في حيٍنا دكتاتور
إذا كان التخلص من دكتاتور واحد في عالمنا العربي يحتاج إلى كل هذا الوقت والجهد ، وإلى كل هذه التضحيات البشرية والمادية، وإلى كل هذا التجييش الشعبي وهذه الحشود الوطنية والقومية والمستأْجرة من الطائرات والدبابات والعسكر . فما بالك إذا عقدت أمتنا العربية العزم على التخلص من هذا العدد الهائل من الدكتاتوريين الذين يعيشون في كل مدينة وقرية وبادية ، وفي كل أحيائنا وأزقتنا البائسة المقهورة .
لماذ كتب على أمتنا العربية حتى تنجز هذه المهمة ، أن توقف كل مشاريعها الإقتصادية والإجتماعية والتنموية، وعلى كل الصعد، وفي مختلف المجالات ، وتوظيف كل مواردها البشرية، وكل طاقاتها وإمكاناتها المادية والمعنوية، وكل أرصدتها في البنوك المحلية والأجنبية لهذا الغرض . وأن تقوم بعد ذلك بالإستعانة بخبراء السياسة وعلم الإقتصاد وعلم الإجتماع وكل العلوم ذات العلاقة، وتوظيف كل هذه العلوم لرسم خططها المستقبلية على مدار الخمسة سنوات القادمة على الأقل لتصب في هذا الهدف، تحت عنوان "التخلص من الدكتاتورية ".
إذا كان الأمر سيستمر كذلك ،وبناءً على ما ذكر نقترح على اتحاد المحامين العرب ،أن يقوم بصياغة عقد طويل الأمد مع حلف النيتو، وأي حلف أو أحلاف أخرى يراها ذات جدوى، وتقديم مسودة هذا العقد للشعوب ، لإبرام صفقات يتم بموجبها توظيف كل أنواع الطائرات، سواء كانت بطيار أو بدون طيار، وكل أنواع الدبابات والمدافع مع إستئجار أكبر عدد ممكن من الجنود ، وإستدراجهم بعقود مغرية ، للتواجد في كل حي من أحياء مدننا وقرانا وبوادينا. وأن يقوم اتحاد الأطباء العرب بصياغة عقد محكم مع أمهر أطباء الجراحة في العالم ،علهم يستطيعون المساعدة في سلخ جلد الدكتاتوريين عن كراسيهم دون أن تتأذى الكراسي .
الدكتاتورية في وطننا العربي المنتفض هي نهج حياة ، والدكتاتوريون يملأون حاراتنا وأزقتنا، ويعاني منهم العامل والفلاح والتاجر والموظف والطالب والطفل والمرأة والشيوخ والشباب . الدكتاتورية تعيش في أحيائنا ، تسبقنا إلى لقمة العيش فتلتهمها قبل وصولها إلى أفواهنا ، وتسرق منا الدفء الذي نتوق إليه في فصل الشتاء.
الدكتاتوريه تكمم أفواهنا وتصفعنا كل صباح ،وتستخف بعقولنا ، وتسفه تفكيرنا ، الدكتاتورية تنهب ثرواتنا، وتستغل قدراتنا، فتوظفها لمصلحتها وتجعل منا عبيدا ما علينا إلا الطاعة .
. من منا لم يعاني من الآراء التسلطية التي نفذت عليه بغير إرادته، ولم يكن له حول ولا قوة على الأقل في رفضها أو حتى مناقشتها .اليس ذاك الذي يصول ويجول في الحي على إعتباره إنه الأدرى بأمور الناس ومصالحهم ، ما ظهر منها وما بطن، دون علم أو معرفة وإنما لولاية ورثت له من أبيه أو من جده أو نتيجة لمنصب أكتسبه نتيجة للنفاق والرياء، وليس على أساس الكفاءة ، اليس ذاك دكتاتورا ؟ أليس المدير الذي يرتجف موظفوه عند مجرد سماعهم لصوته في الممر، خوفاً من غضبه ،أو طمعاً في رضاه دكتاتورا ؟اليس المعلم الذي يلوح لطلابه بعصاه الغليظه دون أن يترك فسحة للحوار في مؤسساتنا التعليمية، بل لمجرد الرغبة في فرض السلطة دكتاتورا ؟ اليس الرجل الذي يمارس السلطة المطلقة في بيته، ويفرض رأيه سواء كان مصيبا أو مخطئا دكتاتورا ؟ ألا يتم استغلال بعض أطفالنا لأغراض رخيصة بعيدة عن الأنسانية من قبل الدكتاتور المجهول ؟ أليس من يفرض على الفلاح وعلى المواطن الضعيف الأسعار حسب مزاجه وحسب مصالحه الخاصة دكتاتورا؟ أليس الشرطي الذي يخالف من يشاء ويدع من المخالفين من يشاء دون اعتبار للقانون _ بل لاعتبارات القربى والمعارف والمصلحة _ دكتاتورا؟ أليس الموظف الذي يعمل القانون حين يشاء ويجمده حين يشاء ويطبقه على من يشاء، ويترك من يشاء ،أليس هذا الموظف دكتاتورا ؟.
