مثقفون يعرضون تحديات الاعلام الثقافي
المدينة نيوز - اتفق مثقفون على أن المشهد الثقافي الإعلامي يواجه العديد من التحديات ، خصوصا في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة وما شكله الربيع العربي من رؤى وافكار جديدة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
ودعوا إلى توفير دراسات لمعرفة مدى توافق مضامين ما يطرح في الصحافة الثقافية والمواقع الالكترونية وانسجامها مع حاجات الجمهور وتطلعاته وميوله وآماله في بناء ثقافة وطنية تسهم في تطوير المجتمع كغيرها من المجالات التنموية .
مدير مديرية المشاريع الثقافية في وزارة الثقافة الدكتور أحمد راشد اشار الى أهمية الإعلام الثقافي في تنويع مجالات المعرفة وبناء حوار متعدد بين مختلف الاتجاهات وايجاد حالة ذات صلة مباشرة بتشكيل الرأي العام.
ورأى أن الإعلام الثقافي يمكنه أن ينقل ويعرض الفعل الثقافي للجمهور، ويعالج ويحلل الأحداث والتطورات والظواهر ذات البعد الثقافي التي تسهم في رفع سوية الوعي ونشر المعرفة وتساعد في تحديد الاتجاهات والميول.
وقال إن الإعلام الثقافي كجزء من المنظومة الإعلامية يمارس دور الموجه للمجتمع للوصول إلى الرأي العام وتغييره، وبما ينسجم مع خطته والعمل ضمن فريق واحد مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني مثل الجمعيات والروابط والأندية الثقافية والشبابية والأحزاب والنقابات والمؤسسات الثقافية المستقلة والجامعات وغيرها.
واكد راشد أنه يقع على عاتق هذه الجهات مسؤولية الاهتمام بالعمل الثقافي ، الذي يجب أن يُبنى على أسس علمية مستندة إلى الواقع المعيشي، وإلى الظروف والمشكلات والظواهر التي يعيشها المجتمع، بمعنى أن يكون الإعلام الثقافي مبنيا على الموضوعية ونبض الشارع ومواكبا لميول الجمهور وتطلعاته وآماله.
وقال مدير الدائرة الثقافية في صحيفة الغد القاص نادر الرنتيسي ان الإعلام الثقافي بعد مرور عام على الربيع العربي، غير مدركٍ تماماً للتحولات الجوهرية التي طرأت على المتلقي الذي لم يقبل بكلِّ ما يلقاه على هيئته، خصوصا أنه قد يكونُ أحد الكثيرين الذين اسهموا في صناعة الربيع عبر دوره الإعلامي من منبره الخاص في (فيسبوك أو تويتر أو المدونة) .
واضاف لقد بات المتلقي مرسلا، وأحياناً صانع الخبر، وله تأثيره في النقد في جمهور قد يكون محدودا أو كبيرا, وبالتالي فإن (حالة النقد) السائدة لدى المزاج العربي العام ، تفرض إعادة تعريف شاملةٍ للإعلام الثقافي ودوره في هذه المرحلة الفارقة في تاريخ المنطقة.
لكن الرنتيسي يعتبر أن الإعلام الثقافي وكما كان المبدع العربي، والمثقف عموما، عاجزا عن توقع (اللحظة التاريخية)، بالإغراق بالسوداوية وتكثير المستحيلات، وان الإعلام الثقافي ما يزالُ بمجمله أقل من مستوى الحدث، وراصدا له من بعيد، بدون فعالية تذكر أو بصمة تضيف شيئا للمشهد العام.
ويقول رئيس القسم الثقافي في صحيفة الدستور الشاعر نضال برقان ان التحديات التي تواجه الإعلام الثقافي من وجهتين مختلفتين ، الأولى من جهة ما يواجهه الإعلام بشكل عام، من حيث هو رسالة إنسانية، قبل أن يكون صناعة مجردة ، منحازة إلى رأس المال وسلطته، والثانية من جهة ما يواجه الثقافة، من حيث هي هوية جمعية، على الرغم من أنها لا تشكل أولوية لدى المؤسسات أو الأفراد وربما حتى لدى مثقفين .
ويقف برقان على بعض التحديات التي تواجه الإعلام الثقافي ، إذ عليه العمل على إنتاج مواد صحفية، تعكس راهن المشهد الثقافي بموضوعية ومهنية ونشر المنتج الثقافي وترويجه محليا وعربيا، والذي يكون من خلال ملاحق متخصصة.
وأكد أهمية وجود إعلام ثقافي استقصائي، يثير الأسئلة ويجتهد في الإجابة عليها، فيما يتعلق بكثير من مؤسساتنا الثقافية (المتعثرة ) ودور الجامعات الرسمية والأهلية، حيث تبرز الحاجة إلى إعلام ثقافي ينشغل بنشاطات الجامعات، وعقد ندوات ثقافية متخصصة، تبحث الشأن الثقافي في الأطراف بمشاركة مثقفين وإعلاميين ، وربما تكون تلك الندوات بابا لاستقطاب الإعلام إلى الأطراف.
