الإخوان اليساريون !!!
في الأردن ثمة ظاهرة فريدة بعض الشيء ، وهي أن الإتجاه الفكري أو الحزبي يبدأ مثاليا أيدولوجيا ، ثم براغماتيا سياسيا ، وينتهي ميكافيليا مصلحيا بالدرحة الأولى !!!
وفي الأردن فقط يبدأ اليمين معارضا ثوريا بروح يساريه قبل ان يتحول الى يمين منبطح ، وينتهي اليسار يمينيا محافظا بعد أن يتحول من اليسار المحنط.
يصلب المجتمع على ثالوث غير مقدس : اليمين المنبطح ، اليسار المحنط ، والنظام المتخبط ( بين المصلحة الفردية والضغوط الدولية ) ، ويصبح الأردني حائرا بين مواقف شديدة التناقض لبطاركة هذه التيارات تصيبه ( بلفحة ) فكرية حين ينتقل فجأة بين الحار والبارد لفكر اي منهم حسب ماتقتضيه الظروف الجوية لمصالحهم!
واللافت في الأمر أن رموز اليسار الاردني يتبعون سنن من قبلهم ...حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه !!! ومن قبلهم هم :الاخوان المسلمون ، وهم قبلهم ليس في التاريخ ولكن في تغيير طريقة تعاطيهم مع الشارع والتي تكشفت بصورة جذرية في اواخر التسعينيات ، حيث أغرق الاخوان في التناقض مابين سلوكهم السياسي وما بين طروحاتهم الايدولوجية، الى حد أسقط اسهمهم بدرجة كبيرة في المجتمع الاردني!
كان اليسار الاردني مشغولا بمحاربة التوطين _ وإن شاب ذلك طروحات اقصائية _ غير أنه الان مشغول بتوطين( التأسيد )، فاليسار اليوم يحثنا على معروف ( الدنيا ) وينهانا عن منكر ( الجزيرة والعربية والبي بي سي ) ، اما الوعد الكوزموبوليتي ضد الشعب الاردني فقد تكشف فجأة عن مؤامرة كونية للنظام السوري !!! وحين تستنكر حتى الحكومة حوار المخالب في المفرق ، يبرره اليسار الثوري بأنه ضرورة وطنية لابعاد حرائق دمشق عن ابوابنا ، ويرى في تكسير مقر حزب سياسي عطاء عروبيا لابعاد جند الشام وفتح الاسلام !!! ويرى في بني حسن مناضلين ضد تجنيد العمالة الوافدة ابطالا لكليبات الثورة !! ارحمنا يا شيخ ....
لا ينكر احد أن اليسار الاردني كان من أوائل من نبه الى خطورة بيع مقدرات الوطن ، ومن أوائل من حذروا من ادارة اقتصاد الدولة بطريقة ادارة المراهقين لتركتهم من المزارع ، ولكن إن كان ثمة خطر يواجه الأردني من ( الكمبرادور ) ، فهناك كارثة ستواجهه من
( التجهيل دور) ، وإن كنا نأنف من النيوليبراليه ، فسنشمئز ايضا من النيو استغفالية !!!
ذات وطن كتبت مقطوعة من ألم على جدران اليسار ابكت قلوبنا ، ذات وطن قال يساري لنا :إنه بَلَدٌ هذا الذي نخسره، لا لعبة شطرنج….. نحن فعلا لا نريد ان نخسره حتى وإن كان اللاعبين هما اليسار واليمين ! وقيل لنا بكل لوعة ، وآمنا بكل اخلاص بما قيل : ((شكراً! لا نريد العنز الشامية، ولا نظرةَ الحنان، ولا لمسة التعاطف من النساء البورجوازيات اللواتي يعملن “الخير”، لأن أزواجهنَّ يعملون الشر! )) ، مازلنا لا نريد العنز الشامية .. ولا نريد أن نصبح عنزا شامية ايضا !!! نريد ان يشهد التاريخ والقلم بأن اليسار لم يقف ولم ينم بين (لا ) متذبذبه وبين مصلحته في ال(نعم ) ،وإن كنا لا نريد ( شاكر العبسي ) في الاردن فحتما لا نريد ايضا ( وليد جنبلاط ) اردني يقفز عن عوائق المباديء ليعتلي هضبات المصالح .
حين يكف اليساري عن الفعل الفكري الثوري ، ويتجه لتدجين الشعب بسفسطائية التبريرات ، يكون ثمة سقوط، وحين يكف اليساري عن تراتيل ابك يا بلدي الحبيب ، ليتغنى بمصلحة اثيرة او بمشروع مصلحة ، فثمة خسارة ، وحين يقول اليساري في طاهر المصري مالم يقله مالك في الخمر ، وحين يدبج مدائحا صوفية للذهبي، بل حين حين يشبب بلوعة بنايف القاضي ، يكون ثمة يمين في مصلحة اليسار.
ايها ( الاخوان اليساريون ) : في فسيولوجيا المجتمعات يميل القلب تجاه اليسار قليلا ... لكن ان اصبح اليسار يمينا ، فلن يعدو كونه أكثر من زائدة دودية !!!