متحف "أيلة البحر" التراثي .... حين يكون للقديم وهجه وطغيانه
المدينة نيوز- حكاية تراث ونبض مدينة تعود إلى بدايات القرن الماضي يرويها متحف العقبة التراثي الذي انشأته سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة على مقربة من منزل الشريف الحسين بن علي، ثائر العرب الأول وعلى مرمى حجر من قلعة العقبة التي بناها قانصوه الغوري وهما معلمان يرويان مفارق تاريخية مرت بها "ايلة البحر" التي اتكأت طويلا على أكتاف الموج فلم تضج من الجوار ولم تصخب، وظل حداء صياديها يعانق جبالها المحيطة إحاطة السوار بالمعصم ،فيما كانت الأمواج تردد حداء الصيادين كلما أوغلوا في رحلة البحث عن الرزق المخبوء في جوف البحر الأحمر الذي ما زال رغم قسوة الطبيعة والإنسان يجود بخيرات جمة على أهل العقبة.
هجوم العصرنة والحداثة على الموروث الذي كان يهدد ما تختزنه ذاكرة الناس من ومض تراثي يعيد المرء إلى الماضي الجميل البعيد عن المدنية الجارفة، كان هو الدافع لإقامة متحف العقبة التراثي كما تؤكد المفوض في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نسيمة الفاخري التي ما فتأت تفتش في أحياء العقبة القديمة عن ذكريات هنا أو هناك تعيد لوجه المدينة بعضا من تاريخها المخبوء في بيوتها وباحاتها القديمة التي عفا عليها الزمن.
وتضيف " نحرص على أن يكون المتحف تجسيدا حقيقيا لذاكرة أهل العقبة لذا فأننا إذ ننهي المرحلة الأولى من إنشاء المتحف نسعى إلى تحقيق وجمع التراث الشفوي لأهل العقبة عبر تدوينه مباشرة ممن يحفظونه ثم توثيقه على أشرطة الكترونية ليكون بإمكان كل متابع وباحث ومهتم العودة اليه بيسر وسهولة ، كما يمكن لزوار المتحف من العرب والأجانب أيضا التزود بما يشاؤون منه لدى زيارتهم المتحف.
الباحث في تراث أهل العقبة الشعبي والمؤرخ له ورئيس القسم الثقافي في سلطة العقبة الخاصة عبدالله المنزلاوي الذي اشرف وساهم بشغف في تنفيذ فكرة متحف العقبة بدا كأنه يداري وليدا له أو طفلا مدللا الم به عارض وهو يجفف بيديه بعض معالم الطين التي يرسم بها لوحة فخارية تحكي قصة صياد تاه مركبه في عرض البحر وظل ينشد وحيدا .
ويؤكد المنزلاوي امتلاك العقبة لمخزون تراثي ضخم لكنه يخشى في ذات الوقت من انقراضه بعد أن توفى الله من كانوا يحملونه، ويشير إلى أن مخزون أهل العقبة التراثي يختلف كثيرا عن تراث بقية المحافظات في المملكة لأنه يتخذ طابعا بحريا مميزا ينحاز للبحر وللميجنا وحداء الصيادين وحكايات عروسة البحر التي طالما سمع من أجداده الصيادين أنها كانت تبتسم لهم عندما يشتد نوء البحر وعندما تعلو أمواجه مهددة قواربهم الضعيفة بالغرق فكانوا كلما رأوها استبشروا خيرا بان العودة للعيال وللبيت لا شك قريبة .
حين يدخل الزائر متحف العقبة التراثي يرى مدينة العقبة قبل مائة عام أمام ناظريه فهنا كوارة الطحين التي كانت تشكل الأمن الغذائي للبيت العقباوي وعلى ميمنة منها "الصومعة" وهي قبة مصنوعة من الطين مغلقة من الجوانب ولها فتحة علوية بغطاء طيني وثقوب جانبية ، وتستعمل لمبيت الدجاج فيها ليلا خوفا عليه من الثعالب والكلاب .
والفرن "النقالي"، وهو فرن طيني يبنى في زاوية الباحة بحيث يكون له فتحة جانبية لوضع الحطب وفتحة أمامية للخبز ، وفتحة علوية لخروج الدخان كما يشاهد الزائر" الرحاية والكوارة والسعن " وهي كل مستلزمات البيت التي يحتاجها العقباوي للمؤونة .
وفي جناح البيت العقباوي حيث نموذج لبيت قديم مكون من غرفتين بجدران طينية وسقف تقليدي من جريد وجذوع النخل وأبواب وشبابيك على الطراز القديم إضافة إلى أرضية من الحصى يشاهد الزائر في الغرفة الأولى وهي (المندرة) أي غرفة الضيوف ، التي تضم "المدة والمهباش ولمبة الكاز والمذياع القديم " وعلى جدار الغرفة تعلق البندقية "أم دكة والسيف والشبرية" وهي الأسلحة الشخصية السائدة ما قبل مائة عام في العقبة .
أما القاعة البحرية فتضم مفردات التراث البحري للعقبة، وتحتوي على صورة جدارية (بانوراما) للواجهة البحرية للمتحف بحيث يعيش الزائر للقاعة أجواء الشاطئ ويرى نموذج لقارب شراعي قديم يحمل أدوات الصيد "كالشوار" وهو شبك صيد على شكل شريط عريض يثبت على طول طرفه العلوي طفافات ، ويثبت على طول طرفه السفلي قطع رصاص وذلك من أجل جعله كالحائط في حال نشره في الماء و"الشاعة" وهي شبكة دائرية الشكل مثبت على محيطها قطع صغيرة من الرصاص وترمى باليد على السمك، و"العمرة" وهي خيط طويل للصيد بثبت في نهايته مجموعة من السنانير المتشعبة وثقل من الرصاص ويستعمل للصيد في المياه العميقة، ونماذج صغيرة للقوارب مثل"السنبوك و الدنقي والهوري.
وفي قاعة الصور التاريخية يشاهد الزائر حوالي مئة صورة قديمة ونادرة لمدينة العقبة تحكي تاريخها وأهم الأحداث والأماكن فيها ، كما تبين جانب من التراث الشعبي المحلي فيما تعكس قاعة القلعة شكل قلعة العقبة المملوكية من الداخل والخارج ، بحيث يعيش الزائر في هذه القاعة، أجواء قلعة العقبة التاريخية .(بترا)