الثلاثاء الذكرى الثالثة عشرة ليوم الوفاء والبيعة
المدينة نيوز - يحيي الأردنيون الثلاثاء السابع من شباط الذكرى الثالثة عشرة ليوم الوفاء والبيعة، ذكرى الوفاء للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، وتوليه سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية.
ففي السابع من شباط من عام 1999، رحل جلالة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه، بعد قيادة حكيمة ومسيرة حافلة بالإنجازات على مدى سبعة وأربعين عاما، عاشها الحسين وشعبه الوفي، وهم يعملون من أجل الوطن وإعلاء شأنه، ومن أجل الأمة العربية والدفاع عن حقوقها الثابتة وقضاياها العادلة.
وما زالت في ذاكرة الأردنيين كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني التي خاطب فيها أسرته الأردنية مساء ذلك اليوم حين قال " يا أبناء الأسرة الأردنية .. أيها الأهل والعشيرة .. لقد كان الحسين أبا وأخا لكل واحد منكم كما كان أبي وانتم اليوم إخواني وإخوتي وانتم عزائي ورجائي بعد الله .. أحسن الله عزاءكم وإنا لله وإنا إليه راجعون".
ومنذ أن اعتلى الراحل الكبير المغفور له الملك الحسين العرش، في الحادي عشر من شهر آب من عام 1952، وهو يتطلع إلى خدمة الشعب الأردني ورفع مكانة الدولة الأردنية، وما أن جاء يوم تسلم جلالته سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، حتى كانت الانطلاقة للدولة الأردنية التي أثبتت مقدرتها على التعامل مع كل الأحداث المحيطة، على الصعيدين العربي والعالمي، وفي ظل ظروف بالغة الخطورة والتعقيد وتدخلات خارجية وتحالفات قوية، إلا أن شجاعته، وهو الذي كان يصفه العالم بالملك الشجاع، وانتهاجه سياسة حكيمة عملت على درء المخاطر عن شعب آمن بقدرة الهاشميين على تحمل أمانة المسؤولية، وسار الأردن بخطى ثابتة وراسخة، وفقا لسياسة حكيمة انتهجها الملك الحسين طيب الله ثراه، أساسها التوازن والمصداقية واتخاذ القرارات المدروسة.
وتمكن المغفور له جلالة الملك الحسين، من بناء دولة المؤسسات الأردنية، فقطع الأردن في عهده أشواطا طويلة على طريق التطور والتنمية والتحديث، شملت مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والعمرانية والعلمية والثقافية، وسواها من الميادين.
وكان الراحل العظيم ، دائم التواصل مع أبناء أسرته الأردنية الواحدة يزورهم في مضاربهم ومدنهم ومخيماتهم، يتفقد أحوالهم ويتلمس احتياجاتهم ويصدر توجيهاته للحكومات لتنفيذ المشروعات التنموية وتوزيع مكتسباتها بعدالة على الجميع، فاعتمدت الحكومات المتعاقبة الخطط التنموية لتشكل حزما من البرامج للنهوض بالمجتمع الأردني، فارتفعت نسبة التعليم ومعه المدارس والمعاهد والجامعات، وارتفع مستوى المعيشة وتحسنت نوعية الحياة، وازدهرت الحياة الاقتصادية، ونشطت الصناعات المختلفة، كالتعدين والفوسفات والبوتاس والاسمنت وغيرها، ونمت التجارة خاصة مع توفر شبكة من الطرق والمطارات الدولية وميناء قادر على استيعاب حركة التجارة العالمية.
وفي عهد المغفور له الملك الحسين، تم تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية الكبيرة، كشق قناة الغور الشرقية، التي تروي مئات الآلاف من الأراضي في غور الأردن، وكذلك إنشاء سدود عديدة، وحفر الآبار الارتوازية، بهدف تخزين المياه واستصلاح مساحات واسعة من الأراضي. وتم تنظيم القطاع الزراعي من خلال تطبيق النمط الزراعي ووضع الأسعار التشجيعية وتأجير الأراضي بأجور رمزية، وتوزيع الأراضي الصالحة للزراعة في المناطق الصحراوية على أبناء البادية ونقل التكنولوجيا وتقديم القروض والإرشادات الزراعية لهم .
