نحن والفرح .....
كثير من الأحداث اليومية نمر بها مرور الكرام وهي تشكل في محتواها ترجمة غير مقصودة لأنماط إجتماعية تغزو أفكارنا وتترك أثرها في سلوكاتنا وتصرفاتنا والكيفية التي ننظر بها للأمور والطريقة التي نعبر بها عن ردود أفعالنا .
أتحدث هاهنا عن علاقتنا مع الفرح والسعادة وكيفية تعاطينا مع المشاعر الإنسانية الإيجابية التي نمر بها خلال حياتنا اليومية ومنها ما هو تقليدي ومنها ما هو نقلة نوعية إيجابية في مصير حياتنا ولا بد من التنويه بأن المقصود ب ( نحن ) التي تظهر في العنوان تمثل ( ربما ) نسبة ليست قليلة من الناس هم بطبيعة الحال أفراد من المجتمع وليس بالضرورة طبعاً أن تكون عامة شاملة للجميع .
من الطبيعي جداً أن تسمع من يقول أن الشعب الأردني لا يجيد التعامل مع الفرح ولا يتقن الإستمتاع باللحظة الجميلة وبنظرة سريعة لبعض المصطلحات المتداولة بين أفراده فإنك ستجد هذا الأمر واضحاً جلياً , مثلاً فإن سهرة أو لمة جميلة مليئة بالإبتسامة ستجد معظم من فيها قائلين خلال الضحك ( الله يكفينا شر هالضحكة ) أو يوضحونها بالمثل القائل ( كل شيء في الحياة له ثمن , حتى الإبتسامة ثمنها الدموع ) نحن من ننظر إلى المتكلم بترقب وحماس منقطع النظير بحثاً عن زلة لسان , نحن من ندرس تعابير وجه المتكلم لنسرح في خيالنا بحثاً عن ما جال في خاطره ونتربص متأهبين للرد على ما قال دون أن يقول , نحن من لا نتكلم ولا ننتقد إلا لأننا نملك قلوباً طيبة ترفرف حناناً ورغبة في الأفضل لمن نمضي ساعات في بحث شؤونهم .
هل تعلمون من نحن ؟ نحن من لا نخطىء والبقية يخطئون وكلمة نحن في هذه الحالة تفيد التعظيم ويستخدمها كل منا في تحليل شخصيته الفريدة التي تسكب عصارة زمن بأكمله لتبرير موقف معين ظهرنا فيه مخطئين , نحن من نجلس معاً فقط لشرح ظروفنا السيئة ومعيشتنا الصعبة وإذا دعوتنا للصبر فإجابتنا جاهزة ( ما بعد الصبر , غير المجرفة والقبر ) , هل يذكر أحدكم ( إلا من رحم ربي ) بأن شخصاً ما قد جلس معه وقام بوصف سعادته بشيء ما أو فرحته بحدث مفصلي إلا إذا كان الحديث سيحمل في طياته مديح شخصي لا محدود للمتكلم بحق نفسه وكم هو جميل أن نتشارك الفرحة والأحداث الجميلة .
نحن من نفتح باب المقارنة وفقاً لأهوائنا فإن كان الموضوع خاصا بالدين فنقارن أنفسنا بمن هم أقل منا دينا ولو ناقشت أحدهم بفعل منافٍ للأخلاق قام به لأجابك قائلاً ( أنا شو مسوي يا رجل) ناسيا ًأو متناسياً بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى وكما يقولون شعبياً ولو قام بمقارنة نفسه من هم أتقى منه لعلم كم هو مقصر في حق الله سبحانه وتعالى وفي حق نفسه , وأما إذا تمت المقارنة في موضوع المال والحالة الإجتماعية وغيرها من الأمور الدنيوية لوجدته فوراً يقارن نفسه بمن كتب الله لهم الرزق الوفير رافضاً المقارنة بمن لا يكاد يجد قوت يومه ولو فعل لعلم كم أنه بخير ونعمة وفضل من الله عزوجل .
تتوارى الأحلام خجلاً أمام ضعف طموحنا , تنحني الفرحة إحتراماً خلف تخوفنا , تتلاشى جميع معاني السعادة تبعاً لعقولنا وأنماط تفكيرنا وكم أتمنى أن لا أكون قد بالغت في الوصف , حيث أنني أعلم جيداً أن لكل شخص ظروفه ومعطيات حياته التي تتحكم ربما بكل تصرفاته إيجابية كانت أو سلبية وكل ما قصدته هو الكيفية التي بإمكاننا أن نتعاطى بها مع المؤثرات ومرونتنا في إستيعابها وكم هي قابلة للتغيير حسب رؤيتنا لها وحسب قابليتها للتغيير بحد ذاته .
عندما تحدث مشكلة عائلية فأنت ستستمع إلى أحد خيارين لتبريرها فإما ( أن القصة مو قصة رمانة , القصة قلوب مليانة ) وإما ( الدم على بعضه ثقيل ) , كان الله في عون الدم كم تحمل من أعبائنا وأحداثنا وأساليب تعاملنا , وفيما قد كتبت لا بد لي من التذكير بأنني أنصح نفسي وأعظها من خلال هذا التحليل البسيط لبعض ما يجول في خاطري مما أراه بناظري شاكراً لكم وصولكم إلى السطر الأخير .