واشار امين سر رابطة الكتاب الأردنيين الشاعر هشام عودة الى ان التحديات التي تواجه الإعلام الثقافي كثيرة وفي مقدمتها عدم الاعتراف بالثقافة كركيزة لتطور المجتمعات، مؤكدا على تراجع دور الإعلام الثقافي المطلوب أن يقوم بترويج الفعل الثقافي والتدليل عليه.
وقال " إن القائمين على وسائل الإعلام لا ينظرون إلى الاعلام الثقافي نظرة توازي نظرتهم لمسميات الإعلام الأخرى، كالسياسة والاقتصاد والرياضة وغيرها، لتظل الثقافة أشبه بالحمل الثقيل، والتعامل معها ناجم عن حالة (رفع العتب)، لذلك من النادر جدا أن ترى خبرا ثقافيا على الصفحات الأولى للصحف الورقية، والأمر لا يختلف كثيرا في الصحافة الالكترونية ".
واشار عودة الى عدم وجود مرجعية واحدة للهيئات والمؤسسات الثقافية، وتشظي جهود هذه المؤسسات وتشابه فعلها في الغالب.
ودعا إلى إعادة تعريف الثقافة، والاعتراف بثقافة الحراك الشعبي التي بدأت تفرض نفسها ومصطلحاتها في الشارع، وربط الثقافة بالتنوير وهوية الأمة، التي باتت مستهدفة من خطابات ظلامية لفرض أفكارها على حياتنا , اضافة الى الابتعاد عن التهميش والإقصاء، مشيرا إلى أن البيانات التي تتقدم بها الحكومات لنيل الثقة من البرلمان، أو بيانات الكثير ممن يترشحون للبرلمان وشعاراتهم، نجدها خالية من إشارة للثقافة .
وقال رئيس اللجنة الثقافية في نقابة الصحافيين الأردنيين محمود الداوود إن ما يكتب في الإعلام الثقافي عبر وسائل الإعلام ، يسير بنمط تقليدي لا يعدو كونه نقلا إخباريا أكثر منه صناعة لمنتج ثقافي،حيث تغيب القراءات النقدية التحليلية والتفصيلية حول أي منتج ثقافي، إلى جانب غياب النقد الحقيقي من المتخصصين، وغياب أصحاب الأفكار النيرة.
وأكد الداوود ان الثقافة ليست محصورة بقاص او شاعر او ناثر او فنان، فالثقافة هي كل صنوف العلم والأدب , هناك ثقافة علمية وأدبية وسياحية ورياضية، والثقافة تدخل حتى في مجال التربية، وتشمل كل متطلبات الحياة، وهي مختلفة عن الأمر العلمي البحت.
وأعطى مثالا على ذلك، فهناك ثقافة فيزيائية وثقافة علوم فيزيائية، لان حصر الثقافة بين الأدب والفن هو انتقاص من شمولية الثقافة.
وقال إن التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام الثقافي هو عدم فهم معنى الثقافة بمنطقها الشامل، وحصره في اتجاهات محددة، لافتا إلى أن أبرز عيوب العمل الثقافي انحياز من يمتلك أدوات نقل الأحداث إلى أدباء أو شعراء أو فنانين بعينهم وإهمال آخرين ، بأكثر من حجة، وهذا ما أسميه تجيير الإعلام الثقافي الذي يملكه هذا الشخص لمصالحه الخاصة على حساب المنتج الثقافي الأدبي والفني.
ودعا العاملين في المجال الثقافي إلى الانفتاح الكامل على كل المبدعين وكل صنوف الثقافة ، وإيجاد اتحاد للإعلام الثقافي أسوة باتحاد الإعلام الرياضي، من أجل النهوض بالعمل الثقافي وهذا يحتاج إلى ترتيبات وتعاون وثيق بين الجميع.
واستغرب الشاعر مهدي نصير غياب الثقافة عن الإعلام المرئي والمسموع من خلال الفضائيات والإذاعات الرسمية والخاصة التي ليس من ضمن أولوياتها أي جانب متعلق بالعمل الثقافي وتغطيته بشكل مهني يليق بالدور الذي تقوم به الثقافة في بناء المجتمع وتنمية أجياله .
وطالب بإعادة النظر في إنتاج الثقافة ودعم الثقافة الحقيقية والمبدعين وتوجيه إعلام مهني يقوم عليه مثقفون مهنيون قادرون على القيام بهذا الدور الهام في تعزيز الثقافة ودورها في المجتمع .
-- ( بترا )