واهتم جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، بالأردن كبلد سياحي، فافتتح العديد من المناطق السياحية، وتم العمل على ترميم المناطق السياحية والأثرية مثل مدينة جرش والبترا وقلعة الربض والمدرج الروماني، ووضعت الحوافز لتشجيع الاستثمار السياحي، إضافة إلى العمل على جذب السياح من خلال بناء الفنادق والمنتجعات والمتنزهات.
وأولى الملك الحسين طيب الله ثراه القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية جل عنايته واهتمامه، لتبقى درعا منيعا في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره، حيث شهدت، في عهد جلالته، تطورا في مجالات التدريب والتأهيل والتسليح , كما كان لها إسهاماتها في مسيرة البناء والتنمية.
وكان شعار المغفور له الملك الحسين " الإنسان أغلى ما نملك " ترجمة لاهتمامه بالإنسان الأردني ودعوته إلى أن يكون الاستثمار في الإنسان الأردني تعليما وتدريبا هدفا ساميا، لإعداد جيل قادر على التحليل والتفكير والإبداع ومواجهة التحديات.
واجه الأردن ومنذ بدء عهد الحسين رحمه الله تحديات صعبة تمثلت أولها بضرورة تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، فتوجه نحو تعريب قيادة الجيش ونقلها إلى الأردنيين، فتحقق التعريب في الأول من آذار عام 1956، وأحدثت خطوته السيادية الجريئة نقلة في رؤية العرب والعالم للدولة الأردنية، واعتبرها الجميع خطوة ذكية وجريئة، واتبعها جلالته بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في شباط عام 1957، لإكمال السيادة الوطنية والاعتماد على الذات في مواجهة المستقبل باعتبار أن المصلحة الوطنية هي العليا دائما.
لم يتوان الحسين يوما عن تقديم الدعم والمساندة لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وبقي طوال سنوات عهده متمسكا بحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وراعيا للمقدسات الإسلامية على أرض فلسطين الطهور، حيث استمر الاعمار الهاشمي للأماكن المقدسة في القدس الشريف، الذي كان بدأ منذ عام 1924 برعاية الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه.
وفي كتابه (مهنتي كملك ) قال المغفور له الحسين " لقد دفن جدي الأكبر في القدس ومات جدي على مرأى مني في القدس أيضا وإنني أنتسب إلى الجيل الرابع من أولئك الذين ناضلوا في سبيل الحرية والاسترداد الكامل لترابنا الوطني وسأواصل النضال في هذا الاتجاه حتى آخر قطرة من دمي".
وكان هدف تعزيز التنسيق العربي المشترك، وتمتين علاقات الأردن بالأشقاء العرب، هاجس المغفور له الملك الحسين، الذي آمن دوما أن حل المشكلات والنزاعات والقضايا الخلافية بين الدول العربية يجب أن يتم من خلال التمسك بالمصلحة العليا والإيمان بالمصير المشترك للأمة العربية.
وقد عمل الملك الحسين يرحمه الله وبذل كل الجهود من أجل إنجاح مؤسسة القمة العربية وتعزيز دور جامعة الدول العربية والالتزام بكل قراراتها، فكان اعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني تأييدا وانسجاما مع قرار العرب الذي اتخذوه في قمة الرباط عام 1974. وما أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية في أواخر عام 1987 حتى بادر الأردن إلى اتخاذ كل الإجراءات والتدابير لدعم صمود الأهل في الأراضي المحتلة وتخصيص رواتب لأسر الشهداء وتقديم المعونات المالية لطلبة الجامعات.
وفي عام 1988 تم فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، والذي اتخذه المغفور له الملك الحسين، استجابة لرغبة الأشقاء العرب ورغبة منظمة التحرير الفلسطينية، ما أتاح المجال أمام الأشقاء الفلسطينيين للدخول في عملية تفاوض مع إسرائيل أفضت إلى توقيع معاهدة أوسلو عام 1993.
