علي السحيمات.. المهندس المحظوظ مع رؤساء الوزراء في الأردن
المدينة نيوز- الدكتور مهند مبيضين
نشأ في عائلة تهتم بالعلم والسياسة، فأبوه كان من أوائل أبناء الغساسنة الذين تخرجوا من مدرسة الكرك ، ولد علي السحيمات العام 1937 أيام انتقال الأسرة من بلدة العدنانية جنوب الكرك إلى بلدة المأمونية شرقا، وفي الكتاب تعلم القراءة والحساب على يد الأستاذ أديب المعايطة وشيخ آخر من بيت السعودي في الطفيلة، لينهي بعد ذلك الإملاء والحساب على يد الشيخ فرحان بن جلال، حيث انتقل بعدها للسكن في قصبة الكرك بعد وفاة والده.
ويؤكد أنه تربى تربية سياسية، إذ لم ير والده مشكلة في ممارسة العمل السياسي الحزبي، وقد كانت الكرك حينها مدينة تتنافس بها الايدولوجيا القومية والماركسية والإسلامية.
كان انتسابه إلى حزب البعث بتأثير بعض من درسوا في دمشق مثل ابراهيم الحباشنة وخليف السحيمات والأساتذة القوميين في مدرسة الكرك، مثل سالم صقر المعاني وذوقان الهنداوي وحكمت الساكت وعبدالله العناسوة، والأخير هو الذي نظمه، ويقول عنه \"كان أنشطهم فكريا وسياسيا، وكان جريئا لا يجامل وذا شخصية قوية\".
بعد الكتاب التحق بمدرسة الكرك، وكان من زملائه في المدرسة خليل الكركي ومطيع المعايطة وعبدالحميد سعود المجالي ود. احمد العلاوي ود. صليبا بقاعين وطلعت الكواليت وكمال الصناع وساطع القسوس والقاضي عدنان العكشة وسهيل الشرايحة ونبيه الصناع وخلف ونعيم الزريقات.
الدراسة كانت صعبة في أيامه \"تخرجنا من الكرك، وكنا في سنتنا اثني عشر طالبا؛ واحد منهم طفيلي وثلاثة من أبناء الموظفين في الحكومة من خارج الكرك، والبقية من المدينة \".
أقبل الرجل على العمل الحزبي وهو طالب في المدرسة، إلى أن أصبح المسؤول الحزبي في المدرسة التي تجاذبها فكر البعث الذي انتشر بين شباب المسلمين وبعض المسيحيين مثل عائلتي المدانات والبقاعين، في حين انتشرت الشيوعية بين المسيحيين، خصوصا شباب عائلة الهلسة، ويقول \"أوقفنا المد الشيوعي الذي انتشر بين الهلسة، وكان معنا شباب من عائلتي الصناع والمسنات وغيرهما.. يومها قلبنا الخارطة السياسية في الكرك\".
كان من الأوائل، فاختار دراسة الهندسة في الجامعة الأميركية (1955-1960)، ولم يكن أهله راغبين بالهندسة ويفضلون القانون.
في بيروت كون صداقات مع طلبة أردنيين، ومنهم: د. عبد الرحيم ملحس ومحمد جردانة وإبراهيم أبو عياش وعوني المصري وباسل جردانة وعبد الحميد شرف.
وفي بيروت استمر في نشاطه السياسي الفكري، وقد كان مسؤولا عن البعثيين، \" انا وعبد عبدالحميد شرف كنا اصدقاء برغم خلافنا في الاجتهاد الفكري بين حركة القوميين العرب والبعث \".
انهيار دولة الوحدة بين مصر وسورية وانشقاق البعث أصاب الرجل بخيبة كبيرة وصلت إلى حدّ أن فرض على نفسه قطيعة مع السياسة والأخبار، ثم كان العلاج في السفر العام 1964.
