ما دلالات اجتماع حكومة نتنياهو في نفق أسفل المسجد الأقصى؟
المدينة نيوز :- عقدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد الماضي، اجتماعها الأسبوعي في الأنفاق التي حفرتها أسفل المسجد الأقصى المبارك وحائط البراق، في خطوة اعتُبرت استكمالاً لمسيرة الأعلام الاستيطانية وما رافقها من اعتداءات للمستوطنين على أرجاء المدينة المقدسة.
هذه المحاولات المستميتة لإظهار سيادة الاحتلال على القدس المحتلة جاءت بالتزامن مع الإعلان عن رزمة مشاريع تهويدية تحت اسم التطوير، ولكنها في الواقع، بحسب المراقبين، تسعى لربط الشطرين الغربي والشرقي من القدس معاً وتعزيز الاستيطان فيها.
أزمة حكومية
ممارسات حكومة الاحتلال المتلاحقة لكسب تأييد وتعاطف الشارع الإسرائيلي باتت واضحة، فاعتداءاتها على الفلسطينيين أصبحت هي الرافع لرصيدها ابتداء من العمليات العسكرية العدوانية في نابلس وجنين وغيرها من المدن وصولا إلى العدوان الأخير على قطاع غزة.
الباحث والخبير المقدسي جمال عمرو قال إنه منذ عام 2016 لم تعقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعات في أي مكان في الشطر الشرقي من القدس ولا في هذا المكان العربي الكنعاني اليبوسي ضمن منظومة الحفريات التي قام بها الاحتلال تحت جدار المسجد الأقصى المبارك من الجهة الغربية عند حائط البراق، حيث قام هناك بتوسيع نفق من الأنفاق اليبوسية الكنعانية ليصبح قاعة اجتماعات وزودها بكل أنواع البنى التحتية من إنارة وتهوية للتخلص من الرطوبة والأثاث الفاخر وما إلى ذلك.
جهز الاحتلال هذا المكان لاستفزاز المسلمين المرة تلو الأخرى، وعادت حكومته مرة أخرى لعقد الاجتماع في رد عاجل على مقررات جامعة الدول العربية وموضوع النكبة وحديث الجامعة عنها وإقرار موضوعها واعتباره يوما وطنيا فلسطينيا.
وبحسب عمرو فإن الاجتماع هناك كان ردا مباشرا على كل الفلسطينيين الذين يشككون في ملكية الاحتلال لحائط البراق وقولهم إن الكتاب الأبيض الصادر عن عصبة الأمم المتحدة عام ١٩٣١ تتحدث فيه العصبة أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من الأقصى ولا يجوز أن يتملك منه اليهود أي جزء ولا أن يصلوا عليه ولا أن يقتربوا ولا أن يضعوا أثاثا بجواره.
الحكومة الإسرائيلية لم تنجح في الحرب الخامسة على غزة، وفقا للخبير، ولم تنجح أيضا في مسيرة الأعلام فأصيبت بالإحباط والغضب، وأرادت قدر الإمكان لأن الحكومة مهزوزة والمجتمع الإسرائيلي منقسم؛ استعادة المعنويات لدى المتدينين والقول لهم إننا نمتلك الأقصى بالكامل ونجتمع بالقرب منه تماماً والأقصى لنا والفلسطينيون عليهم أن يكفوا عن المطالبة به ورفض الاحتلال وتدنيسه للأقصى، مبينا أن بن غفير قبل التحضير للجلسة كان يجوب الأقصى مرة أخرى ليثبت أنه سبّاق ومتطرف وأنه يصلي في الأقصى كيفما يشاء.
وأضاف:" واقع الأمر أن الاحتلال أراد توجيه صفعة لكل الذين لا يعترفون بملكيته لحائط البراق وعملية تحد معنوي واستعادة الثقة بين أجزاء المجتمع الإسرائيلي المنقسم، وتأكيد قوة الحكومة أنها موحدة وتمثل الجميع وأن نتنياهو يجب أن يبقى على رأسها وألا يذهب للسجن ولا يقوم بالتعديلات القضائية، هذه رغبة نتنياهو واستمر في محاولة لجمع شمل أجزاء الحكومة المتشظية والمجتمع الإسرائيلي الذي بدأ ينتقد الحكومة وايتمار بن غفير وسموتريتش، فهذا المغزى بات واضحا".
نفق البراق
في صباح الخامس والعشرين من شهر أيلول عام 1996، هبّ الشعب الفلسطيني ثائرا في انتفاضة شعبية بعد أن أقدمت قوات الاحتلال على فتح نفق أسفل حائط البراق؛ الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك، فيما عرف وقتها بهبة البراق، والتي أسفرت عن استشهاد وإصابة العديد من الفلسطينيين.