وشهد الأردن عام 1989 عودة أول انتخابات برلمانية بعد انقطاع استمر 23 عاما بسبب ظروف فرضها الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وشاركت فيها كل الأطياف السياسية الأردنية. وأسهمت هذه الانتخابات في تعزيز مشاركة أبناء الوطن في العملية السياسية على قاعدة التعددية السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية.
وقبيل هذه الانتخابات خاطب جلالة المغفور له أبناء شعبه الأردني قائلا "إن حرصي على دستورية الحكم لا يعادله إلا حرصي على مصلحتكم ومصلحة الوطن ومصلحة أمتنا العربية ومصلحة الأجيال الآتية من بعدها ".
ومثلما كانت معركة الحرب التي خاضها الأردن بقيادة جلالته رحمه الله بكل شرف وشجاعة، كانت معركة السلام التي توجت بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1994، حيث أكد الأردن على ثوابته الأساسية والمتمثلة في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط وإقامة سلام مبني على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وبما يضمن تلبية الحقوق الفلسطينية كافة، خصوصا إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني.
لقد وقف الأردن في عهد الملك الحسين إلى جانب أمته العربية والإسلامية بمواقف مشرفة واتسمت سياسته الخارجية بالاتزان والواقعية والاعتدال مما وضع الأردن على خارطة العالم، دولة عربية تؤمن بالسلام وتعمل على تحقيق غاية الشعوب بنيل مستوى حياة أفضل في ظل استقرار وامن عز نظيره بين دول المنطقة .
وتأكيدا للنهج الذي اختطه جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، وترسيخا للرؤية الأردنية، وجه جلالته في 26 كانون الثاني 1999، رسالة إلى ولي عهده حينذاك جلالة الملك عبدالله الثاني يقول فيها: " وإنني لأتوسم فيك كل الخير وقد تتلمذت على يدي وعرفت أن الأردن العزيز وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى ورسالتها العظيمة، وأنه جزء لا يتجزأ من أمته العربية، وأن الشعب الأردني لا بد أن يكون كما كان على الدوام في طليعة أبناء أمته في الدفاع عن قضايا ومستقبل أجيالها...".
كانت هذه رؤية المغفور له جلالة الحسين طيب الله ثراه الثاقبة والصائبة، فما أن وقع القدر المحتوم وما أن كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى باختيار الأب والملك والإنسان إلى جواره راضيا مرضيا حتى كانت الوقفة الأردنية العظيمة التي آمنت بالقدر واستوعبت الحدث، فوقف الأردنيون بعزة وإباء إلى جانب الابن الملك والأسرة الهاشمية بهذا المصاب الجلل، فكان الوداع المؤثر للحسين في السابع من شباط 1999، يوم تجديد البيعة للقيادة الهاشمية الحكيمة.
إن جنازة الحسين طيب الله ثراه التي وصفت بأنها جنازة العصر كانت شهادة عالمية بمكانة الأردن الرفيعة، واعترافا بحكمة الحسين طيب الله ثراه , إذ التقى قادة العالم وزعماؤه على الأرض الأردنية وفاء للراحل الكبير وثقة بالقيادة الهاشمية التي تسلم رايتها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي سار بالأردن على درب الانجاز وتعزيز البناء الذي أرسى دعائمه الراحل العظيم .
ومنذ أن تحمل جلالة الملك عبدالله الثاني أمانة المسؤولية، وجه جلالته حكوماته المتعاقبة للعمل على ترسيخ سيادة القانون والحفاظ على أمن الوطن واستقراره وإدارة شؤون الوطن في مناخ من العدالة والنزاهة وحسن الأداء، ومواكبة تحديات العصر التي تفرض إطلاق طاقات جميع الأردنيين ، والإفادة من فرص تمكين جميع الأردنيين والأردنيات من أدوات العلم والمعرفة والتأهيل.
