اهداءات الكتب عتباتٌ لكسب القارىء ورد الجميل لرموز لها تأثيرها
المدينة نيوز - ما زالت مؤلفات المكتبة العربية تراهن على وجود ذلك القارىء الذي يبحث بين طياتها عن صنوف جديدة للمعرفة ، على اختلاف وتنوع الاشكال والاجناس الادبية .
ويعمد المؤلفون عادة الى كسب القارىء من خلال نصوص الكتاب ، ويحرصون في الوقت ذاته على رد الجميل من خلال كتابة عبارة تسترعي الانتباه في مقدمة مؤلفاتهم تتضمن اهداء الكتاب الى اشخاص او رموز لها تأثير في حياتهم.
الاستاذ المشارك في جامعة البترا الدكتور خالد الجبر يرى ان الاهداء الذي يكون في مقدمة الكتاب له علاقة بالبيئة الاجتماعية للكاتب وعيا منه بفضل بعض الاشخاص عليه ومدى تأثيرهم في حياته، مشيرا الى ان لجوء بعض الكتاب في الكتاب الاول والثاني الى هذا النوع من الاهداءات الشكلية له ما يتصل بالجانب الديني الذي يحض على تقدير الوالدين واحترام الزوجة، وهذا موجود في جذورنا التاريخية .
ويضيف: فيما بعد تصبح رؤية الكاتب اعمق وانضج ، وقد تنعكس في اهداءاته ليتوجه بالاهداء الى فكرة او شخص او رمز من الرموز التي لها اتصال بروحه وبالفكرة الرمزية التي يحملها، والاهداء ليس دائما وليس في مقدمة كل كتاب يجب ان يكون .
ويشير الجبر الى ان الكتاب ككل يمثل نصا واحدا ، والاهداء يمثل نصا الى جانب متن الكتاب، وفي هذه الحالة يكون الاهداء بمثابة عتبات للنص ومدخل اليه ينسجم مع النص في الداخل.
وعن اهداءاته يقول: توزعت اهداءاتي في البداية في رسالة الماجستير لوالدي وزوجتي , اما رسالة الدكتوراة فكانت للمتصوف محي الدين ابن عربي الذي أعتبره من الذين سبقوا عصرهم وتقدموه بكثير ، كما اهديت الى الاستاذين محمود السمرة وناصر الدين الاسد والى احد الاصدقاء ومن ثم اهديت الى نفسي .
وعبر تجربة وصلت الى اربعين عاما في النشر ومخالطة الكتاب والادباء بجميع امزجتهم يبين المدير العام للمؤسسة العربية للدراسات والنشر ماهر كيالي ان الاهداء بالدرجة الاولى يخص المؤلف وصاحب الكتاب ومدى العلاقة التي ترتبط بالمهدى اليه سواء اكان ذلك للوالدين او الزوجة والاولاد او حتى الاشخاص الذين اسهموا وأثّروا في حياة الكاتب.
ويشير الى " ان هناك اهداءات صريحة وغامضة ولأناس غير موجودين على ارض الواقع، وهناك من يهدي الى الوطن او شخصية عامة لعبت دورا في تقدم البشرية، مضيفا ان صدور كتاب بدون اهداء امر نادر الحدوث، الا انه صادف مؤلفات لا يتقدمها اي اهداء.
ويقول كيالي: ان الروائي الاردني الراحل مؤنس الرزاز في رواية (اعترافات كاتم صوت) كتب في الاهداء : الى " قسمت التي رممتني " والذين يعرفون مؤنس حق المعرفة يعرفون ان هذا الاهداء موجه الى زوجته التي وقفت بجانبه حتى تجاوز فترات صعبة في حياته.
وعن علاقة الاهداء بالناحية التسويقية للكتاب يوضح كيالي ان الاهداء ليس له دور في ذلك ،خاصة انه يوضع في الصفحات الداخلية، مضيفا ان المؤسسة لديها تقليد في نشر الاهداءات منذ اربعين عاما بحيث يكون مكان الاهداء في الصفحة الخامسة من الكتاب.
مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة الروائي هزاع البراري يقول ان الاهداء هو امر ذاتي بحت ومساحة خاصة للكاتب وبوابة تدل على طريقة تفكيره، وغير محكوم بضوابط فنية او منهجية.
والاهداءات وفقا للبراري تتمثل بثلاثة انواع هي : الاول - الاهداءات التقريرية التي تتصف بالانشائية وتوجه للاشخاص الذين لهم مكانة او اسهموا في تقديم خدمة او خدمات للكاتب , والثاني - الاهداءات المفتاحية أي انها مفتاح تمهد للمتلقي للتعامل مع النص وهي من انجح الاهداءات.