بحدود معرفتنا أن الدكتاتوريه كنظام حكم مشتقة من الكلمة الانجليزية (Dictation ) ، والتي تعني الإملاء ،وهي من ناحية أخرى أشبه ما تكون بزواج المتعة في الإسلام، الذي أحل لمرة واحدة كان فيها حلا لحالة طارئة، إذ كان حينئذ السماح به درءأ لمفسدة لا جلباً لمغنمة . فقد أوجد اليونانيون هذا النظام من الحكم حتى يمسك الحاكم بكل الخيوط بيدية، ويسيطرعلى كل مناحي الحياة ،السياسية والإقتصادية والعسكرية وغيرها ، في حالات الطواريء والأزمات فقط، فيتمكن من تجاوز المرحلة ، والوصول بشعبه إلى بر الأمان ، وتخليص البلاد من الأزمة التي تعصف بها، على أن يكون معيار السلوك في هذه الحالة هو مصلحة الشعب والوطن، وليس مصلحته الشخصية التي تسحق تحت قدميها كل المصالح . وأن لا يأخذ هذه الصلاحيات إلا بموافقة البرلمان ،لإعطاء الحاكم صلاحية اتخاذ القرار في أوقات يتعذر فيها اللجوء للطرق الديمقراطية المعروفة
لاستصدار القرارات .ولم يكن اليونانيون يدرون أن ثلث سكان العالم بمن فيهم عالمنا العربي ، سيعاني ولفترات زمنية طويلة من هذا النوع من الحكم .
كل هذا سببه المباشر والبسيط هو صمت الامة كل هذه الفترة الزمنية الطويلة، وسكوتها عن أولئك الذين ما أرادوا يوما بها خيرا ، وقبولها بما كان يرسم لها في الداخل والخارج لإضعاف قوتها وسلب إرادتها وتقزيمها بين الأمم لتبقى امة تابعة، لا حول لها ولا قوه. فقد أستغل الحكام حالات الطواريء ،وطبقوا نظام الحكم الشمولي، وتعاملوا مع الشعوب بوحشية وعنجهية، وتحكموا برقاب العباد، واستغلوا ثروات البلاد والعباد لمصالحهم الخاصه، دون الإلتفات إلى الدساتير، ودون الإشارة الى فترة زمنية محددة تنتهي فيها هذه الحالة، سكوت أمتنا هذه الفترة الطويلة عن الحالة الدكتاتورية التي تعاني منها الآن أدى إلى ترسيخ النهج الدكتاتوري في الحكم حتى صار التخلص منه يحتاج إلى كل هذا الجهد ويحتاج إلى دفع كل هذه الفواتير.
ما نحتاجه في الحقيقة ، هو ثورة عربية فكرية تنتهج النهج الديمقراطي وتطبقة في كل مناحي الحياة ، وعلى شتى المستويات . ثورة ثقافية واجتماعية، توظف كل الإمكانات لترسيخ النهج الديمقراطي الحقيقي ، الذي يعتمد منهج الممارسة والبدء بالتطبيق من الذات وعلى الذات.ثورة احلالية استبدالية يخطط لها وينفذها من آمنوا بها كنمط من أنماط الحكم يمكن الركون إليه ، لتصبح الديمقراطية طيعة طرية، يمكن توظيفها للوصول إلى كل ما هو أفضل ،وإلى كل من هو أفضل .لا أن تبقى حلما صعب المنال.