واستطاع الأردن بقيادة جلالته تعزيز مكانته المتميزة بين دول العالم، وأن يواصل مسيرة البناء والإنجاز، وحقق تقدما كبيرا في مجالات عدة، خصوصا في مجال التنمية المستدامة، والميادين الاقتصادية والتعليمية والصحية وتعزيز الديمقراطية وترسيخ التعددية السياسية.
لقد قطع الأردن بقيادة جلالة الملك شوطا كبيرا في مسيرة الإصلاح الشامل، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الذي يوفر سبل العيش الكريم للمواطنين، ويزيد من مشاركتهم في صناعة القرار، ويبني المؤسسات الفاعلة التي تحتضن العمل البرامجي بفاعلية وشفافية، والتي تحتكم إلى تشريعات حديثة وعصرية تنسجم مع أفضل المعايير الديمقراطية.
وفي خطاب جلالته أمام منتدى قادة العالم في جامعة كولومبيا بنيويورك في أيلول الماضي قال جلالته "الإصلاح ليس بالعملية السهلة، ومع هذا فهو سائر إلى الأمام، وأنا عازم على المضي في هذا الطريق، لكن هذا نهج يتطلب مشاركة الجميع، فالديمقراطية ليست مجرد أسلوب حكم بل طريقة حياة ".
وقال جلالته في حفل افتتاح المقر الجديد لجمعية الشؤون الدولية في عمان في كانون الثاني الماضي "إن خارطة الإصلاح السياسي للعام الحالي محكومة بثلاثة أهداف نهائية واضحة، وهي: إجراء انتخابات نيابية نزيهة وفق قانون انتخاب يضمن أعلى درجات التمثيل، وبالتالي إنتاج مجلس نيابي جديد بتوجهات حزبية، وصولا إلى تشكيل حكومات حزبية برلمانية ممثلة".
وأكد جلالته "أن الجميع شركاء في هذه العملية الوطنية: "الشعب كقوى ناخبة، والأحزاب كقوى سياسية متنافسة، والسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية كجهات تقوم بالتشريع والإدارة والإشراف على المشروع الإصلاحي".
وفي ذات الخطاب، قال جلالته " في هذا اليوم، نستذكر الحسين الباني، رحمة الله عليه، ورؤيته وطموحاته وإصراره على أن يكون الأردن مثالا في القدرة على مواجهة التحديات، وتحقيق أعظم الإنجازات بالاعتماد على الإنسان الأردني المبدع، وهذا الأمر يجسد قناعتنا أيضا بأن الإرادة الواعية هي التي تصنع الإنجاز، وتحول التحديات إلى فرص ".
وجلالته يؤكد دوما أهمية تكريس مبدأ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية، وتعزيز منظومة مكافحة الفساد ومحاربة الفاسدين والمفسدين بصرف النظر عن مواقعهم الوظيفية أو مكانتهم الاجتماعية أو أي اعتبارات أخرى.
ويشدد جلالته دوما على أهمية التعاون والتنسيق بين جميع المؤسسات الرقابية وتفعيل أنظمة المساءلة على أسس شفافة ونزيهة وموضوعية ووفق أفضل المعايير والممارسات الدولية كما يؤكد على الدور الرئيس والمهم لمجلس النواب في الرقابة والمساءلة لتعزيز ثقة المواطن بالمجلس وبمنظومة النزاهة الوطنية ،حيث قال جلالته في كانون الأول العام الماضي وخلال اجتماعه في الديوان الملكي الهاشمي مع رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وممثلي المؤسسات الرقابية وعدد من مؤسسات المجتمع المدني إنه "عندما تكون هناك شبهة فساد أو أي شكوى من أي مواطن، فالقضاء وحده هو صاحب الكلمة والفيصل في هذه القضية".
وخلال لقاءات جلالته العديدة، مع مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والحزبية، أكد أن الأردن ينطلق من مركز قوة، وسيجعل من التحديات فرصا لتعزيز مستقبله، معتبرا أن التحدي الرئيس الذي "يواجهنا" اليوم هو التنفيذ السليم والسريع للإصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي.