اما الثالث فهو ذاتي مصدره الكاتب , وهذا قد يكون فيه مأخذ بانه نوع من النرجسية ويكون اكثر قبولا في الاعمال الابداعية من غيرها من الكتب والمؤلفات في حال تمت صياغته بشكل ابداعي غير مباشر او خادش.
ويبين البراري انه من خلال عمله في الشأن الثقافي شاهد الكثير من الاهداءات التي يكون بعضها مزعجا للقارىء، لان الاهداء يكون لشخصيات غير عامة , وهذا امر يخص الكاتب وحده ولا يخص القارىء وبامكان الكاتب تقديم نسخة باهداء شخصي لهذا الشخص او ذاك دون ان تكون مكتوبة على جميع النسخ الصادرة وهي في غالبها مكرورة كأن يقول الى والدتي او معلمي او استاذي.
ومن أجمل الاهداءات التي تجول في ذاكرة البراري وفقا لقوله : اهداء " أبي اليك والى دوربٍ مشيناها حتى اذا ما التقينا كان الفراق". وعلى الصعيد الشخصي يقول انه يبتعد عن الاهداءات التقريرية والذاتية , ويكون الاهداء عنده فكرة مفتاحية تستطيع ان تقول انها جزء من النص ولا تقرأ بمعزل عنه، وبالتالي فان الاهداء له اهمية خاصة ولا يوجه لاي شخص او الى أي حالة بعينها، مثل اهداء وضعه في مقدمة مجموعة نصوص مسرحية حملت عنوان العصاة " كلما اتكأت من تعبٍ حملت مفاتيحها الجدران ".
ومن الاهداءات الاخرى التي تلفت انتباه القارىء اهداء الروائي غابرييل غارسيا ماركيز لروايته " الحب في أزمنة الكوليرا " قائلاً (الى زوجتي مرسيدس. طبعاً ) .
وهناك اهداء كتاب ( ذكريات سمين سابق ) للإعلامي تركي الدخيل الذي يتحدث عن تجربته في التخلص من السمنة فيقول: إلى الميزان، بأنواعه الإلكتروني منه، وذي المؤشر الأحمر! أيها الصامد أمام أوزان البشر، يامن تتحمل البدين منهم والنحيف، يامن تصبر على ثقل دمهم قبل ثقل أجسادهم، إلى الذي طالما أبكاني وأفرحني، يامن أحسن رسم البسمة على محياي، يامن انتزع مني تكشيرة، أو غرسها في وجهي، إليه وقد أصبح جزءا لا يتجزأ من يومي،ويوم الملايين من البشر، شكراً لك على تحملي يوم كان ينوء بحملي العصبة أولى القوة، ذكرى وفاء وامتنان وتقدير.
اما الروائية غادة السمان في رواية كوابيس بيروت فكتبت تقول : اهدي هذه الرواية،الى عمال المطبعة، الذين يصفون في هذه اللحظة حروفها رغم زوبعة الصواريخ والقنابل، وهم يعرفون ان الكتاب لن يحمل اسماءهم. اليهم، هم الكادحون المجهولون دونما ضوضاء كسواهم من الأبطال الحقيقيين الذين يعيشون ويموتون بصمت، ويصنعون تاريخنا، إليهم، هم الذين يكتبون الكتب كلها دون أن تحمل تواقيعهم، إلى أصابعهم الشموع التي أوقدوها من اجل ان يطلع الفجر، أهدي هذه السطور.
يقول مدير عام المكتبة الوطنية بالوكالة محمد يونس العبادي : عندما يأتي الكتاب للمكتبة على شكل مخطوط لا يكون الاهداء مثبتا عليه، مشيرا الى عدم تدخل المكتبة مهما كانت طبيعة النص او المخطوط .
ويضيف ان المكتبة تعمل على فهرسة هذا المخطوط ومنحه رقم ايداع يثبت بعد الطباعة خلف صفحة الغلاف الداخلي ويتم تزويد المكتبة بثلاث نسخ منه .
وبحسب العبادي فان المكتبة الوطنية لا تمارس اي نوع من انواع الرقابة , لكن هناك بعض الموضوعات المحددة حيث يتم استشارة المؤسسات المختصة في نطاق ضيق مثل المركز الجغرافي الملكي في موضوع الخرائط لانها قد تتعلق في قضايا حدود، ومناهج التربية والتعليم حفاظا على حقوق الوزارة، واذا رفضت المكتبة اعطاء رقم ايداع لكاتب او اي مخطوطة فيحق للكاتب او المؤلف نشر هذا الكتاب دون رقم الايداع وعلى المتضرر من النشر اللجوء الى القضاء.
--( بترا )