مذكرة توقيف الرئيس البشير والازمة الدستورية
يبدو أن الجدل القانوني و الدستوري حول اهلية رئاسة البشير للحكم بدا بالتصاعد بعد ان اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، استنادا للتهم الموجهة له ، هذا يعني ان الرئيس البشير اصبح متهما ومطاردا ومطلوب القبض عليه اينما وجد كما ذكر المدعي العام اوكامبوا.
وهنا لابد من السؤال وفقا للدستور السوداني هل مازالت سارية اهلية البشير للحكم بعد ان أصبح متهما ؟؟
وللوقوف على هذه الإجابة لابد من العودة للفقرة الخامسة من المادة 53 من الدستور والتي تؤكد ان الرئيس يفقد أهلية الحكم اذا أُدين في جريمة تتعلق بالأمانة أو الفساد الأخلاقي ،وبناء عليه فان الرئيس البشير لا يستطيع ان يستمر في سدة الحكم ويمارس صلاحياته كرئيس للبلاد وان جميع المراسيم التي تصدر عنه تكون مشوبة بالبطلان سواء كانت تتعلق بادارة السودان داخليا او خارجيا للبعثات والسفارات السودانية في خارج السودان وهنا سيرتب هذا الإجراء ازمة خطيرة من شانها تعطيل الاعتراف بالسودان كدولة له ممثلين في الخارج إضافة الى قيام الدول بعدم التعامل مع السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية السودانية ، وهذا يرمي الى تعطيل وتجميد الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المبرمة مع الدول التي ابرمها السودان مع الدول عندها سيكون السودان دخل مرحلة الحصار الدولي الذي سينعكس سلبا على الشعب السوداني برمته ،
اما لجهة ممارسة مهامه الداخلية كقائد عام للجيش والقوات المسلحة فانها ستكون مخالفة لنص المادة 58 من الدستور السوداني ولن يكون بمقدوره اعلان حالة الحرب فيما لو تعرضت البلاد لخطر خارجي وسيقف عاجزا امام دعوة الهيئة التشريعية للانعقاد ، كونه فاقد الأهلية الدستورية وان كافة المراسيم التي يصدرها بشان حالة الطوارئ والتعيينات في المناصب الدستورية والقضائية ستكون باطله وسيعاني السودان من فراغ دستوري وشلل حكومي من شانه ادخال السودان في اتون الفوضى التي ستكون الشرارة الاولى للحرب الاهلية مجددا ، خاصة بعد ان قامت حكومة الرئيس البشير مؤخرا بطرد المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان ومؤسسات الخدمة الانسانية ، حيث ان هذا الإجراء كان صفعة قوية للدستور السوداني الذي يؤكد في المادة 17 منه على تُوظيف سياسة السودان الخارجية لخدمة المصـالح الوطنية لاجل ترقية التعاون الدولي، خاصة في إطار أسرة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأُخرى، وذلك من أجل تعزيز السلام العالمي واحترام القانون الدولي والالتزامات التعاهدية وتطوير نظام اقتصادي عالمي عادل.
يتوجب على قادة حكومة البشير اللجوء الفوري إلى لمناقشة كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية بمسؤولية وبعيدا عن الاحتكام للخطاب العاطفي المتشنج والنظر بموضوعية لمصالح السودان العليا بدلا من المصالح حتى لايقع السودان في ازمات متعددة كما حصل مع العراق ولا اعتقد ان هناك سوداني يقبل بهذا الخيار المؤلم ، لان استمرار الوضع السوداني على ما هو عليه من فراغ دستوري ومواجهة مع المجتمع الدولي سيؤدي الى دمار كل شيءبدء من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وصولا الى المواطن السوداني ، ولن يكن هناك مستفيد الا اعداء الشعب السوداني .
واعتقد ان هناك فرصة تاريخية أمام حكومة السودان للتصرف بعقلانية وإذا ما أضيعت هذه الفرصة فلن باستطاعة السودان النهوض من جديد في القريب العاجل ،بل ان الأمر سيحتاج الى عقود وأجيال لخروج بسودان جديد له القدرة على النهوض بالمواطن السوداني، والى حين تاتي تلك الحقبة الزمنية سيفرض حقائق ومفاهيم جديدة بل يمكن ان يسير الظرف الدولي بعكس المصالح العليا للشعب السوداني.
* باحث في قضايا القانون الدولي العام