والإصلاح بمنظور جلالته يشكل منظومة سياسية اقتصادية، وإدارية اجتماعية متكاملة، ولهذا يؤكد جلالته باستمرار على "ضرورة أن يواكب الإصلاح الاقتصادي، إصلاح سياسي، يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار".
وشهد الأردن في عهد جلالته إصلاحات سياسية عديدة كان أحدثها التعديلات الدستورية التي أقرت في شهر أيلول من العام الماضي، واشتملت على تعديل نحو 42 مادة وتضمنت نصوصا جديدة تتعلق بإنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات ، وفي رسالة جلالته إلى رئيس الوزراء الأسبق، أحمد اللوزي، التي عهد فيها جلالته إليه برئاسة اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور في نيسان الماضي قال جلالته "إننا إذ نتوجه اليوم إلى الأردنيين والأردنيّات معبّرين عن ضرورة معالجة موضوع التعديلات الدستورية بمنهجية وعمق ، وحرص على الوصول إلى مخرجات ترفد الأداء المتميز لنظامنا السياسي، لنؤكد أن بلدنا يرتكز إلى إرث هاشمي راسخ في قيادة الإصلاحات الدستورية. فها هو دستور جدنا، المغفور له بإذن الله تعالى، جلالة الملك طلال بن عبدالله، مثال راسخ على الرؤية الوطنية الشاملة".
وكان جلالته تسلم في الرابع عشر من شهر آب الماضي، التوصيات المتعلقة بالتعديلات المقترحة على الدستور التي وضعتها اللجنة الملكية. وقال جلالته في كلمة له بهذه المناسبة "نقدم اليوم لشعبنا العزيز، ولأجيال الحاضر والمستقبل هذه المراجعات والتعديلات التاريخية التي تعكس مستوى النضوج السياسي والقانوني الذي وصل إليه الأردنيون، وهم على أبواب مئوية دولتهم، التي تأسست على قواعد الحرية والوحـدة والمساواة".
وأكد جلالته أن "التوصيات خير دليل على قدرة الأردن على تجديد حياته وتشريعاته، والسير نحو المستقبل برؤية إصلاحية اجتماعية وسياسيـة تقوم على ركنٍ أساسي يتمثل بمشاركة شعبية أوسع، وفصلٍ بين سلطات الدولة".
وفي الرسالة التي وجهها جلالته في شهر آذار من العام الماضي، إلى رئيس مجلس الأعيان، طاهر المصري، والذي ترأس لجنة الحوار الوطني، أكد جلالته "أهمية الوصول إلى صيغة لقانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى إفراز مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين، ويضطلع بدور رائد في تكريس العدالة والنزاهة والشفافية وسيادة القانون، وإحداث نقلة نوعية في العمل النيابي، وأن تتوصل اللجنة إلى تشريع يثري التعددية السياسية والحزبية القائمة، ويكرسها نهجا راسخا، يمكن القوى السياسية الفاعلة كافة من المشاركة في العملية الديمقراطية وصناعة القرار، عبر أحزاب ذات برامج تعبر عن طموحات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم، خاصة فئة الشباب منهم".
كما جرى تشكيل لجنة الحوار الاقتصادي للبحث في الفرص المتاحة لتنمية الاقتصاد الوطني ولمواجهة التحديات في مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية على قاعدة الشراكة الوطنية بين القطاعين العام والخاص ووضع خطط قصيرة المدى ومتوسطة المدى لهذه الغاية.
