الملالي وشركائهم؛ ومعادلة إعادة رسم النفوذ بالشرق الأوسط
تحتدم الصراعات.؛ وتتسارع الأحداث في كافة أرجاء العالم، ويبقى الشرق الأوسط من أهم بؤر تلك الصراعات والأحداث خاصة بعد المتغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم والتي ستصنع أو صنعت بدورها رؤية عالمية جديدة في موازين القوى وشكل العلاقات الدولية، وبات للعالم اليوم وجها آخر يلمع في مشرقه بقوىً صاعدة وفي مغربه بقوىً هَرِمه قد ترى أن فرصتها في الوجود لا تتخطى إمكانية الحفاظ على تركتها وفرض وجودها كرقم من منطلقات تكنلوجية وعسكرية ونووية، ورغم شيخوخة الرؤية والقيادة الغربية إلا أنها باتت تدرك تماماً أن متغيرات التاريخ حقيقة واقعة وأن هناك أدواراً وخطوطاً جديدة يتم ترسيمها في هذا العالم وتستحق حتى المجازفة في الدخول في حرب مباشرة أو غير مباشرة مع روسيا ليس لتحرير أوكرانيا وإنما للحد من المتغيرات العالمية الكبيرة المنتظرة التي لن تأتي على هوى الغرب أو متوافقة مع مكانته التي رُسِمت بالنهج الاستعماري الكلاسيكي أو بالنمطية الاستعمارية المعاصرة؛ أما من الناحية فإن إدراك الغرب بأن الأرض تُقضم من تحت أقدامها قد يكون هزيلاً ناجماً عن غرور، أو متأخراً وحلوله ليست بيد الحكومات وإنما بيد الشركات الرأسمالية العملاقة التي تتعاظم ثرواتها وستبدأ بالترهل.
أن يدركالغرب متأخرين أن ملالي إيران قد رسموا خارطة منطقة الشرق الأوسط السليبة نفوذاً واقتصاداً مع القوى التي يحاربها الغرب اليوم خيراً من أن لا يدركوا، والأهم من هذا كله هو كيف سيتعاطون مع ما هو عليه الحال آخذين بعين الاعتبار أنهم يلعبون خارج الزمن الأساسي من اللعبة، فما يملكه ملالي طهران على الأرض في العراق ولبنان وسوريا واليمن من نفوذ ووسائل تعاظمت لا تملكه أي دولة غربية ويُسخر هذا النفوذ لصالح شركاء الملالي طرفي الصراع مع الغرب الصين وروسيا؛ علما بأن من لدى الملالي من هيمنة في العراق وسوريا واليمن كان بمباركة أمريكية وغربية إن لم يكن أبعد من ذلك.
واليوم وفي ظل حالة الصراع من أجل البقاء بعد أن خرج من مرحلة الاحتضار بفعل جرعة التنشيط العربية التي مُنِحت لنظام ولاية الفقيه؛ وباتت له الفرصة سانحة أكثر من ذي قبل لإنقاذ وجودهقام نظام الملالي بالتصعيد من وتيرة الإعدامات والقمع وملاحقة ثوار الانتفاضة الوطنية الإيرانية، وتسميم فتيات المدارس وقمع الطلاب الثوار وحرمانهم من الدراسة ونفيهم دراسياً إلى محافظات بعيدة كعقوبة لهم، وكذلك تصعيد الملالي المبطن من لهجة تهديدهم لجنودهم في العراق بشأن الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة المقيمة على الأراضية العراقية مطالبين بنزع سلاحهم وطردهم من العراق ..أو بمعنى أدق المطالبة بحلهم والقضاء عليهم لإضعاف قوة معارضيه ووصف الانتفاضة الوطنية الإيرانية بأنها حراكٌ انفصاليٌ مارقٌ لا أكثر.
