مواسم الحصاد صور متوارثة في الذاكرة الشعبية
المدينة نيوز :- منذ أن يطل شهر أيار تبدأ اللحظة التي ينتظرها الفلاحون فيمنون النفس بأن تهل تباشير الخير من جعبة أيار لترسم صورا جميلة في الذاكرة الشعبية المتوارثة عبر الأجيال.
يأتي موسم الحصاد ويخرج الناس لحقولهم مستبشرين، باللحظة المنتظرة والغناء الذي يرافقها "منجلي يا ابو رزة ويش جابك من غزة"، ويجيب المنجل في هذا الحوارية الموسمية المتجددة "جابني لعب البنات.... البنات...... البنات".
وحول ذلك يقول الأديب نايف النوايسة، "منذ بداية أيلول يعد الفلاح بذاره وسكة الحراث ويجهز الفدان، ومع بداية تشرين يحمله الفجر على إشراقات الأمل ليبدأ بإلقاء البذور ثم حراثة الأرض، وإذا ما طال الانتظار يستغيث الفلاح (يا الله الغيث يا ربي تسقي زريعنا الغربي........ يا الله الغيث يا دائم تسقي زريعنا النايم).
ويتوجه الناس إلى خالقهم عبر صلاة الاستسقاء في لحظات وجدانية إيمانية، ثم تمر الأيام سريعة؛ فتخضر الأرض، ويشيع الفرح، وتستبشر الوجوه والقلوب، وتشمخ السنابل كاللآلئ الجميلة، ويتمايل معها الفلاح مسرورا وشاكرا لربه، لتبدأ رحلة الحصاد بمشاركة جميع أفراد الأسرة، ونقل (الغمور)، وهو الذي يحصد من المحصول للبيدر بواسطة ما كان يعرف بـــ(القوادم)، أي على ظهور الدواب لتشكل منظرا مدهشا ذهابا وإيابا بين البيدر والحقل.
وكان الناس يشدون بعضهم بالعونة، وهم ينشدون (عاون الله من يعين...... عشرة شالو الجمل، والجمل ما شالهم)، وينتهي الحصاد و(الرجاد)، أي نقل المحصول سواء على الدواب أو التراكتور، ويبدأ الفلاح يعاين البيدر، ويتجهز لخطوة أشبه باللوحة الفنية المكتملة.
يجهز الفلاح الدواب (قرن الدراس)، وهو مجموعة من الدواب تقرن مع بعضها، وتبدأ تدوس السنابل على البيدر بواسطة (الدراس)، وهو شخص قادر على ضبط هذه الدواب على القش، ويتم قلب القش بواسطة المربع، فيتحول البيدر إلى (الطياب)، وهو القمح المختلط بالتبن فيقوم الفلاح بعملية الفصل بينهما بما يسمى التذرية.
يختار الفلاح لحظة مناسبة للتذرية فيصفها بقوله "هب الهوا يا ياسين يا عذاب الدراسين"، وتكون المذراة جاهزة لفصل الحب عن التبن الذي يحمله الهواء شرقي العواذر
وتنتهي عملية التذرية بعرمة القمح، ويسمونها (صليبة القمح)، وبجانبها كوم التبن والقصل، وتتم عملية الكربلة والغربلة.
ويأتي شخص كي يكيل الحب بوعاء خاص، فيوضع في الشوالات أو العدول، وقبل ذلك يخرجون صدقة للفقراء والمحتاجين من أجل البركة، وينقل بقية المحصول إلى الدور، ويطحن جزء منه، وما تبقى يخزن في آبار خاصة أو شوالات محكمة الإغلاق تودع في المخازن.
وتستحضر عملية الحصاد ذكريات الثمانيني الحاج أبو محمد بقوله "عندما يبدأ يصفر القمح والشعير يكون جاهزا للحصاد، وتعلن حالة الاستنفار بين جميع أفراد الأسرة والجيران لعونة بعضهم البعض، وتجهيز أدوات الحصاد والدرس".
ويلفت إلى أن هذا الحدث مهم لحياة العائلات اقتصاديا واجتماعيا، لأنه يشكل المهنة والحرفة الرئيسة للغالبية آنذاك قبل التحول إلى مهن أخرى.
وفي السياق، تقول الحاجة أم خليل من بلدة راكين، إن النساء شريكات أساسيات في عملية الحصاد جنبا الى جنب مع الرجال، ولا سيما تجهيز الطعام للحصادين، ورفع المعنويات أثناء الحصاد بالزغاريد والغناء لكسر رتابة الملل والتعب، مشيرة إلى أن أبرز أدوات الحصاد كانت المنجل والقالوش والقادم.
--(بترا)