وجلالته يؤكد دوما على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية هي مسؤولية جماعية يتحملها كل من الحكومة وجميع مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، وأن وحدتنا الوطنية خط أحمر لن نسمح لأي كان العبث بها، وفي خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السادس عشر قال جلالته "لقد تأسس الأردن على مبـادئ البيعة وتقوى الله والعدالة للجميع أمام القانون، ومن هنا انطلقت الثـورة العربية الكبرى، مطالبة بالوحدة والحرية، وأصبح الأردن موئلا لجميع الأحرار من إخوتنا في القومية والعقيدة، وقد بنى أجدادنا الأردنيون في هذا الحمى وطنا للحرية والعدالة والمساواة، فالأردن لكل الأردنيين، والانتماء لا يقاس إلا بالإنجاز والعطاء للوطن، أما تنوع الجذور والتراث فهو يثري الهوية الوطنية الأردنية، التي تحتـرم حقوق المواطن، وتفتح له أبواب التنوع ضمن روح وطنية واحدة تعزز التسامح والوسطية".
ويحرص جلالته على الوقوف على مواضع الخلل وتصويبها ومتابعتها عن كثب. وكثيرا ما يزور جلالته المؤسسات والدوائر الرسمية والخدمية متخفيا لمعرفة الواقع والاطلاع بنفسه على طبيعة الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات، وفي غمرة احتفالات المملكة بعيد ميلاد جلالته الخمسين الذي وافق الثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي، افتتح جلالته دائرة خدمة الجمهور في الديوان الملكي الهاشمي بهدف تسهيل إجراءات المواطنين وتلبيتها وتسريع تنفيذ الخدمات التي يحتاجونها وتأكيدا على أن الديوان الملكي العامر هو بيت للأردنيين جميعا، وتشتمل هذه الدائرة المستحدثة على مكتب لمعالجة المرضى غير المؤمنين صحيا ومكتب خدمة المتقاعدين العسكريين ومكتب الحالات الإنسانية.
ويهتم جلالته بشكل خاص بتنمية المحافظات، فجاءت مبادرة جلالته في إنشاء المناطق التنموية في عدد من المحافظات بهدف جذب الاستثمارات الخارجية وتوفير فرص العمل لأبناء هذه المحافظات، كما تأسس في عام 2003 الصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية، وأوعز جلالته العام الماضي بتخصيص مبلغ 150 مليون دينار لدعم صندوق تنمية المحافظات، كما انشىء في عهد جلالته صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية قبل نحو عشر سنوات حيث استفاد من برامجه نحو مليون و600 ألف مستفيد من مختلف أنحاء المملكة.
وارتكزت مشروعات التنمية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني على توفير المزيد من الفرص أمام الشباب وتحفيزهم على المزيد من المشاركة في مجالات التقدم والازدهار كافة بوصفهم أدوات صنع المستقبل حيث حظي الشباب في عهد جلالته بدعم كبير من اجل زيادة مشاركتهم في الحياة السياسية بفاعلية أكثر، وكان أن عدل قانون الانتخابات بتخفيض سن الاقتراع إلى ثمانية عشر عاما كما شهدت المملكة انعقاد ملتقيات ومبادرات عدة تحدث فيها الشباب عن الأولويات التي يرونها ضرورية لرفعة الأردن وازدهاره، وكثيرا ما رافق جلالته عدد من الشباب الأردني في زياراته الرسمية خارج الوطن.
وفي كلمته في افتتاح ملتقى الشباب 2011 " لنتحاور من أجل الأردن قال جلالته " فنحن متفقون جميعا على أن الحوار ضرورة وطنية، وهو أفضل الوسائل للتفاهم والاتفاق، وهذا الحوار الحضاري والبنّاء هو طريقنا لإحداث التغيير والإصلاح، وهو دليل على أن وطننا يسير في الاتجاه الصحيح، وعلى أننا جميعا شركاء في تحمل المسؤولية، وأن هدفنا واحد، وهو خدمة مصالح وطننا ومستقبله المشرق بإذن الله".
واهتم جلالته بالقوات المسلحة الأردنية وأولاها جل اهتمامه ورعايته وجاءت المبادرات الملكية المتعددة من اجل تطوير هذه القوات تسليحا وتدريبا وتأهيلا ، وكان من بين هذه المبادرات صندوق الائتمان العسكري الذي أنشئ بمبادرة ملكية سامية أطلقها جلالته عام 2010 في إطار حرص جلالته على تنفيذ برامج تلبي احتياجات منتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية التمويلية بما يضمن تأمين مستوى معيشي يلبي تطلعاتهم وأسرهم في حياة كريمة.