وعن تلك الفترة يقول \"شعرت بالانفجار بعد انفكاك الوحدة وانشقاق الحزب، يوم صار الحزب أداة للوصول، وهذا كان سبب تركي وسبب ذهابي إلى السعودية\"، مؤكدا أنه وضع نفسه في عزلة مدة ستة أشهر \"لا اقرأ ولا أسمع أخبارا\"
ويقول \"ذهبت إلى السعودية في تحد\"، كان هناك مشروع متعثر في شركة محمد بن لادن \"حطيت راسي بالشغل فأنهيته\"، وكان ذلك سببا في إطالة الإقامة في السعودية مدة أربعة أعوام، \"بقيت حتى توفي الشيخ محمد بن لادن فاعتذرت وعدت\".
مبادئه الديمقراطية وحسه السياسي جعلاه يبادر مع مجموعة من الشخصيات لاستعادة الحياة السياسية كما كانت في الخمسينيات \"عملنا منذ العام 1977 على فكرة إعادة الحياة السياسية وإلغاء قانون الطوارئ، وحضر نا لقاءات مع جلالة المغفور له الملك حسين الذي اقتنع بأن الناس أصبحوا أكثر وعيا وأن الحياة السياسة المستقرة مهمة\".
ومع ذلك لم ينجز من ذلك الجهد شيء لأسباب يرى أنها مرتبطة ببعض القوى التقليدية التي كانت تخشى من ذلك الانفتاح السياسي، وأنها أثرت في القرار والتوجه.
لكن الرغبة ظلت مستمرة \"نشطنا بعد كامب ديفيد، وكان لا بد من تمتين الجبهة الداخلية، وكان الرأي أن اليسار جزء من المشهد والمعارضة الوطنية مهمة.
كان الهدف إعادة الحياة السياسية بطريقة عقلانية \"اقتنع الملك حسين بذلك، وكان في تلك السنوات على قناعة بالفكرة\".
السبب في عدم نضوج الأحزاب برأيه وفي إجهاض المحاولات الجادة كان لأن \"بعض السياسيين التقليديين لم يعجبهم الأمر\"، كون إنشاء حركة سياسية ينهي وجودهم. ويقول إنهم \"طلبوا مقابلة الملك، وصوروا له أننا معارضون له وللنظام\".
في آذار من العام 1982 التقى شخصيات سياسية للتداول في تأسيس حزب قومي وطني، واقترح له اسم \"الحزب العربي الدستوري\"، وشارك الرجل في وضع نظامه الأساسي، وتم اختياره عضواً في القيادة الأولى التي كانت برئاسة سليمان عرار وعضوية علي السحيمات وسعيد التل وجمال الشاعر وجواد العناني وسعد هايل السرور وممدوح العبادي وهيفاء البشير وغيرهم.
تأخر الانفتاح السياسي بعد 1982 نحو عشرة أعوام حتى جاءت فكرة الميثاق الوطني، وتشكلت لجنته في 9 نيسان 1990، وقد تم إقراره في مؤتمر شعبي بمدينة الحسين في التاسع من حزيران العام 1991.
الميثاق برأيه كان \"تجربة ممتازة، لكنه لم ينفذ للأسف\". وهو يرى أن تجربة الميثاق عرفته بشخصية فذة هو الراحل إبراهيم بكر\".
أما رأيه بجدوى الاستفتاء على الميثاق فيقول عنه \"كان الاستفتاء على الميثاق لنجعله ملزما\".
عمله في مجلس الإعمار بعد عودته من السعودية مكنه من فتح ملفات كبيرة، ومنها مشروع البوتاس \"كان هناك تقارير تقول إنه غير مجد\".
في العام 1974 درس الموضوع، وبدأ دراساته من جديد مع شركة متخصصة، \"ذهبنا إلى الأمير حسن وقد ساند الموقف\". بعدها أخذ حمد الفرحان لإقناع نائب رئيس مجلس الإعمار خليل السالم، \"وبدأ المشروع ونجح، والصعوبات التي واجهها كانت لأسباب إدراية\". كما عمل على تخفيف كلفة إقامة مطار في العقبة.
تدخل السحيمات لأجل إتمام بناء جامعة مؤتة، واتخذ موقفا ضد من كان لديهم تصور بوقفها، وكان يرغب بإقامة المدينة السكنية لشركة البوتاس في منطقة قصبة الكرك لكي \"يتحرك المجتمع ويحدث التداخل\".
