صدور مختارات لشاعر المقاومة الفلسطينية سميح القاسم عن قصور الثقافة المصرية
المدينة نيوز- حسين دعسة - بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب صدرت الطبعة الشعبية من كتاب \"مختارات من شعر سميح القاسم\" عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، والمجموعة من اختيار وتقديم الشاعر المصري جابر بسيوني.
بسيوني وثق تجربة القاسم بعنوان فرعي يحمل شغله النقدي بعنوان \"فلسطين الموت والحياة: إطلالة في شعر سميح القاسم\"، حيث لم تزل القضية الفلسطينية هي قضية كل المثقفين والأدباء والمفكرين الفلسطينيين و العرب، ومحور إبداعهم المشترك في مجالات الشعر والسينما والمسرح والفلكلور الشعبي.
ونقديا اختار بسيوني 70 قصيدة من أواخر كتابات القاسم مؤكدا انه: من كبار المجددين في حركة الشعر العربي المعاصر، وأن شعره يمتاز أدبيا وإبداعيا بالجمع بين صوت الشاعر الفرد وصوت الجماعة الذي يعكس نبض الناس والشارع الفلسطيني وهواجس الأمة .
واعتبر بسيوني، القاسم من الذين اختصتهم الأقدار لأن يحملوا هموم القضية الفلسطينية حيث انبرت كلماته في ترسيخ الحق الفلسطيني على أرضه المغتصبة منذ مولده عام 1939 حاملا على كتفه نعشه، وفي كفه قصفة زيتون، فإما الموت وإما الحياة في سلام.
تبدأ المختارات (234 صفحة) بالرؤى النقدية ثم مبتدئا بقصيدة \"إصرار\":
يا جبال الثلج التي حطمتْها .. في ضلوعي عواصفُ الأقدارِ.
لا أبالي مهما تكدَّس ثلجٌ .. فضلوعي مقددة من نارِ.
وفؤادي لا يستكين لرزءٍ .. فهو نارٌ عنيدةُ الأنوارِ.
أنا أمشي إلى أعالي المعالي ... وأنيرُ الدروب للأحرار.
سميح القاسم ، شاعر المقاومة الفلسطينية، ولد مع القضية ووهب حياته شعراً وفكراً من أجل تصوير مشاهد مأساتها وتحولاتها وصراعاتها مع العدو الصهيوني بشكل يومي ودائم منذ أكثر من 60 عاما.
في هذه المختارات التي وضعها بسيوني، دون إن يوضح كيف تقيمه النقدي لطبيعة المختار من الأشعار الوطنية، يحيلنا شعر سميح القاسم إلى ذات فنان مبدعة تمتلئ بهواجس الخوف والحزن والريبة والاستسلام، وتعلى الحرية والصوت الرافض :
ربما تحرق أشعاري وكتبي.
ربما تطعم لحمي للكلاب.
ربما تبقي على قريتنا كابوس رعب.
يا عدو الشمس.
لكن لن أساوم.
وإلى آخر نبض في عروقي.
سأقاوم.
في فهمة ووعيه لدلالة قصيدة الانتفاضة يرصد القاسم وعي المناضل والشهيد:
تقدموا تقدموا.
كل سماء فوقكم جهنم.
وكل أرض تحتكم جهنم.
تقدموا.
يموت الطفل والشيخ.
ولا يستسلم.
وتسقط الأم على أبنائها القتلى.
ولا تستسلم.
تقدموا.
بناقلات جندكم.
وراجمات حقدكم.
وهددوا.
وشردوا.
ويتموا.
وهدموا.
لن تكسروا أعماقنا.
لن تهزموا أشواقنا.
نحن قضاء مبرم.
القاسم من مواليد مدينة الزرقاء عام 1939 هو يرأس تحرير صحيفة كل العرب الفلسطينية التي تصدر في الناصرة ويقيم في حيفا، مسيرته الشعرية ناهزت نصف قرن تتقاطع مع صوت المعركة و الفكر الأيديولوجي والأعلام استنادا إلى ما توحي إشكالية وجود المنظمات الفلسطينية وتنوع مفرداتها السياسية والفكرية، بقدر ما كان العازف الحزين لضياع شيء مهم من الطبيعة الإنسانية وهو الإنسانية نفسها، ليحل محلها التعسف والظلم والقتل والسجن والتعذيب والتجويع والتشريد وهي أحوال يعيشها الواقع الفلسطيني.
