النظام السوري يحفر قبره بيده
على مدى عشرة شهور من عمر الثورة السورية كان النظام يفقد اتزانه بالتدريج، وبدلا من أن ينتهز إحدى الفرص المكررة والنداءات التي كانت اقرب للاستجداء من العالم كله.. كان يستفحل في الغرور وتنغمس الحاشية في التضليل الإعلامي والدجل السياسي تغطية للمجازر المكررة، ربما يعود ذلك الى جشعة الناجم عن كينونته كرأس حربة للمشروع الفارسي.. ولكن بالتصعيد الدموي الأخير يكون النظام السوري قد تدحرج الى آخر منعطفات السقوط وتكون سوريا قد دخلت قتامه الليل الذي يسبق الفجر، فبالرغم من تصعيد وتيرة القتل والقمع الدموي الذي يقوم به النظام وتحوله من دور الشرطي القبيح على شعبه الى العدو المباشر له.. فقد اسقط النظام آخر معاقله الافتراضية بيد مجانين النظام والمرتزقين منه ليفقدوه أي أسباب للبقاء في رأس الهرم أو حتى في قاعه وبغض النظر عن قناعة النظام بقدرته على تحدي الشعب السوري وقهره وثقته بحلفائه أصحاب المشاريع التخريبية في الوطن العربي بشقيهم الفارسي والغربي.
لم يترك النظام ا لسوري أية مساحة في الفضاء السوري لملاك سلام واحد يبشر باقتراب الحل أي كان..، ومع أن رأس الهرم في سوريا يدرك أن أي تصعيد امني إضافي سيشكل مسمارا أخر في نعشه فلم يمنعه ذلك من أن يقذف بكل أوراقه السوداء على الطاولة ويخرج العالم عن طوره ويدفع بالجامعة الى إيقاف أعمال المراقبون العرب عن مهمتهم في سوريا والاتجاه الى خارج الفضاء العربي.
ذلك يدفعنا للشك بأن النظام ربما كان ينتظر لحظة خلع القناع بعد فقدانه الأمل( بتوبة) الشعب وركونه أو رجوعه الى (المزرعة)، فبينما يرى العرب خطوة التدويل كرصاصة الرحمة للنظام الغريب الأطوار على مدى أربعة عقود.. كان النظام السوري يراها المبرر للانتقال بلا أقنعة أو تقية (دامت أربعة عقود) الى المهمة الرسمية المقدسة للنظام للبقاء من خلال تخريب المشروع العروبي الإسلامي، فالجميع كان مدركا بأن الأمور ما كانت لتستقر حتى لو استقرت مؤقتا وهدأت البنادق ظاهريا بعدما اتضح أخيرا أن النظام السوري هو مجرد نبتة سامة موسمية لها زمنها وكلما أسرعت ببث سمومها اقترب اجلها.
فالنظام السوري برمته أعلن عن عجزه في المحافظة على مكان له بين الأنظمة القمعية والديكتاتورية السيئة الصيت ليتبوأ المركز الأعلى بين العصابات التي تحكم دول، حيث لا يمكن تصنيف الحملات الدموية على مدن سوريا بالحملات الأمنية، بل هي أشبه بحملات اللصوص وقطاع الطرق على عباد الله.. ذلك ما سيدفع الشعب الى معالجته بالطريقة الحتمية المؤدية بالنهاية الى عسكرة الثورة التي يفرضها لزاما الخطر الأقصى والظلم الأفظع الموضوع على رقاب الشعب السوري ودون انتظار أي دعم خارجي بعدما تيقن الشعب من العجز العربي والمصالح الصهيونية والغربية من بقاء النظام بشخصيته السابقة.
ومع أن النظام السوري اعتمد على الفيتو الروسي لدرء الخطر المتوقع من التدويل على نظامه، واكتفى بالفضاء والحضن الإيراني بديلا عن الفضاء العربي، وهيئا نفسه لإشباع نهمه وإطفاء شوزفرينيته بهتاف شبيحته .. إلا أنه لم يدرك أن كل هذه الأركان لا تضمن له رجلا واحدة في كرسي العرش الذي ورثه بواسطة حفلات الزار التي تمت وقت موت العرّاب الأكبر طالما بقي طفلا سوريا واحد فقط يسري الدم في عروقه .