كما أنه كان من الذين طالبوا بنقل إدارات البوتاس والفوسفات إلى الجنوب، وكان ضد أن تبنى كلية مجتمع الكرك في غير مكانها اليوم، كما أنه من الرافضين لوجود مكاتب ارتباط للجامعات في العاصمة.
دخل السحيمات الحكومة مرات عدة، وهو يؤكد \"انه كان يعتذر\". في العام 1976 وبطريق الصدفة عاد السحيمات من السعودية، ووصل يوم جمعة إلى عمان، وفي اليوم التالي أخبروه أن وزير الداخلية وقتها الراحل سليمان عرار يريده \"اتصلت به، فأخبرني أن هناك حكومة تتشكل وان اسمي وارد\"، حاول السحيمات الاعتذار، ولكن القرار كان قد اتخذ، ليصبح وزيراً للنقل في حكومة مضر بدران في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1976.
تلك الحكومة أنجزت كثيرا من المشروعات، كمطار الملكة عليا وميناء العقبة وصوامع الحبوب.
ويتذكر أنه بعد أن دخل وزيرا عمل على إنهاء ارتباطات عمله الخاص \"في الأسبوع الثاني صفيت أمور أعمالي الخارجية، وكان لدي مكتب هندسي أوقفت مشاريعه\".
المرحلة الثانية في عمله الوزاري كان مع رفيقه في الجامعة عبد الحميد شرف \"اخبرني باختياري وزيرا معه قبل أسبوعين، ومع أني اعتذرت منه، إلا أني لم أفلت\".
وفي حكومة شرف المشكلة في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1979، شغل حقيبة وزارة النقل ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، وقد اتخذت تلك الحكومة قرارا في إعادة توزيع الخارطة السكانية بما يتناسب ومستقبل البلد.
بعد أقل من عام شغل السحيمات المنصبين معاً في حكومة الدكتور قاسم الريماوي.
بعد خروج منظمة التحرير من لبنان 1982 تشكلت لجنة أردنية لبحث مسار العلاقة الأردنية الفلسطينية، وكان الرجل واحدا من لجنة مصغرة جلست مع القيادات الفلسطينية لتوضيح أفق العلاقة بين الطرفين. ويقول \"قابلت فاروق القدومي وخليل الوزير وياسر عبد ربه وعبدالمحسن أبو ميزر. كانوا لا يتحدثون من وجهة نظر إقليمية بل قومية، لذا عملت فيما بعد على دستور للعلاقة الأردنية الفلسطينية عندي منه نسختان، وكنت اطلعت مضر بدران عليه\".
بعد العام 1986 اتجه إلى العمل الخاص من جديد، وبقي فيه حتى العام 1989، حين جاءت حكومة الشريف زيد بن شاكر \"ناداني وقال لدينا موقع مهم، وهو أمانة عمان\".
في أمانة عمان واجه مشكلة عدم وجود أموال نتيجة صرف ما كان في ميزانياتها في عمليات توسع \"يوم دخلتها كان بها 25 ألف دينار، وصرفت رواتب الموظفين لخمسة أشهر من صندوق امانات المواطنين، إلا أنني يوم تركتها كان فيها 18 مليونا، وكنت أريد تغيير نظام التنظيم ليصدر بقانون حتى لا يلعب به أحد من بعد\".
في حزيران من العام 1991 أخبره طاهر المصري أنه يريده معه في حكومته \"اعتذرت، ثم نادوني مرة ثانية، وفي الثالثة كان جلالة الملك حسين رحمه الله موجودا، وقد حسم الأمر، وقال هذا تكليف وليس تشريفا\".
شغل في الحكومة منصب نائب رئيس الوزراء إضافة إلى منصب وزير النقل والاتصالات. وشغل المنصبين معاً من جديد في حكومة الشريف زيد بن شاكر -الأمير فيما بعد- المشكلة في أواخر العام 1991.
