شتان ما بين الإفساد في الأرض والدعوة إلى العفة والحجاب
ك
ثيرةٌ هي المصطلحات والشعارات التي يمكن أن يطلقها الفرد في أي زمان ومكان.. لكن أهم ما في هذه المصطلحات والشعارات صدقها وشفافيتها وقابليتها للوجود على أرض الواقع، وكذلك لابد من تطابقها مع فكر وعقائد البشر وأعرافهم وقيمهم دون أدنى تناقض إن أردنا أن نأخذ بها ونعمل بموجبها كثوابت في حياتنا.
وعندما يكون الدين أساساً لقيمنا ووجودنا دون تطرف ومغالاة وخروج فنحن بخير والحمدلله فديننا يُسرٌ وتسامح وسلام ودين حرية واحترام للبشرية حتى وإن اختلفنا معهم، ودين تكفل برعايانا ورعايا غيرنا ممن هم تحت مظلتنا، ولكن عندما لا يطابق القول العمل ولا يطابق النهج الشعار ويكون المصطلح على غير أهله والشخص في محل غير جدير به، ويكون الدين في يد المُدعين فتلك كبرى المصائب التي تحل ليس على المجتمعات البشرية فحسب بل على جميع الكائنات والموجودات، وكل ما لا يوافق ذاته إدعاء والإدعاء منافٍ للحقيقة وتأبى النفس البشرية السوية أن تنقاد لغير الحقيقة سواء كان ذلك دينياً أو فلسفياً، ولذلك فإن المنطق الذي يقبله العقل وينسجم معه هو المقياس والأساس في التعاملات البشرية اليومية ولا يتعارض ذلك مع مضمون وصلب الرسالات السماوية.
تعرضت منطقتنا منطقة الشرق الأوسط إلى فتنة كبيرة بعد إحتلال العراق حيث تمكن النظام "الديني" الحاكم في إيران من الهيمنة على العراق سياسياً وإدارياً واقتصادياً، ولم يعمل على تعزيز أمن واستقرار العراق كبلد جار لكنه عزز من وجود فصائل موالية له من كافة مكونات العراق داعماً لتفكك الدولة وتنامي روح العنف والتطرف فيها بما يخدم مصالحه خاصة وأن هناك من يلبي خدمة مصالحه، ومن هنا برزت قوى وفرق متطرف عديدة دينية وغير دينية ومنها تنظيم ما يُعرف بـ داعش الذي أهلك المنطقة وأدخلها في حرب ضروس وساهم الأردن في الحرب ضد تنظيم داعش وإرهابه وفكره وله شهدائه في هذه الحرب، كما تمكن الأردن ونجح في كبح محاولات داعش وكافة القوى الإرهابية المتطرفة الأخرى التي أرادت النيل من الأردن الذي أصابه سهماً كبيراً من الضرر بسبب فكر الإدعاء والتطرف هذا.
المؤسف في الأمر أن هناك أنظمة تُعلن أنها إسلامية في المنطقة وتريد فرض نفسها على هذا الأساس كإيران التي تقول بأنه كانت لها اليد الطولى في الحرب على داعش في العراق وسوريا لكنها في الوقت ذات تقول على لسان قائد الحرس أنه لم يكن من مصلحتها القضاء على داعش في بداية نشوء التنظيم، وأن تمدد داعش في الشرق الأوسط كان مفيداً وكان له تبعات ساعدت إيران على تجنيد ميليشيات في العراق وسوريا(سكاي نيوز عربية 25 نوفمبر 2017) ويحمل هكذا تصريح مضامين كثيرة يطول شرحها ويسمح بالكثير الكثير من التأويل وتصويب الحقائق ومنها تمويل داعش، ووفقاً لهكذا منطق وتوجه يصعب التوفيق ما بين الإدعاء بالإسلام وتطبيق الشريعة والحقيقة القائمة على الأرض حقيقة العبث بالدين والشريعة والتي هي موضوعنا.
يقول رب العزة في كتابه الحكيم (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) ويقول العزيز الكريم أيضاً (يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) النظر والتدبر في هاتين الآيتين يُخرج بنتيجة مفادها أن ما جرى في إيران من قتل أطفال ونساء وشباب وهتك للأعراض واضطهاد للأقليات العرقية والدينية، وكذلك ما جرى في العراق على شعبه من كوارث مُهلكة، وكذلك شعوب لبنان وسوريا واليمن، ووما جرى على الأردن الذي لولا صمود حكومته وشعبه لأهلكوه بتهريب المخدرات والسلاح والممنوعات؛ كل ذلك وكل تلك الممارسات واستنادا للآيتين الكريمتين دلالة على أنه لا علاقة لذلك كله بالإسلام الذي ينهى عن القتل والعدوان وانتهاك الأعراض وتهريب المخدرات واضطهاد الإنسان والتنكيل به، وكل ذلك يقع في إطار الإفساد في الأرض وكانت داعش جزءاً من مشروع الإفساد في الأرض وتركيع بعض الدول والشعوب.
وهنا نتساءل كيف يمكن لمن يقتل ويسلب ويهرب وينتهك الأعراض أن يطالب بالعفة والحجاب.. هل يستقيم الأمران ويتوافقان معا، هل تتناغم الدعوة إلى العفة مع انتهاك حرمات النساء وقتل الأطفال وحرق القبور.. أليس بالأحرى أن يصلح الراعي نفسه قبل أن يتوجه بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الرعية، إصلاح الذاتوالتسليم بأنه لا إكراه في الدين قبل التوجه للرعية بأي نوع من الخطاب شرعياً كان أو وضعي فشتان ما بين الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل وبين الدعوة المزعومة إلى العفة والحجاب وما هي سوى مناورة ووسيلة قمعية جديدة لإحكام سلطة لا علاقة لها بشرعٍ ولا دين ولا قيم إنسانية حميدة.
ماذا بقي ولم تفعلوه خلافاً... إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.