لا قيمة لحاكم إلا بجدارته وتضحياته من أجل وطنه وشعبه
تختلف نظرة الناس إلى الحاكم من مجتمع إلى أخر ومرد ذلك إلى الثقافة المجتمعية التي ينشأ عليها أبناء المجتمع ففي الغرب لا نرى تلك القداسة للحكام أو الركض وراء مواكبهم أو وصفهم بصفات المدح والتبجيل الزائف بل قد نرى خلاف كل ذلك فقد نرى حاكماً غربياً يقذف بالطماطم أو بالبيض أو يطرد من مطعم أو غيره من الأماكن العامة
مما لا شك فيه أن التقدير الجماهيري لبعض حكام الغرب من قبل شعوبهم موجود لكن علينا أن ندرك بأن الفيصل بين الذم والمدح بالنسبة للحاكم في الغرب هو مقدار جدارته وتضحياته من أجل الوطن والشعب كما أن هذا التقدير الجماهيري يظهر عندما يخدم الحكام مجتمعاتهم خدمات جليلة من خلال صناديق الاقتراع وليس من خلال المُسيرات بالضم التي تهتف بحياة الحاكم الذي لم يخلق الله له نظير
يعلم الجميع بأن الغرب لم يكن هكذا فقد كان الناس في القرون الوسطى يعيشون تحت وطئة تسلط الملوك بل حتى الملوك أنفسهم كانوا يعيشون تحت سلطة بابا الفاتيكان الذي كانت سلطته تفوق سلطتهم لكن تفجر الثورة الفرنسية والتي تعد أهم ثورة ديمقراطية في الغرب والتي استمرت لعشر سنوات شكل نقطة تحول في الثقافة المجتمعية الغربية فخرجت الأصوات التي تطالب بالحرية واحترام الإنسان وبالطبع رافق ذلك خروج أصوات تطالب بفصل الدين عن الدولة وذلك للتخلص من هيمنة الكنسية على الدولة
فالغرب نحج قبل قرون من التخلص من تبجيل الزعماء والقادة وأخذ ينظر إلى الحاكم على أنه شخصية مكلفة بخدمة المجتمع فإن لم يتمكن من ذلك عليه أن يسلم الدفة للأجدر الذي بدوره عليه أن يثبت جدارته في خدمة الشعب وإلا رحل كسابقه وقد شكل هذا الأمر أحد أبرز أسباب تقدم الغرب فالحاكم أو المسؤول الغربي أخذ يدرك بأن قيمته ليس بما ينهب أو يسرق من مقدرات الوطن بل بمدى جدارته وبراعته في قيادة دفة الحكم وأن عليه أن يقدم للشعب انجازات وطنية تخلد اسمه في التاريخ كقائد أمة وليس كزعيم عصابة
ومن المؤسف أننا في العالم العربي عندما نحكم على قائد ما فإننا لا ننظر إلى كفاءة الحاكم أو مدى الانجازات الوطنية التي قدمها لشعبه بل بعضنا يكاد يرفع من بعض الحكام إلى مصاف الخلفاء الراشدين ويغفل أن هذا الحاكم لم يقدم لشعبه إلا القتل والتنكيل والقمع ولم يفلح إلا بسرقة أموال الوطن ومقدراته
إن متاجرة بعض الحكام بالقضية الفلسطينية لن تنفعهم في غسل عار الديكتاتورية التي يمارسونها بحق شعوبهم فحرية فلسطين لا تكون على جثث الشعوب العربية والحاكم الذي يحرم شعبه الحرية والكرامة لن يستطيع جلبها لأهل فلسطين ولذلك فأنه من العار الوقوف مع حاكم يقتل شعبه لمجرد أنه يتغنى بفلسطين بل فلسطين براء من هؤلاء وأمثالهم ...