صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل
حققت الدبلوماسية الفلسطينية انتصارا جديدا بعد الإنتصار الذي شهد له العالم أجمع ، والذي تمثل في إصرارالرئيس الفلسطيني في شهر أيلول الماضيعلى المضي قدما في مطالبة العالم ممثلا بالامم المتحدة، وعلى راسها مجلس الأمن الدولي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وما لقيه هذا الطلب من تجاوب، تفاعلت معه كل الدول والشعوب المحبة للديمقراطية والسلام والحرية. الإنتصار الدبلوماسي الذي تحقق هذه المرة كان لحركة المقاومة الإسلامية "حماس " والذي تمثل في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل بوساطة مصرية، بدأت في شهر تموز الماضي وتمكنت من إنجازها بالإضافة للوساطة الألمانية والتركية.
تشير الصفقة التي تم الإعلان عنها، على لسان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطابه يوم الخميس في الثالث عشر من شهر كانون أول الجاري، والذي أعلن فيه أنه سيتم مبادلة الجندي الصهيوني الأسير "جلعاد شاليط " بالف من السجناء الفلسطينيين والعرب بالإضافة لسبعةعشر من الأسيرات القابعات في سجون الإحتلال وقال مشعل : "أخاطب إخواني في السلطة والفصائل بأن هذا إنجازنا جميعا نفخر به ،فتعالوا نخطط لمزيد من الإنجازات " وهذه دعوة صريحة للسلطة وللفصائل للعمل الوطني المشترك يمكن إستثمارها فلسطينياً على أساس النوايا الحسنة في التعاون مع السلطة والفصائل لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة،
أيا كانت محكوميات السجناء ،وأيا كانت المدد المتبقية والمفترض قضاؤها داخل السجون. فإن هذه الصفقة أعادت البسمة لآلاف الأسر الفلسطينية والعربية، وتسجل نجاحا حقيقيا لحماس لإسباب عديدة، أهمها ان العدد المذكور من الأسرى والأسيرات يشكل نسبة .1% تقريبا من مجموع الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال،والمقدر عددهم بما يتجاوز العشرة آلاف أسير ، حسب ما تشير إلية إحصائيات السلطة الوطنية الفلسطينية ،وهي نسبة مقبولة إذا ما قيست بصفقات تبادل الأسرى السابقة التي كانت تمت بين أطراف عربية وإسرائيل والتي بلغت ثمان وثلاثون عملية تبادل حسب إحصائيات أوردها بعض وكالات الأنباء .إضافة إلى شمول الصفقة، لسجناء من كافة الفصائل الفلسطينية، مما يدل أن تفكير الحركة لم يكن منصبا على سجنائها فقط.وهذا الموقف يرفع من أسهم الحركة أمام الرأي العام الفلسطيني .أضف إلى ذلك شمول الصفقة لستة سجناء من فلسطينيي الداخل والذين يحملون هويات إسرائيلية، و كذلك فلسطينيي الشتات الذين يحملون جنسيات مختلفة يعطي مؤشرا واضحا على وحدة هذا الشعب بغض النظر عن أماكن تواجده .شمول الصفقة لستة أشقاء أردنيين، ومجموعة من الأشقاء السوريين الذين لم يعرف عددهم بعد، هذا التنوع جعل موقف الحركة أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي أكثر قوة ، وأعطاها زخما جديدا للمضي قدما في مواقفها الرافضة للحلول والإتفاقات التي تم إبرامها سواء بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، أو بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، والذي تم إعلان فشلها أكثر من مرة على لسان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس .وسيسهم كذلك في توسيع دائرة قبولها عربيا، ويكسبها تعاطفا عربياً ودوليا جديداً ،مما يساعد بالتالي في زيادة التعاطف العربي والدولي مع الشعب الفلسطيني مع مطالب الشعب الفلسطيني بشكل عام وقضيته العادلة .
ردة الفعل الفلسطينية الرسمية على الحدث كانت آيجابية،وجاءت على لسان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الذي رحب بالإتفاق ، وبدورها حركة فتح رحبت بالإتفاق كذلك واعتبرت الإعلان عن الصفقة إنجازاً وطنيًا يضاف إلى الإنجازات الوطنية التي حققتها الثورة الفلسطينية مما يشير أن فتح تعتبر حركة حماس واحدة من الروافع الفلسطينية التي يمكن الإعتماد عليها في تحقيق الإنجازات .
موقف حماس الذي تمثل في إبرام الصفقة بشروطها التي تم الإعلان عنها ،وموقف السلطة الوطنية، وحركة فتح المؤيد للصفقة ، بالإضافة لموقف فلسطينيي الشتات الذي عبرت عنه المسيرات التي شهدتها بعض مخيمات اللجوء الفلسطيني خارج الوطن يدل دلالة قاطعة على لحمة هذا الشعب بغض النظر عن مكان تواجده في الداخل أو الخارج أو داخل الخط الأخضر ، ويدل دلالة قاطعة أخرى أن الشعب الفلسطيني أينما وجد مهيءُ للسير خلف قياداته، حينما تتولد لديه القناعة أن الأمور تسير بالإتجاه الصحيح، وأن المركب الذي تركبه القياده، لن يغرقها ولن يغرق شعبها في بحر يصعب الخروج منه.