ومن منطلق سعي جلالة الملك عبدالله الثاني لتحقيق مبدأ "العدل أساس الملك"، تشكلت اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي انسجاما مع قناعات جلالته أن لا تنمية سياسية وإدارية وتعليمية واقتصادية سوى بإصلاحات جذرية، تطال جميع محاور عملية التقاضي التي من شانها تكريس الأمن والاستقرار والشعور بالطمأنينة وتعزيز المكاسب الاستثمارية في الدولة , وفي عهد جلالته شهد القضاء تطورا ملحوظا وخاصة فيما يتعلق بتسريع إجراءات التقاضي، من خلال إيجاد آليات جديدة وفاعلة لتسريع هذه الإجراءات .
وجلالته يؤكد دوما أهمية دور الإعلام في تحقيق مبدأ الشفافية وفتح قنوات الاتصال بين المواطن ومؤسسات الدولة والكشف عن أماكن الخلل أو الفساد، وتحلي الإعلام بالموضوعية والمهنية والمصداقية، وفي كتاب التكليف السامي لحكومة عون الخصاونة أكد جلالته على "ان إطلاق الحريات الإعلامية يجب أن يتم بالتوازي مع الحفاظ على المهنية والمصداقية، والانفتاح على كل الآراء والاتجاهات الفكرية والسياسية، بحيث تكون المؤسسات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة بما فيها المواقع الإلكترونية منابر للحوار الوطني الهادف البناء، البعيد عن الغوغائية والتحريض والإساءة لصورة الوطن واغتيال الشخصية, فليس من حق أحد الإدعاء باحتكار الحقيقة أو الإدعاء باحتكار الحرص على المصلحة الوطنية".
وأولى جلالته ذوي الاحتياجات الخاصة جل العناية والاهتمام فكان ان اقرت الإستراتيجية الوطنية للمعوقين حتى يتمكنوا من العيش في استقلالية واعتماد على الذات وتفعيل مشاركتهم في الحياة العامة، وأوعز جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة عيد ميلاده الميمون الشهر الماضي بتخصيص مبلغ نصف مليون دينار لـ 81 جمعية من الجمعيات المعنية بالأشخاص المعوقين، والبالغ عدد المستفيدين من خدماتها نحو 7810.
كما أولى جلالته أهمية قصوى لتطوير التعليم بما يواكب التطورات التكنولوجية على المستوى العالمي , فشهد التعليم قفزة نوعية مهمة تمثلت بحوسبة المناهج الدراسية وتطوير المفاهيم المتعلقة بالسلام وحقوق الإنسان اضافة الى وصول اجهزة الحاسوب الى جميع مناطق المملكة بما فيها المناطق النائية.
وجاءت المبادرات الملكية التي اطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني لتشرح منهج الإسلام القائم على احترام قيم الإنسان ونبذ العنف والتطرف والدعوة للحوار ومن بينها رسالة عمان وكلمة سواء واسبوع الوئام بين الاديان من اجل تبيان صورة الإسلام الحقيقية المبنية على أسس الخير والعدالة والتسامح والاعتدال والوسطية .
وبرعاية ومباركة جلالته جرى في الديوان الملكي الهاشمي في الرابع والعشرين من الشهر الماضي وبحضور عدد من علماء الدين من مختلف دول العالم الإسلامي، التوقيع على إنشاء وقفيتي الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لدراسة فكر الإمامين الغزالي والرازي اللتين قدمتا هدية للأمة الإسلامية بمناسبة الذكرى الخمسين لميلاد جلالته وإحياء لسنة الوقف الحضارية ودوره الريادي التعليمي وبمبادرة نوعية جديدة من مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي.
وشهدت النهضة العمرانية والبنى التحتية في عهد جلالته اضطرادا مستمرا ونقلة نوعية هائلة تمثلت بانشاء المناطق التنموية في عدد من المدن الأردنية وتنفيذ مشروعات عمرانية وسكنية متعددة شملت جميع محافظات المملكة مع إعطاء الأولوية لإيجاد السكن الملائم للعديد من الفئات المجتمعية .
