سنوات، وتعتمد على الإبهار البصري، وأنها في الغالب استعراضية الطابع، مؤكدة ضرورة أن تكون الأغاني الموظفة حيّة غير تسجيلية ومكملة ومعززة للحدث.
وبينت أهمية أن تتناول المسرحيات التي تتعلق بالفئة العمرية من 3-10 سنوات موضوعات الخوف والتنمر والانعزال وفقدان أحد الأبوين أو كليهما على أن تتم معالجتها مع الكاتب بحيث يكون الهدف من ذلك مجيبا على سؤال ماذا نريد من الطفل أن يستوعب ويدرك؟، مؤكدة أهمية العمل التشاركي في أشكال المسرح الموجه للطفل.
وتناولت التل المسرح التفاعلي، مستعرضة تجارب المركز الوطني للفنون الأدائية في هذا الشأن.
بدوره، بين عضو الهيئة الإدارية لمنتدى النقد الدرامي، الأكاديمي والناقد الدكتور عمر نقرش، في ورقته التي حملت عنوان: "مواكبة النقد للنص المسرحي بين الأكاديميا والإعلام" أن ورقته هذه تنطلق استنادا إلى بعض مقتضيات الصناعة الثقافية والفنية المستقبلية، ومن منظور أن النقد المسرحي بآلياته ووظائفه وأبعاده الدراماتورجية من أصعب الممارسات النقدية، باعتباره نقدا مركبا تتداخل فيه العناصر
اللسانية (النص) والعناصر السيمائية (العرض).
وقال نقرش إن الحديث عن النص المسرحي الأردني نقديا يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر بوصفه فضاء إبداعيا مفتوحا يمنح للمؤلف جرأة الطرح والمعالجة في سبيل تقديم تصوراته واستكشافاته المعرفية لمسرح المستقبل ورسم رؤاه بموضوعية ومرونة، مما يدفع بالتالي الخطاب النقدي إلى مزيد من القراءة النقدية التأويلية التي تعزز التفاعل مع المتلقي وفق قانون المثير والاستجابة، ووفق مواكبة مفهوم الحساسية الجمالية للجمهور الجديد، التي يفترض أن تلبي وتراعي فكره وذوقه الجمالي.
وأكد أن الحركة المسرحية المحلية عبر تاريخ تطورها أفرزت وشهدت مؤلفين مسرحيين ترفع القبعات لهم ولنصوصهم الإبداعية التي نافست وفازت بجدارة في محافل مسرحية عربية، وبالمقابل لا نشكك بأن هنالك جهودا نقدية علمية ومنهجية وزانه واكبتها ولامست عمقها الفكري ونتائجها الملموسة، مشيرا إلى أن هذه الجهود اتسعت في السنوات الماضية، لتلمس مفاصل النجاح والإخفاق التي عاشتها الحركة الفنية دراميا ومسرحيا، وصولا إلى نقد التجربة المسرحية بمجملها والبنية التنظيمية لها، من أجل الوصول إلى النقد التنظيمي، لأن التنظيم هو جسد الأيديولوجيا
والسياسة في الممارسة الفنية والمسرحية، وانعكاس عفوي للوحدة بين النظرية والممارسة.
ورأى أن النقد المسرحي في مجمله في الأردن مرّ بعدة مراحل عبر مواكبته للخطاب المسرحي(نصا وعرضا)؛ النقد الإعلامي أو الصحفي، والنقد التنظيري والنقد الأكاديمي.
وقدم الكاتب والمخرج حسن ناجي، في ختام الجلسة الثانية، شهادة إبداعية تناولت تجربته الشخصية مع الكتابة بشكل عام والمسرح ومسرح الطفل بشكل خاص.
وقال إن الكتابة للطفل وعن الطفل تبدأ من ثقافته الخاصة التي تشكل بالنهاية مجمل اهتماماته بالنص الإبداعي من حيث الشكل والمضمون والإخراج وتدفعه إلى الإقبال على المنتج الابداعي.
وثقافة الطفل تشكلت في سنواته العشر الأولى في هذا العصر، بحسب ناجي، من خلال قراءته للقصص التراثية ومن مشاهداته أفلام الصور المتحركة التي تعتمد شخصيات ثابتة الحضور، إضافة إلى التربية الدينية والاجتماعية والتي تفرز اهتمامات بقيم محددة تشكل عالمه السلوكي وتكون ذات دلالات تربوية.
وفي الجلسة الثالثة والأخيرة، من الملتقى والتي حملت عنوان: "جمال أبو حمدان مبدعا ومسرحيا" أدارها الكاتب هزاع البراري، لفت رئيس منتدى النقد الدرامي المخرج والناقد باسم دلقموني في ورقته التي حملت عنوان: "تجربة جمال أبو حمدان في كتابة المسرح"، إلى أن كتابات الراحل أبو حمدان اتسمت بعاطفة شعرية وشاعرية جياشة وعكس ذلك داخل البناء المسرحي العام لمسرحياته التي اعتمد فيها الرمزية والمنولوج الداخلي التي تغوص في عمق القصة والشعر، محولا إياها إلى محاورات مسرحية بوصف المسرح يمس مباشرة الوجدان الإنساني ويتفاعل معه لحظيا وجمعيا.
