مدى دستورية القوانين الضريبية في المملكة
لقد جاء النص الدستوري واضحاً في ما يتعلق بالضريبة فقد نصت المادة رقم (111) من الفصل السابع في الدستور الأردني على أنه: لا تفرض ضريبة أو رسم الا بقانون ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الاداء وحاجة الدولة الى المال، في هذا المضمار أتفق مع الكثيرين من الذين دافعوا عن قانون ضريبة الدخل رقم (28) وقانون ضريبة المبيعات رقم (29) لسنة (2009) المؤقتين واللذان تم بدأ العمل فيهما بداية العام 2010 في العديد من المواد القانونية، وأتفق مع من عارض بأعلى صوته كي يشير إلى مادة قانونية قاصرة في مواقف أخرى، ورغم حزني لأقران كلمة القصور على بعض المواد القانونية إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن بعض المواد القانونية هي تجسيد للقصور في النظرة الشمولية المستقبلية التي تبحث عن تحقيق العدالة والشفافية وتحفيز الإستثمار والإقتصاد بكل معانيها ومعطياتها، ولكني أتأسف لبعض هذا النوع من القصور الذي قد تنحدر إليه بعض المواد القانونية حين يكون الأثر السلبي الصادر يخص إقتصاد الوطن والمواطن.
دون الدخول في تفصيلات القانون المرهقة وبعجالة أود الإشارة إلى إفتقار قانون ضريبة الدخل وقانون ضريبة المبيعات المؤقتين إلى تحقيق التصاعدية في المعدلات الضريبية المفروضة وبما يعارض الدستور الأردني صراحة والذي أشار إلى التصاعدية !! فجاء المعدل ثابتاً على بعض القطاعات وتصاعدياً بخجل على فئة أخرى !! وعلى الرغم من إنخفاض العبء الضريبي لأكثر من النصف على بعض القطاعات إلا أنه قد زاد على فئات أخرى، وهذا يتنافى مع مبدأ العدالة الذي ينطلق منه أي قانون ضريبي لأي دولة من الدول !! كما وأن تهميش التصاعدية ساهم في تخفيف العبء الضريبي على فئات أخرى بشكل غير مبرر !! فلماذا لم يكن هنالك على سبيل المثال أربعة شرائح تصاعدية لمعدل الضريبة تحاكي الضريبة فيها واقع الدخل بشكل أكثر واقعية وعدالة، أما في ما يتعلق بضريبة المبيعات فقد رأى البعض إمكانية أن يكون هنالك معدل تصاعدي لضريبة المبيعات يتوافق مع نوع السلعة أو الخدمة ، وخاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بعض أنواع السلع الضارة للمجتمع وليس أقل من ذلك المشروبات الروحية وعلب السجائر !! فما هو المانع من أن تكون ضريبة المبيعات على مثل هذه الأنواع من السلع 25% عوضاً عن 16% مع وجود ضريبة خاصة في نفس الآن !!
أما في ما يتعلق بالغرامات وقبل سن المواد القانونية الجديدة الناظمة لها كان الأجدر أن يتم صقل الخبرات الضريبية العاملة والتي إعتادت لسنوات طويلة على تعديل الإقرارات الضريبية ، وبمعادلة أخرى قد يجبر المواطن أو المنشأة على دفع غرامة إضافية على تعديل الإقرار الضريبي ، وخاصة إذا ما كان هذا الفرق يتجاوز (20%) من المعلن في الإقرار الضريبي ! وبعد كل هذا تتسآل الحكومات المتعاقبة أين غادرت العديد من الإستثمارات المحلية منها والأجنبية !!
لقد ساهم قانون الضريبة الجديد في تخفيض الضريبة على شرائح عديدة في المجتمع الأردني ، ولكن ومن حسن الطالع فإن العديد من الفئات ذات الدخول المرتفعة قد إستفادة من هذا التخفيض ، والسؤال المطروح لماذا هذا التخفيض الغير مبرر وفي هذا الوقت تحديداً والذي تعاني منه موازنة الدولة من عجز متفاقم !! فلماذا حرمت خزينة الدول من ضرائب كانت في متناول اليد رافداً للإقتصاد الأردني المنهك من العثرات والتخبطات هنا وهناك، ولم يكن هذا التعديل في المعدلات الضريبية سبباً في تحقيق العدالة أو في تحفيز دخول مستثمر جديد للبيئة الإقتصادية الأردنية !!
لقد وضع الأردن أسسا دستورية يعتمد عليها في وضع القوانين الضريبية، ولعلنا في هذا المضمار يمكن أن نشير إلى مطلبين المطلب الأول هو أن تفعّل الحكومات من شفافيتها في ما يتعلق بالتشريعات الناظمة للحياة الإقتصادية وخاصة في ما يتعلق منها بالجانب الضريبي كي تتمكن من أداء دورها الحيوي، أما الثاني فهو مشاركة الحكومة للفعاليات الإقتصادية والإجتماعية والإستثمارية وغيرها من الجهات ذات الصلة في وضع قوانينها، حيث يدرك الكثيرون بأن جهد المجموعة المتكاثفة من أجل صناعة الأفضل هو أفضل من جهد الفرد الواحد أو الجهة الواحدة ، وفي نفس الآن يدرك الكثيرون بأن الفرد الذي يسخّف أي جهد مهما كان من أجل مصلحته يجب محاسبته على خطأه وعدم مجاملته على قصوره مهما كان.
إن وضع الأصبع على الجرح النازف يعتبر من السهولة بمكان، ولكن وقف النزيف يحتاج إلى من يفهم في علم الطب والجراحة، والكثير يعرف أن البحث عن أصل المشكلة وكيفية حلها هو الأصعب من النظر إلى واقع المشكلة.
لقد أتى علينا حين من الوقت تزايدت فيه القوانين المؤقته وتحديداً الإقتصادي منها !! ولكن هذا وإن كان يشكل جزءا من المشكلة إلا أنه يقصر على أن يكون أصلها، فالمخلفات كثيرة والرواسب كثيفة والمعوقات عديدة والتحديات كبيرة وهنا لا يفوتنا أنه نشير إلى النداءات التي تتعالى بين الفينة والأخرى لتغيير قانون هنا أو هناك، وتطالب بحلول آنية قد تفلح في التنفيس ولكنها تعجز عن التشخيص الحقيقي للمشكلة الأساسية في جودة المعايير التي يتم على أساسها إعداد القوانين الضريبية التي تؤثر في كافة شرائح المجتمع ودون تهميش للدستور.