وفي الوقت الذي فشل فيه تيار المهادنة الغربي في صناعة بدائل سطحية بلا جذور ولا رؤية؛ تحقق المقاومة الإيرانية إنتصارات تلو الأخرى على أرض الميدان داخل إيران حيث تمكن فريق من الخبراء في وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق من الإستيلاء على أكثر من مئتي موقع تابع لوزارة خارجية الملالي وإخراجها عن السيطرة ووضع يدها على بيانات سرية وفي غاية الأهمية بمقدار أكثر من 50 تيرا بايت، وعلى الصعيد الخارجي في الوقت ذاته تمكنت المقاومة الإيرانية من كسب تأييد أغلبية نيابية أمريكية، وبريطانية واسكتلندية وويلزية وفرنسية وإيطاليا وبلجيكية وهولندية وبرلمانية أوروبية، وأغلبيات نيابية من دولٍ أخرى عديدة بجميع أنحاء العالم، وكذلك رسالة أكثر من 107 من قادة العالم من بينهم نائب الريس الأمريكية السابق مايك بينس يطالبون فيها الرئيس بايدن وقادة كندا وأوروبا والعالم بإتخاذ نهج صارم حيال النظام الحاكم في إيران وإخضاعه للمسائلة والمحاسبة،ويأتي هذا في إطار كسب دعم دولي للانتفاضة الإيرانية ولمشروع التغيير في إيران، وبهذه الإنتصارات يُسقِط هذا الدعم المقدم للمقاومة الإيرانية شرعية نظام ولي الفقيه بشكل تلقائي ويعترف رسمياً بشرعية إئتلاف المقاومة الإيرانية وشرعية برنامجها السياسي كبديل وطني ديمقراطي يعمل إلى جانب القوى الوطنية الأخرى.
وتأتي هذه الإنتصارات أيضاً بالتزامن مع مشاريع تطبيع نظام ولاية الفقيه مع العرب الذين كان ولا زال ينظر إليهم كأعداء يجب إخضاعهم لمخططاته ثم لسلطانه وإلا أصابهم ما أصاب العراق ولبنان وسوريا واليمن، ولا يرى ولي الفقيه وجنوده في هذا التطبيع سوى أنه وسيلة لكسب الوقت للتمكن من تحجيم ثورة وحراك والشعب الإيراني المنتفض بكافة فئاته ومكوناته ومن ثم القضاء عليها داخليا؛ ثم العمل على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة تمكين وتأهيل نظامها وهو ما يلبي أيضا رغبات شركاء الملالي وهو ما يفسر انصياعه ومرونته الآنية، وقد حقق نظام الملالي بالفعل (بعض) ما أراد وهو الإنخراط في حملات القمع البربرية ضد الشعب والتصعيد من عمليات الإعدام الإجرامية وتحجيم دور بعض وسائل الإعلام ليتواصل التعتيم المتعمد على مآسي الشعب الإيراني، إلا أن مساعيه ستبوء بالفشل عاجلا أم آجلا، فنظام مثله يقوم على الأزمات ويدير صراعاته من خلال مراكز قوى وميليشيات وعصابات دموية إجرامية لا يمكنه المضي قُماً في إتفاقات مع دول رصينة تنضبط في إطار القوانين والأعراف المعمول بها دولياً، فمشاريع تهريب السلاح والمخدرات لن تتوقف ولغة وسلطات الميليشيات لن تتوقف أيضاً وبالتالي لم يربح النظام التطبيع المُعلن لكنه ربح الوقت وهو المطلوب تحقيقه كالعادة في جميع مفاوضات النظام، وسيجد المتفاوضون الآخرون مع الملالي أنه وبعد جهد جهيد ورسم المزيد من الآمال قد عادوا إلى المربع الأول ليفسروا الماءَ بالماءِ.
وكما يُقال من جد وجد ومن صبر ظفر، وقد باءت كل مؤامرات النظام وحلفاؤه المهادنون بالفشل وتنامى لديه شعور الخوف من السقوط والزوال والمساءلة ذلك الشعور الذي يؤرق مضجعه ويرافقه ككابوس مرير في يقظته وغفوته، وفي الجانب الآخر من المشهد حيث يلتف قادة العالم وبرلماناته ورموزه ومفكريه ومثقفيه وإعلامه الحر، أما الضربة الكبرى التي سيتلقاها نظام ولي الفقيه فستكون في يوليو القادم؛ ولن تكون هذه الضربة له بمفرده بل لأنصاره وحلفائه أيضاً حيث ستُظهر صورتين للمشهد صورة للعالم الحر وقيمه الجميلة وصورة مشينة لتيار المهادنة.
وكما أن إجرام الملالي لن يتوقف فلن تتوقف أيضا ثورة الشعب الإيراني الذي تغلي دماء أبنائه الشهداء في عروقه.. في عروق الأبناء والأحفاد، ولم ينسى مآسي سجنائه وطعم حياته اليومية شديدة المرارة، وتسلط قطعان من المجرمين البرابرة عليهم، وعليه فإنالنصر آت لا محالة.. وهناك من يصلون الليل بالنهاركفاحاً وتضحيةً وإيثاراً ولا هم ولا شغل لهم سوى صناعة النصر وإعلاء كلمة الحق.؛ وبالتالي طال المسعى أو قصُرَ فلن يبقى بعير ولاية الفقيه على التل، وسينزل نزول الزلاجات المنزلقة بالعويل والنحيب إلى الهاوية.
د. محمد الموسوي - كاتب عراقي