النفق هو مبان قديمة مشيدة في عصور مختلفة مغطاة بالطمم بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، وهو عملية وصل لهذه المباني من خلال حفريات أسفل أساسات مبان قائمة بعرض متر وارتفاع مترين، بالإضافة إلى وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار.
الجزء الأكبر منه يقع ضمن مبان قديمة قائمة تم تنظيفها وإزالة التراب والحجارة منها، وهي من العصرين الأموي والأيوبي، وهذه الأجزاء تقع أسفل المدرسة التنكزية التي بنيت عام 729هـ-"1528-1329مـ" وحوش محمد الخليلي، والمدرسة الأشرفية التي بنيت عام 887هـ، "1422مـ" وهي مكتبة المسجد الأقصى المبارك حالياً، كذلك أسفل سوق القطانين والمدرسة المنجكية والتي شيدت أيضا في العهود الإسلامية.
أما القناة الرومانية فهي بطول 60 مترا محفورة بالصخر وعرضها أقل من متر وارتفاعها عدة أمتار، وهذا الارتفاع مختلف من منطقة إلى أخرى والبقية الباقية عبارة عن حفريات أسفل عقارات مملوكية قائمة في مستوى الأساسات، وهي أيضا على ارتفاعات مختلفة عن سطح الأرض.
يمتد النفق بطول 450 متراً أسفل المسجد الأقصى المبارك والعقارات الإسلامية المحيطة به، وأبرز خطر له هو تصدع أجزاء من المسجد جراء الحفريات المستمرة، كما أن الاحتلال لم يتوقف عند هذا الحد، بل قام بإنشاء شبكة أنفاق متشعبة منه أسفل المسجد وبلدة سلوان الحامية الجنوبية له.
تهويد مستمر
مراقبون رأوا أن ما قامت به حكومة الاتلال هو استكمال لحرب التهويد التي تشنها على القدس بشتى الوسائل.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد قال إن نتنياهو قال إنهم اليوم يكملون حرب عام 1967، بمعنى أن تهويد القدس وعبرنتها لم يتم إنجازه، وبالتالي تأتي هذه الحكومة باجتماعها لتؤكد ذلك.
ورأى أن اختيار هذا النفق كمكان لاجتماع الحكومة والذي حين بدأ نتنياهو بحفره عام 1996؛ كان هو ذاته رئيسا للحكومة الإسرائيلية وفجر هبة النفق التي أدت إلى اشتباكات وصدامات دموية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، فالاجتماع شكّل رسالة هامة جدا من اختيار هذا المكان وتحت الأرض أسفل المسجد الأقصى كرسالة من نتنياهو أننا كنا قبلكم هنا بآلاف السنوات.
رسالة الحكومة الإسرائيلية، بحسب الخبير، أنه إذا بني المسجد الأقصى قبل 1400 عام فالهيكل موجود قبل ذلك بأكثر من 1500 عام كما تزعم، أنهم موجودون قبل الفلسطينيين وسيبقون بعدهم ولا مكان لهم، خاصة أن الاجتماع جاء بعد يومين من اجتماع القمة العربية في جدة وبعد ثلاثة أيام من مسيرة الأعلام.
الاجتماع جاء كذلك بعد أسبوع من نهاية عدوان نتنياهو على غزة عامة والجهاد الإسلامي خاصة، ليتصرف وكأنه منتصر وأن المنطقة دخلت مرحلة الصهيونية الدينية وأنه لا يأبه لا بالسلطة الفلسطينية، ولا برئيسها، ولا بحماس وتهديداتها، ولا بالأردن ووصايته على الأقصى ولا بالجامعة العربية وقراراتها، "وأعلى ما في خيلها تركب"، كما قال شديد.
وأكد أن مكانة القدس والضفة عموما عند مكونات غالبية الحكومة الإسرائيلية الحالية هي مكانة مقدسة جدا، وبالتالي ترى هذه المكونات أن وجودها في الحكومة فرصة ربانية لتنفيذ مشروع التهويد والمرتبط بفهم لدى هذه الجماعة التي تسمى بالصهيونية الدينية؛ أنه يجب عدم الانتظار لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
وأضاف:" إسرائيل قادرة على إحداث تغيير في الوضع القائم في مدينة القدس، بل أحدثته بالفعل ولم يعد ما يسمى الوضع القائم قائما، وانتهى إلى الأبد، ولا أعتقد أننا كفلسطينيين وأردنيين وعرب قادرين على وقفه، ولكن لا يمكن قبوله".
عربي 21