عودته إلى الوزارة مطلع التسعينيات وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء تركت عنده انطباعا سلبيا، فالرجل الذي يرغب بالعمل السياسي خاب أمله لأنه \"وجد أن جيل الشباب كان اقل مما كنا نطمح به، فقارنت يومها بينهم وبين مسؤولين سابقين\".
ويضيف \"قديما كانت الخصومة بشرف، ولا يوجد خلط بين المصالح الخاصة والعامة، فأنا مؤمن أن رجل الأعمال لا يجوز أن يتولى مسؤولية في بلد القانون فيها ضعيف \".
حكومة طاهر المصري كانت تجربة كبيرة. التوجه إلى مؤتمر مدريد كان عنوان الجدل \"برنامجنا كان شرسا، وكنا لا نقبل بمفاوضات، واعتمدنا على أن سورية سترفض خيار السلام وان الفلسطينيين لن يقبلوا..\"
غير أن الأمور تجري بما لا تشتهي السفن \"تفاجأنا ونحن في عشاء بفندق الأردن مع أبو عمار بمن يقول إن سورية أعلنت الموافقة على حضور مدريد\". وأدرك الرفاق الوزراء ان ما لم يتوقعوه حدث.
آنذاك الأردن برأيه لم يكن يملك الخيار، فمضى الأردن نحو السلام، وجاءت لحظة تشكيل الوفد الأردني الفلسطيني المشترك \"طاهر المصري ركز على خيار (الشرق أردني)، وعرض الأمر على د عبدالله النسور وزير الخارجية فاعتذر بسبب وضع الحكومة آنذاك ووقع الخيار على د عبد السلام المجالي وبارك الخيار المرحوم جلالة الملك حسين\".
التوجه إلى السلام أحرج الوزراء الرفاق القوميين، ويقول د. علي محافظة في كتابة (الديمقراطية المقيدة) إن وزير الشؤون البلدية والقروية في حكومة المصري سليم الزعبي \"اتصل محتجا على عرض عبدالله النسور للمبادرة الأميركية للسلام\"، وأن السحيمات وخالد الكركي ومحمد الحموري ومحمد فارس الطراونه تشاوروا حول الاستقالة.
يبين السحيمات أن هناك تحركا آخر \"اتصلنا مع جلالة الملك واتفق الجميع على أن الحكومة غير قادرة على مواجهة الأمر\".
يومها آثرت الحكومة عدم الاصطدام مع مجلس النواب \"قلنا أفضل من يرأس الحكومة احمد اللوزي أو احمد عبيدات أو مضر بدران، واقترحنا وزارة مصغرة، لكن اعتذر الجميع، ووقع الخيار على أبو شاكر\".
في العملية السياسية الوطنية يؤكد أنه \"لم يحدث أي خلل من جهة الملك حسين رحمه الله\"، لكن دائما كان هناك على الأردن مسؤوليات كبيرة لا تقاس بمسؤوليات بعض الدول الاخرى البعيدة.
السحيمات يبدو محظوظا مع رؤساء الوزارء الذين عمل معهم، فبدران برأيه \"من أفضل رؤساء الوزراء، أنجز غالبية مشاريع البلد التنموية\". وأنه \"كان جيدا وصلبا في المواقف الوطنية\".
أما عبدالحميد شرف \"فلو بقي لغير على المستوى التنموي والسياسي، فقد كان صاحب فكر نير\"، والأمير زيد بن شاكر كان \"قلبه طيبا لدرجة غير معقولة، وكان وطنيا وغيورا على البلد\". وطاهر المصري كان \"ديمقراطيا\".
يشغل السحيمات اليوم رئاسة مجلس أمناء جامعة البتراء، ابنه الكبير معن درس في الولايات المتحدة تخصص إدارة الأعمال، ويزن درس بالجامعة الأردنية، وكذلك رنا التي تخصصت في التجارة، والصغرى لما درست الترجمة في جامعة البتراء وتخصصت من بعد في إدارة المدارس الخاصة. أما الزوجة فهي مهتاب صالح زكي من أصول نابلسية، وكان والدها قد عمل مع الملك المؤسس ثم مع الملك طلال.