أما الجانب الإسرائيلي فقد أشارت الأنباء الواردة بخصوص الصفقة انها لقيت دعماَ من جهازي الموساد والشاباك الإسرائيليين ، حيث تشير التقارير، أن جهاز الشاباك كان له دور مباشر في إتمامها .فهل لإسرائيل مصلحة في إنمام الصفقة غير الهدف المعلن وهو الإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير "جلعاد شاليط "؟
من الواضح أن الظروف الراهنة ساهمت بشكل مباشر بالضغط على قادة إسرائيل لإتمام الصفقة.فهي بالاضافة للافراج عن الجندي المذكور، تعتبرها محاولة لفك العزلة عنها وتحقيق نجاح دبلوماسي يقابل النجاح الدبلوماسي الذي حققه الجانب الفلسطيني المتمثل في التعاطف الذي كسبه الجانب الفلسطيني في الأمم المتحدة ، وإستغلال هذة الصفقة للظهور أمام العالم بمظهر الدولة الديمقراطية ،وإستغلالها أيضا لكسب رأي الشارع الإسرائيلي بحرصها على تخليص جنودها من الأسر بغض النظر عن العدد وأنها مستعدة لتقديم تنازلات مقابل تخليص جندي واحد .أضف إلى ذلك ان إسرائيل تواجه أزمات داخلية عبرعنها كثير من المحتجين في الأسابيع الماضية، والتي أظهرت أن هناك أزمة إقتصادية، فليست إسرائيل بمعزل عن الأزمات الإقتصادية التي تتعرض لها معظم دول العالم .ولا ننسى أن المتغيرات الدراماتيكية التي تحصل في العالم العربي والتي أطلق عليها الربيع العربي ، والتي تشير إلى عدم الإستقرار وعدم الثبات أسهمت هي الأخرى في اقناع الطرف الإسرائيلى بقبول هذه الصفقة ،والأهم من هذا وذاك هو فشل إسرائيل الذريع في إعتدائها الأخير على قطاع غزة، بتخليص الجندي المذكور من أيدي حماس ،مع إقرارنا المسبق أن العدوان المشار اليه كان له أهداف أخرى أقلها تدمير البنية التحتية للقطاع ولحركة حماس التي تدير القطاع منذ سنوات .
لكن المؤشرات الواردة تقول، ان هذه الصفقة لم تشمل أحدا من قيادات فتح أو حماس الذين كانوا مدرجين على قائمة الأسماء الذين تطالب حماس الإفراج عنهم، والتي التى تم تسليمها للجانب الإسرائيلي. فالصفقة لم تشمل مروان البرغوثي أبرز قيادات فتح في السجون الإسرائيلية، ولم تشمل أحمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية، ولا عبدالله البرغوثي أو ابراهيم حامد وهما من قيادات حماس . وأن هؤلاء تم شطبهم من قبل الجانب الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة مما يؤكد أن إسرائيل ليس لمواقفها ثبات وأنها من الممكن ان تغير وتبدل وتتملص في أي وقت ترى فيه أن الامور لا تتفق ومصلحتها، مما يدفعنا للقول أن صفقة التبادل هذه كان يجب أن تتم على مرحلة واحدة واضحة المعالم وليس على مرحلتين كما تم الإعلان عنه،إذ من /و ما الذي يضمن إسرائيل بتنفيذ المرحلة الثانية، بعد أن يكون هذا الجلعاد قد نقل إلى مصر .
ولا بد من الإشاره أن هناك من الشروط المجحفة بحق الأسرى المفرج عنهم التي وافقت عليها حماس، مثل ترك الخيار للجانب الإسرائيلي لتحديد الأسرى الذين ستشملهم المرحلة الثانية . وإبعاد عدد من المفرج عنهم إلى غزة بعيدين عن ذويهم رغم أنهم بين أهلهم وأبناء شعبهم ،إلا أن كل منا يحب أن يقضي ما تبقى من حياتة في مسقط رأسه. أضف إلى ذلك الشرط القاضي بمراجعة عدد منهم لمديرية التنسيق والإرتباط الموحد كل شهر، وعدم مغادرة البعض للبلاد لمدة عشر سنوات ،وعدم خروج البعض الآخر خارج المنطقة الجغرافية التي تشملها محافظته.إن الشروط المذكورة مجحفة بكل المقاييس وأعتقد أنه كان من الممكن تحسين هذة الشروط مع موقف اكثر صلابة، وبشيء من التأني. لكنا نعتقد في الوقت ذاته أن حماس استعجلت الأمر لسببين: الأول، رغبتها الجامحة في تخليص بعض الاسرى من السجون الأسرائيلية. والثاني ،رغبتها الجامحة كذلك أن تحرز نجاحاً دبلوماسيا مقابل النجاح الذي حققته السلطة الوطنية الفلسطينيةعلى الصعيد الدولي .أضف إلى ذلك ان إسرائيل وللأسف بإمكانها الدخول متى تشاء وحيث تشاء الى الأراضي التي تديها السلطة وإعتقال من تريد .