رأس المال يشوه وجه الحراك
![رأس المال يشوه وجه الحراك رأس المال يشوه وجه الحراك](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/117605.jpg)
قامت الحراكات الشعبية على مبادئ أهمها ردم الفجوة الطبقية ما بين فئات الشعب من خلال مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، حيث أن تغول رأس المال في الحياة الاقتصادية في الأردن خلق فروقات طبقية دعت للسخط.
وفي خضم هذه الانطلاقة التي إن تم أخذها على منحى ميتافيزيقي فإنها تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وتهدف للسير بإجراءات تكفل المحاسبة وتغلق النوافذ أمام الفاسدين، الغريب أن بوادر تحرك لرأس المال بدأت بمحاولة ركوب موجات الإصلاح لغايات غير معلومة في الحقيقة، والعجيب أيضا، تقبل الحراك لمثل هذا الاختراق الغير مبرر.
عندما نسير في عمان الغربية نصب جام غضبنا على الحكومات التي خلقت هذا التمايز في الحياة المعيشية وكذلك عندما خرجنا للشارع كان من بين الأهداف أن نقول للطبقتين الارستقراطية والبرجوازية أننا نريد أن نعرف كيف جمعتم ثرواتكم..والأصل أن لا نقبل وصول أيدي من هذه الطبقات الممثلة برجال الأعمال وكبار التجار والصناعيين، لبنيان الحراكات.
يقول أحدهم أن من حق أي كان أن يشارك في المطالبة بالإصلاح والإسراع في تنفيذه وترجمته على أرض الواقع، نعم صحيح ولكن أن يكون هذا المشارك صاحب قضية وطنية تهم الرأي العام وتصب في الصالح العام، إذا ما هي قضية أحدهم بعد أن بات مليونيرا وصاحب أموال لا تأكلها النيران وشركات لا تعد ولا تحصى في أن يتغلغل في جنبات حراك ما بصفة المهتم والمتابع والمعجب والمؤيد، إلا إن كان في جعبته أجندة خاصة لأنه في الأصل عاش حياة غير التي عاشها أبناء الحراك وتذوق نوعا من المعيشة لم ولن يتذوقها الحراكيون.
إن كان لدى رأس المال ما يقوله فليقله في الحياة الواقعية، فرأس المال قدير على أن يغير حياة كثير من البؤساء ويمنحهم الأمل ويقدم لهم المشاريع والتبرعات، ويبسط الطريق لهم ويعتني من خلال مؤسسات اجتماعية يديرها بشؤون هؤلاء الناس، لا أن يقفز من فوق كل هذه الاعتبارات ويهملها ويسقطها ويصل مباشرة إلى رأس النبع ليقول دعوني أشارك في سبيل الإصلاح، أو دعوني أتزعم حراكا، مع أنه قد يكون ولد من رحم الفشل الاجتماعي والسياسي والبعد كل البعد عن معادلات الإصلاح واللفتات الإنسانية.
معلوم لدى معظمنا أن الإنسان متى ما صار ثريا فإنه يرنو إلى السلطة، ليكتمل لديه تحقيق الذات، ويشبع رغباته الجامحة في الحكم والتحكم في الناس، قد يكون حقا على أي حراك استقبال مثل هؤلاء الناس ولكن بعد مرورهم في منطقة العمل الاجتماعي والخيري والإنساني.
الممثلة الأميركية إنجيلينا جولي وبعد أن تنتهي من تصوير مشاهد أي من أفلامها تقوم فورا بزيارة مخيمات في القارة الأفريقية وترصد ثلث ما تحصل عليه من أموال في سبيل تحسين معيشة هؤلاء اللاجئين، هذه المرأة مثلا ربما تكون مؤهلة أكثر من غيرها من الرأسماليين الأردنيين لمشاركة الحراكات في الأردن أهدافها ومبادئها وأسلوب تعاطيها مع المستجدات.
على الضفة الأخرى ربما يعد وجود هذا النوع من الناس في جنبات حراك ما تشويها لصورة عمل هذا الحراك إذ لا يستقيم عند مراقب أو حتى إنسان عاقل ومتابع للشأن الأردني، وجود متناقضات في مكان ووقت وفكر واحد، إذ قد تقل القناعة بجدوى وجود هذا الحراك أصلا.
السؤال المطروح هو هل سيسمح الحراك الأردني بأن يكون جسرا حيويا للطامحين الأثرياء سواء الرأسماليون منهم أو حتى من لديهم عقدة المنصب أو المصابون بوسواس جلد الذات، أو من ثقلت موازين الفساد خاصتهم، أو من لحست الأموال أدمغتهم فباتوا يرون الناس من نافذة المصلحة فقط.
دعونا نرقب حراكا إصلاحيا نقيا غير مشوب برأس المال ولا منحازا لمصلحة جهة بعينها، بل صافيا من قاعدة المبدأ ولغاية سقف الشعارات، ومسئولا مسؤولية تاريخية حيال مخرجاته وآلية طرحه.