وفي نصوص أبو حمدان المسرحية، بحسب الدلقموني، مكانة مهمة للمرأة، مثلما تشكل الحداثة خطا تصاعديا في مسرحياته فارضة إيقاعها من خلال الرؤية في الشكل والمضمون زمانيا، أي بمعنى ليس قربه من العصر الحديث أو بالابتعاد عنه، وإنما من خلال جدلية المضمون وجديته، مبينا أنه لا يرسم مخططا لنمط وتصنيف الكتابة حيث الدهشة تولد الألفة من خلال التفاعل مع عناصر الكتابة.
وقال إن جمال أبو حمدان يعالج في أعماله الأدبية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص القضايا السياسية والاجتماعية ومن خلالها يتخطى كل الحواجز بوصفه كاتبا إنسانيا لا تقيده أي حدود.
وتناول بالعرض والتحليل عددا من مسرحيات ابو حمدان ومنها "المفتاح" و"حكاية شهرزاد الأخيرة في الليلة الثانية بعد الألف"، و"القضبان" و"ليلة دفن الممثلة جيم"، مؤشرا على تأثر أبو حمدان بالمدرستين الرمزية والتعبيرية في أعماله المسرحية.
وقال الأكاديمي والناقد الدكتور محمد عبيد الله في ورقته التي حملت عنوان: "التجديد والتجريب في مسرحيات جمال أبو حمدان"، إن مسرحيات جمال أبو حمدان نالت بمعناها الأدبي والفني قراءات متعددة، قاربت بعض جوانبها الأدبية والفنية، وكشفت عن فرادة هذه التجربة وريادتها في سياق تاريخ الكتابة المسرحية الأردنية، وأنها كتابات تنطوي على كثير من عناصر التجديد والتجريب، على مستوى الرؤية والتشكيل وفرادة اللغة والأسلوب.
وتعود منابع التجريب في تجربة أبو حمدان المسرحية، بحسب عبيدالله، إلى المنابع ذاتها التي انطلقت منها تجربته الأدبية، ومن بينها: تنوع كتابات الأديب الراحل، وتمكنه من الخوض في عدة أجناس وأنواع أدبية، وما يعكسه ويقتضيه هذا التنوع من الثقافة الواسعة القادرة على أن تجمع خيوطا وأنواعا متباينة في نسيج متكامل، ويضاف إلى هذا وعيه بالتجريب والتجديد، وانتماؤه الصريح إلى التيارات الأدبية الجديدة منذ ستينات القرن العشرين، وميله إلى التفكير والتعبير الحداثي المعبّر عن شخصيته وثقافته.
وأشار إلى أن مجموعة من مسرحيات جمال أبو حمدان تقوم على ما يمكن تسميته بالاستئناف السردي، الذي يستند فيه على توظيف حكاية سابقة، تراثية عربية أو عالمية، ولكن عمله المسرحي لا يقوم على إعادة مسرحتها أو تقديمها كما هو الحال في الصيغ المعهودة من توظيف التراث وإعادة تمثيله سرديا أو مسرحيا، وإنما تقوم تجربته على استئناف الحكاية التراثية والمضي بها إلى معنى جديد وولادة ودلالة جديدة، مثلما تنطوي على نشاط ملحوظ للمخيلة بما يضيف أحداثا وتفاصيل جديدة وكأننا أمام حكاية مختلفة، تعيد النظر في الحكاية الأولى التي تتأسس على التناص معها، ولكنها لا تطابقها ولا تعيدها وإنما غالبا ما تنقضها وتمضي به نحو وجهة جديدة تتلاءم مع المعنى والشكل اللذين يريد الكاتب تأسيسهما.
ولفت إلى أن المسرحية عند جمال أبو حمدان تبدأ من انتهاء أصلها وانقضائه ومضيّ زمن عليه، وتبدو أقرب إلى صيغة مناهضة لمعناه الأول، عندما تزحزحه إلى معنى جديد يتلاءم مع رؤية الكاتب ومع الزمن الجديد الذي كتبت لأجله المسرحية الجديدة.
وقدم الشاعر طاهر رياض شهادة إبداعية عن علاقته وتجربته مع الأديب الراحل أبو حمدان قال فيها إن جمال أبو حمدان كان يصب اهتمامه على إنسانية الإنسان في أزمنة من طبعها العمل على تشييء الإنسان وتسليعه واللهو بكينونته ومصيره.
ولفت إلى أن أبو حمدان كان لا بد أن يصطدم بفكرة الحرية، حرية الفرد أولا وحرية المجتمع وحرية الشعوب كذلك، وهي تنتهك على مدى التاريخ بأيدي الطغاة، تلك الحرية بأبعادها الواقعية والأنطولوجية والميتافيزيقية كانت موضوعة أساسية كذلك في الكثير من نصوصه.
كما قدم الإعلامي أسعد خليفة شهادة إبداعية بمصاحبة عرض بصري لعدد من أبرز أعماله التلفزيونية والمسرحية نوه فيها بإبداعات جمال أبو حمدان.
--(بترا)