(المُقريطية) لمن أساء فهم الديمُقراطيَّة!
كتب الكثير الكثير ممَّن يتفوَّقون عليّ بالتَّفنُّن بالمُفردات اللُغويَّة أو اختيار العبارات الرنَّانة في وصف واقع الحال الذي نعيشُه، ولكن ما لا أُريد المُساومة عليه هُو حُبِّي وانتمائي لهذا الوطن الغالي أنا والأُردُنيّين الذين اكتفوْا بالاستماع والنَّظر لما يدور حولهُم في جنبات وأحضان هذا الوطن الدّافئ، ولم تكلّ ولا تملّ أيديهم المرفوعة إلى السَّماء، وألسنتهُم تتضرَّع إلى الله العليِّ القدير بالدُعاء: (الله يلطُف! الله يلطُف!).
الدُعاء باللُّطف قد يدعو به الشخص في حال إحساسه بدُنُوّ خطر مُعيَّن منه، فلرُبَّما نُحسّ جميعًا بهذا الشُعور ولكن نُحاول خداع أنفُسنا بأنَّ احتماليَّات اقترابه بعيدة!
نعم قد تبدو هذه الاحتماليّات بعيدة، أو قد تكون مُستحيلة! لكن بشُروط، فلو أننا لم نقُم بتفقُّد مكابح السيّارة، وعمل الصِّيانة اللازمة لها، وربط أحزمة الأمان، وغيرها من أُمور السلامة، وارتفع بنا العنان في الطُرُق، وقُلنا: (الله يلطُف!)، فهل نتوقَّع اللُّطف فعلاً؟! فالله عزَّ وجلّ ليس بعاجزٍ عن ذلك، ولكن اللُّطف من اللطيف يحتاجُ إلى شُروطٍ واضحة!
لا أُحاول اللَّفّ والدَّوران والتَّلاعُب بالعبارات لإخفاء شُعوري وشُعور الشُّرفاء في هذا الوطن بدُنُوّ الخطر منّا، فشرارة الخطر مازالت مدفونة تحت الرَّماد، وكما يُقال ثمة دُخان يتصاعد من هذا الرَّماد، وما يقوم به البعض من اعتصامات هُنا وهُناك هُو النَّفخ على هذا الرَّماد حتَّى يُصبح جمر مُتوهِّج يحرق الأمن والاستقرار في وطن تنعَّم ويتنعَّم وسيتنعَّم بهذه النِّعمة مُنذُ تأسيس إمارة شرق الأُردُن حتَّى يومنا هذا، فهذه الأنفاس الحليمة، المُتوازنة، الهادئة، الدّافئة، التي يتنسَّمها الهاشميون، أبقت هذا الرَّماد خامدا،ً ساكنًا، دافئًا دفء الشَّمس الرَّبيعيَّة، لا يتطاير منه أيّ شرر يحرق أو يُوهِّج من وطأ تُراب الأُردُن، سواء مُواطن أو سائح أو مريض أو طالب أو لاجئ أو أو أو ...
لن نستطيع إحصاء من زار واستقرَّ واستثمر على أرض وطننا، هؤلاء جميعًا دون استثناء، لو أنَّهُم شعرُوا وأحسُّوا أيَّ وهيجٍ يقترب منهُم، لفضَّل أكثرهُم المُغادرة دون تردُّد!
كُل هذا الذي أقولُه وأعتبر نفسي مُقصِّرة في حق وطننا الغالي، فالانتماء والولاء لا يُمكن لأي قرطاسيَّة مهما اتَّسعت أن تستوعب العبارات التي تفي جنبات الوطن حقَّها!
المُطالبة بالديمُقراطيَّة ليست برفع اللافتات والاعتصامات العشوائية التي أصبح يُهدِّد بها كُل شخص غير مسؤول، تنبعث من أنفاس حُنجرته نيران تُساهم بدُنُوّ الخطر وتزايُد الدُخان السّام الذي قد ينتشر بسُرعة كبيرة بين أطراف الوطن من العقبة إلى عقربا، ولن تستطيع عند ذلك أي من وحدات الدِّفاع المدني السَّيطرة عليه مهما علت جاهزيتها، وسنُسلِّم موسم الربيع الجميل المليء بالدَّحنون وأزهار السَّوسنة للفضائيّات الحاقدة والحاسدة لأجواء أنفاس الربيع الدّافئة، السّاكنة، المُعبَّقة بالرّائحة الطّاهرة المُنبعثة من احتكاك الأيدي المُتلاحمة في هذا الوطن كاحتكاك أيدي طُلّابنا في الطّابور الصّباحي، حتَّى تسري بعُروقها الطّريّة دماء الشَّرف والانتماء!
لطالما تردَّدت على مسامعي عبارة أطلقها والدي الذي خدم في مدارس الهاشميين، وسقا بعرق جبينه ما وُلد معنا من رحم أُمِّنا، وتغذَّينا عليه من الحبل السُّرِّي، ورضعناهُ من ثديها الأُردُنيّ، من حُبٍ لمُلوكنا الهاشميين! العبارة تقول: (المُقريطيّة لمن أساء فهم الديمُقراطيَّة!)، وكما قال أبي: (يابا المُقريطيّة هي عصا ثخينة يُسمّيها النّاس "قرطة " ويحتفظ بها البعض لاستخدامها عند الحاجة).
إذا كُنتُم تُطالبون بالديمُقراطيَّة في كُلِّ شيء، فأنا من باب الاختباء وراءها أقولُ لكُلِّ من أساء فهم الديمُقراطيَّة: (أنتُم تحتاجون لمُقريطيّة تتلاعب بانسجام على جُلودكُم، حتّى لا تجُرّونا إلى هاوية وشرر وقدح مُتطاير وأنفاس شرّيرة!!).
نحنُ بنعمة نُحسد عليها! ليس المطلوب منكُم سوى الإمساك بـ(الريموت كونترول) وتقليب تلفزيوناتكُم بين المحطّات الفضائيّة وفهم كلامي بحذافيره!
هداكُم الله، والله يلطُف! الله يلطُف!