ضغوط لإجهاض زيارة مشعل الأردن واتفاق مبدئي على شكل العلاقة بين عمان و «حماس»
المدينة نيوز - الحرص على التقارب بين الأردن وحركة «حماس»، قضية تثار منذ أشهر في تصريحات وتعليقات صدرت عن شخصيات رفيعة المستوى في مطبخ القرار الأردني، وعن قيادات في الحركة الفلسطينية التي طُرِد قادتها من المملكة عام 1999.
ويبدو أن النيات وحدها لا تكفي لتكلّل مساعي الانفتاح بين الطرفين بفتح صفحة جديدة بعد قطيعة دامت أكثر من عقد. إذ اصطدمت محاولات التقارب وفق مصادر مقربة من الديوان الملكي الأردني، بضغوط أميركية وإسرائيلية، وأعاق تحفّظ الولايات المتحدة وإسرائيل زيارة كان مرتقباً أن يقوم بها خالد مشعل إلى عمان، على رغم تأكيدات الأردن الرسمية أنها باقية، وأن تأجيلها ناتج عن أسباب فنية فقط.
هذه الضغوط دفعت الأردن، إلى إيصال رسالة غير معلنة إلى الدوحة، صاحبة الوساطة، بين عمان و «حماس» وكذلك إلى الحركة تطلب تأجيل الزيارة إلى ما بعد زيارة الملك عبدالله الثاني واشنطن، والتي التقى خلالها الرئيس باراك أوباما وعدداً من المسؤولين في البيت الأبيض.
وتلك كانت المرة الأولى التي تطلب فيها المملكة تأجيل زيارة مشعل، بعد اعتذار متكرر من جانب القطريين زاد على 4 مرات، لأسباب «لوجيستية» وفق تصريحات المسؤولين الأردنيين. وكشفت المصادر لـ«الحياة» اتصالات أجراها السفير الأميركي في عمان ستيورت جونز برئيس الوزراء عون الخصاونة - الذي لا يخفي حماسة للانفتاح على الحركة الإسلامية - أكدت تحفظ واشنطن عن إقامة علاقات بين عمّان و«حماس»، معتبراً أن قيادة الحركة «تشكل عامل عداء للتسوية الديبلوماسية».
ويرى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد أبو رمان، أن مطبخ القرار الأردني «يعلم أين يبدأ وأين ينتهي في علاقته مع حماس، بما لا يؤثر في علاقته التاريخية والاستراتيجية مع الأميركيين والإسرائيليين».
سياسي بارز مقرب من العاهل الأردني قال لـ«الحيـاة» إن «الضــغوط التي تمارس على الأردن لإبقاء القطيعة مع حماس، رخوة وغير مؤثرة». وأكد أن الأردن يصر هذه المرة على استقبال الحركة مهما كانت النتائج.
ويرى الناطق باسم «حماس» في غزة سامي أبو زهري، أن هنالك «توافقاً بين الأردن والحركة على إنجاح زيارة» خالد مشعل. ويؤكد لـ «الحياة» أن «حماس معنية بإعادة ترتيب العلاقة مع الإخوة في عمان».
وعن المساعي الرامية إلى إفشال الزيارة، يقول إن «إبعاد قادة حماس من الأردن كان خطأ باعتراف الساسة الأردنيين، والمطلوب تصحيحه بصرف النظر عن الضغوط».
ويشدد الناطق باسم الحكومة الأردنية الوزير راكان المجالي الذي تربطه علاقات إيجابية بالكثير من قادة «حماس»، على أن قرار الانفتاح على الحركة «جزء من السيادة الأردنية». ويقول لـ «الحياة» إن «الدولة لن تعمل تحت الضغوط، ولن تتأثر بالخارج». ويحرص المسؤولون في عمان وقادة الحركة في دمشق على إبقاء اتصالاتهم طي الكتمان إلى حين إنضاج العلاقة، التي يتوقع مراقبون أن تشهد تطوراً ملحوظاً.
وكان عدد من وسائل الإعلام الأميركية تساءل هل «عودة قادة حماس من دمشق إلى عمان ستمثل تراجعاً للنفوذ الأميركي في المنطقة». ونقلت مجلة «تايم» الأميركية عن الخصاونة دفاعه عن قرار الأردن السماح لقادة «حماس» بالعودة كأفراد.
ورجّحت مصادر مطلعة في الحركة أن تشهد الأيام القليلة المقبلة انفراجاً غير مسبوق في طبيعة العلاقة بين الطرفين. وقالت لـ «الحياة» إن «اتفاقاً مبدئياً تحقق بين الديوان الملكي الأردني وقيادة الحركة، يتضمن زيارة مشعل عمان في التاسع والعشرين من الشهر الجاري».