وعلى صعيد الوضع الاقتصادي فقد تمكن الأردن في عهد جلالته من تحقيق معدلات نمو عالية على مدى سنوات تجاوز في بعض الاحيان 7 بالمئة، وعلى الرغم من الظروف الاقليمية وما شهده العالم من ازمات اقتصادية ومالية كبيرة خلال العامين الماضيين إلا إن الأردن تمكن وبفضل توجيهات جلالته الحكيمة من المحافظة على وضع اقتصادي جيد مقارنة مع العديد من الدول التي تفوق في إنتاجها وميزانياتها الواقع الاقتصادي الأردني .
وواصل الأردن بقيادة جلالته العمل على إيجاد حل للقضية الفلسطينية ولم يأل جلالته جهدا في اطلاع العالم بأسره على عدالة الحقوق التي يطالب بها الشعب الفلسطيني وأهمية مواصلة تقديم العون والمساعدة له وتمكينه من تحقيق تطلعاته في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وكتب جلالته في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية في عددها الصادر في التاسع عشر من كانون الثاني الماضي " إن قضايا الوضع النهائي، بما فيها الحدود واللاجئون والأمن والقدس تتصدر سلم الأولويات في الأردن وهذا يعني بالتالي وجوب الوفاء بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة وذات سيادة كجزء من اتفاقية حل الدولتين التي توفر حلولا لكافة قضايا الوضع النهائي وتضمن الأمن لإسرائيل".
وقدم الأردن بتوجيهات من جلالته العون والمساعدة للأشقاء في قطاع غزة للتخفيف من المعاناة الإنسانية التي يمرون بها. واستجاب جلالته في تشرين الثاني الماضي لنداء جمعية الوئام الخيرية العاملة في قطاع غزة لكفالة 1500 يتيم،كما تواصلت الرعاية الهاشمية في عهد جلالته للقدس والمقدسات فيها ودعم أهلها للصمود في وجه المخططات الرامية لتهويد المدينة المقدسة.
وفيما يتعلق بعلاقات الأردن مع الدول العربية، فلقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني، على إدامة التنسيق والتشاور مع إخوانه القادة والزعماء العرب، وعمل على تقوية علاقات التعاون وتمتينها في مختلف المجالات، خدمة للمصالح المشتركة، وتعزيز دور الأردن الإيجابي والمعتدل في العالم العربي.
وترتكز سياسة الأردن العربية على أساس المواقف المبدئية والثابتة النابعة من التزام الأردن التاريخي والقومي للدفاع عن مصالح الأمة وخدمة قضاياها العادلة، وما توانى الأردن بقيادته الهاشمية عن المشاركة في جميع القمم العربية التي عقدت. وكانت عمان محطة مهمة للقادة والزعماء العرب للتشاور والتحاور في مختلف القضايا التي تمس الأمة، وكانت حاضنة للقمة العربية التي عقدت في عام 2001. كما أن الأردن شارك في كل الجهود الرامية إلى توحيد الصف العربي ونبذ الفرقة والخلاف بين الأشقاء، ومأسسة العمل العربي المشترك، وبلورة مواقف عربية موحدة للتصدي للتحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية.
كما استمر الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، في جهوده لتعزيز وتمتين علاقاته وبمد جسور التعاون والانفتاح مع جميع دول العالم، ولقد عزز جلالته علاقات الأردن مع دول العالم والتقى عددا كبيرا من قادة وزعماء ورجالات الفكر والاقتصاد في شتى أنحاء العالم .. يؤكد حضور الدولة الأردنية في المجتمع الدولي وعلى كافة المستويات، ويرسخ صوت الأردن المعتدل، الذي ينادي بالعدالة وتكافؤ الفرص للمجتمع الإنساني، إضافة إلى تذكير العالم بمسؤولياته الأخلاقية تجاه العديد من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ( بترا )