وعن لغة القاسم وشعره يقول بسيوني: \"إن الشاعر لجأ إلى التعبير عن قضيته في قوة وشموخ من خلال أنساق لغوية تعددت فيها التراكيب والمفردات المكتنزة الموحية ذات الدلالات المؤثرة
من يقرأ مختارات الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ،من يتأمل عناوين مجموعاته الشعرية يدرك مدى توحد سميح القاسم بمأساة جماعته وتمثله لدوره الثقافي المعبر عنها: قرية اسمها سيرين، أطفال 1948، جبل المأساة، ليد ظلت تقاوم، الموت يشبهني فتياً، هبني قدرة الشهداء، وحي الشعب، ضحايا الحرب، القتلى يعلنون العصيان، مزمور أحفاد إشعيا، الساحر والبركان، إليك هناك، حيث تموت، وصية رجل يحتضر في الغربة، أشد من الماء حزناً، إلى أين يا منتهى تذهبين؟.
في هذه المختارات التي عكف على اختيارها وتقديمها جابر بسيوني يوقفنا القاسم أمام حال بعيدة من الإنشاد والخطابة، ويحيلنا إلى ذات مشمولة بهواجس إنسانية في أعلى تجلياتها.
هذا الإقرار الإبداعي الإنساني بإمكانيات الآخر (العدو الصهيوني المحتل) وقوته يوضح مدى عدم تكافؤ المعركة، لكن شيئاً صغيراً يمتلكه القاسم وشعبه يمكنه أن يفسد حسم المعركة التي تبدو محسومة من البدء، يمكنه أن يقلب الأمور رأساً على عقب، وهو الإصرار على عدم الاستسلام، هذا الإصرار الذي يتمتع بمدد روحي نابع من إيمان الفلسطيني بحقه وأرضه و في قصيدة الانتفاضة تتجلى عيون القاسم الدامعة :
\"تقدموا تقدموا.
كل سماء فوقكم جهنم.
وكل أرض تحتكم جهنم.
تقدموا.
يموت الطفل والشيخ.
ولا يستسلم.
وتسقط الأم على أبنائها القتلى.
ولا تستسلم.
تقدموا.
بناقلات جندكم.
وراجمات حقدكم.
وهددوا/ وشردوا.
ويتمو.
وهدموا.
لن تكسروا أعماقنا.
لن تهزموا أشواقنا.
نحن قضاء مبرم\".
الشكل الأدبي وروح الشاعر تجلت في خبرات مستوحاة ، بدءاً من الرسائل والمراثي والمزامير والسور وانتهاء برصد مشاهد المأساة اليومية التي يعيشها شعبه، والفواجع القومية الكبرى سواء في فلسطين كمذبحة قانا ودير ياسين والانتفاضة وغيرها، أو على المستوى العربي كسقوط بغداد الرشيد.
..ومع بقايا الحرب العدوانية الصهيونية على قطاع غزة ،ووسط ثقافات العالم التي ناصرت الحق الفلسطيني الإنساني جاءت هذه المختارات في سبعين قصيدة، شكلت بانو راما شاملة لشتى أعمال القاسم الشعرية، وأوضحت انشغاله الفني بأسئلة الوجود والسؤال المصيري عن الراهن اليومي و المستقبل والأرض والحياة والموت وعطر وطيوب الشهادة.
المختارات الشعرية أساس مشروع سلسلة \"آفاق عربية\" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر ويرأس تحريرها الروائي إبراهيم أصلان، وهي سلسلة شهرية تُعنى بنشر أعمال الأدباء العرب، وجاءت مختارات سميح القاسم لفتة من لفتات الثقافة الداعمة للحق في المقاومة والشهادة والحياة على ارض فلسطين المحتلة.