وتفيد معلومات «الحياة» بأن قيادة «حماس» تفكر هذه المرة بالذهاب إلى الأردن، ولو تعذّرت مشاركة القطريين في الزيارة. وتشير إلى لقاء جمع أخيراً ولي العهد القطري تميم بن حمد آل ثاني بخالد مشعل الذي تحدث عن «استياء القيادة الأردنية من التأجيل المتكرر للزيارة». وعلم أن اعتذار القطريين عن عدم الذهاب إلى عمان تسبب في تأجيل لقاء بين العاهل الأردني و «حماس» كان يفترض أن يتم في الخامس من الشهر الجاري، ما دفع مسؤولاً بارزاً في التشريفات الملكية الأردنية إلى الاتصال هاتفياً بمشعل، وإبلاغه رسالة شفهية تقول إن «الأردن منزعج من أسباب التأجيل».
ويكشف هذا الاتصال سلسلة من الاتصالات واللقاءات بين الساسة الأردنيين وقادة الحركة، تجرى بعيداً من الأضواء.
وكشف مصدر رفيع المستوى في «حماس»، لقاءات بين قيادات في الحركة وضباط كبار في جهاز المخابرات، آخرها الشهر الماضي، حضرها محمد نزال الذي يقيم في عمان منذ رمضان، ويعد أحد أبرز مسؤولي الحركة في ملف العلاقة مع الأردن. وتشير معلومات إلى تفاصيل «ورقة سرية» أرسلتها قيادات في الحركة إلى القصر الأردني عبر وسطاء، تشرح فيها طبيعة تصورها للعلاقة التي تسعى إليها.
وتؤكد الورقة أن «حماس» تعي صعوبة عودة العلاقة إلى ما كانت عليه قبل عام 1999، حين كانت تدير نشاطات متعددة على الأراضي الأردنية، وتمتلك مكاتب مرخصة من السلطات. ووجهت القيادة الحمساوية عبر ورقتها رسالة واضحة إلى صاحب القرار، جاء فيها: «ما نأمله أن نحظى بالمعاملة التي تنالها حركة فتح والكثير من مسؤولي السلطة الفلسطينية حين يزورون الأردن». كما طالبت بمنحها حرية الالتقاء بمن تريد على الساحة الأردنية، وأن يكون بمقدورها تنظيم الاجتماعات واللقاءات الصحافية، من غير أن تنقل مقارها إلى المملكة.
ويبدو أن هذا التصور لقي قبولاً مبدئياً، كما يؤكد مسؤول بارز في الدولة، قال لـ «الحياة» إن «الجلوس المرتقب على الطاولة سيحدد طبيعة الاتفاق الجديد». وتابع: «لا بد من التدرج في العلاقة، ليصل الطرفان إلى توافق يضمن مصلحة الجميع، في ظل ما يشهده الإقليم من متغيرات».
ويفتقر مطبخ القرار الأردني صيغة توافقية في ما يتعلق في شكل الاتصالات بين الدولة و «حماس»، وهو ما تكشف عنه لقاءات جمعت الملك عبدالله بكبار المسؤولين الأردنيين، وتضمنت وجهات نظر متباينة. فبينما اقترح بعض المسؤولين أن تتسلم وزارة الخارجية ملف الحوار مع «حماس»، طالبت قيادات أمنية بإبقاء الملف تحت جناح دائرة المخابرات العامة، لكن الملك فضّل أن يكون الملف في يد الديوان الملكي.
وما يهدد العلاقة في رأي مراقبين هو وجود تيار «تقليدي» داخل الدولة لا يتردد في التعبير عن قلقه من تطبيع العلاقات مع «حماس»، تسانده نخبة سياسية تحذّر من عودة قادة الحركة إلى الأردن. بل تذهب إلى حد القول إن مثل هذه الخطوة يهيئ الأجواء لإعلان المملكة وطناً بديلاً للفلسطينيين، ويدعم هذا التوجه تيار داخل جهاز المخابرات واسع النفوذ.
لكن إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، سعى من خلال زياراته المتكررة المستشفى الميداني الأردني في القطاع، إلى توجيه رسائل تطمينية لمن يهمه الأمر، تؤكد رفض «حماس» كل المشاريع التي تمس الأردن وكيانه. وخلص سياسيون التقتهم «الحياة» إلى أن التيار المناوئ لعودة حماس «قد ينجح في تحجيم نتائج الزيارة التي سيقوم بها مشعل إلى عمان».
ويهاجم الكاتب الصحافي سامي الزبيدي، المطالبين بوجود مباشر لـ «حماس» على الأرض الأردنية. ويقول إن «الحركة الإسلامية الأردنية وحركة حماس متداخلتان تنظيمياً، لذلك هما الأقدر على إلغاء الهوية الأردنية والفلسطينية لمصلحة هوية إسلامية جوهرها فلسطيني، يؤدي في المحصلة إلى إعلان الوطن البديل». ويدعو إلى علاقة «صحية» و «ودية» بين الأردن و «حماس»، لكنه يطالب قيادة الحركة بالتخلي عن جنسيتها الأردنية، إذ «لا يجوز أن تحاور الدولة مواطنيها».
ويتمتع الكثير من قادة الحركة بالجنسية الأردنية، بمن فيهم خالد مشعل الذي عاش سنوات طويلة في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية. ويعتقد رئيس مركز القدس للدراسات عريب الرنتاوي، أن تباين الأولويات بين الأردن والحركة، كان أحد الأسباب التي أخرت زيارة مشعل عمان. ويشير إلى أن «إطلاق مسار التفاوض شكّل الأولوية الأولى لدى صانع القرار الأردني خلال الفترة الماضية، في حين ركزت حماس على إنجاز ملف المصالحة». ويذهب إلى أن حاجة الأردن إلى الحركة يؤكدها صعود الحركات الإسلامية في عدد من دول «الربيع العربي». ويرى سياسيون أن التغييرات المتسارعة التي شهدتها المنطقة، تملي على الأردن و «حماس» تدشين قنوات اتصال، لإعادة ما انقطع بينهما.
وتمهد اتصالات الطرفين إلى استيعاب المعارضة الإسلامية التي لا تؤمن بجدوى عملية السلام مع إسرائيل، وتعزيز العلاقات مع الدوحة التي عبّر قادتها - وفق مصادر مطلعة - في لقاءات سابقة مع الملك الأردني عن استيائهم من طريقة إبعاد قادة «حماس» إلى قطر عام 1999 حين نقل مشعل ورفاقه مقيدين إلى الطائرة التي أقلتهم إلى الدوحة.
وعلى رغم كل المعوقات، تبرهن مؤشرات إلى تقدم العلاقة بين الأردن و «حماس»، إذ إن معظم عائلات قادة الحركة بمن فيها عائلة مشعل التي كانت مقيمة في دمشق، عادت إلى الأردن للإقامة في شكل دائم.
وسيساعد الانفتاح على الحركة، في استعادة دور عمان المتراجع في الملف الفلسطيني، كما يرى مطلعون على توجهات مركز القرار الأردني.
والأهم، أن بناء التحالف الجديد من شأنه مواجهة النيات الإسرائيلية، الساعية إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
أما هدف «حماس» من العلاقة الجديدة مع الأردن فهو إعادة وجودها المحظور على ساحة طالما اعتبرت مجالاً حيوياً لا غنى عنه للتنظيمات الفلسطينية، خصوصاً أن المقر الدافئ للحركة في دمشق يتعرض لتصدعات واضطرابات مفتوحة على كل الاحتمالات.
وتدرك «حماس» أن العلاقة مع المملكة ليست من باب الترف والعلاقات العامة، إذ إن بلداً نصف سكانه من أصول فلسطينية، لا بد أن يكون فيه للحركة موطئ قدم، يمكّنها من استشراف ما يحدث غرب النهر.
ومرّت العلاقة بين الأردن و «حماس» بالكثير من المحطات، التي سيطرت عليها القطيعة، وتخللتها اتصالات سرية عام 2006.
وبلغ التوتر مداه، بعد أن اعتقل الأردن عام 2008 عدداً من الشبان بتهمة الانتماء إلى حركة «حماس» والتجسس لمصلحتها، والتخطيط لتنفيذ عمليات على أراضيه. وعادت الاتصالات الأردنية مع الحركة في العام ذاته، والتقى المدير السابق للمخابرات الأردنية محمد الذهبي وفداً من «حماس».
ثم تكررت اللقاءات بين الطرفين، ومع إزاحة الجنرال الذهبي عن منصبه، عاد البرود سيد الموقف. وشكلت الوساطة القطرية عامل دفع مهماً في عودة العلاقات بين الأردن و «حماس»، في انتظار أن تلتقي بوصلة الطرفين على وجهة واحدة، تنهي جفاءً دام سنوات. ( الحياة اللندنية )