السلط .... تحتضر
نظره تأملية بسيطة إلى تاريخ مدينة السلط يستطيع المرء أن يستنشق عبق العراقة، وزهوة التاريخ، فهذه المدينة كانت في مركز القيادة دائماً، وكانت الرحم الذي تنبت منه جميع المبادرات البناءة، التي كان لها كبير الفضل في أخراج أردن اليوم إلى حيز الوجود.
ففي هذه المدينة كانت أول بلدية في الأردن ، وأول مدرسة ثانوية في الأردن ، وأول غرفة تجارة في الأردن، وأول جمعية للرفق بالحيوان في الأردن، وأول مقياس مطر في مدرسة السلط الثانوية، وأول مكتبة في الأردن، وأول مدرسة بُنيت بعمل تطوعي، وأول مسجد بني بعمل تطوعي وجمع التبرعات (مسجد السلط الصغير 1905)، وأول شبكة إنارة عامة للمدينة (1923(، وأول مشروع رصف بالبلاط للشوارع العامة (1927(، وأول مسرح في المملكة، وأول فرقة كشفية، وأول فرقة موسيقية (1925( ،وأول خريجين في الأردن، وأول حقوقيين في الأردن، وأول مهندس في الأردن (عبد الرزاق فلاح خريسات)، وأول وزير معارف (أديب الكايد)، وأول عاصمة سياسية، وأول مدينة تشكل فيها العمل الحزبي بالتعاون مع الكرك واربد. وأول مستشفى (الإنجليزي)، وأول مكتب بريد في المملكة، ورجالها أول من بايع الأمير الحسين بن علي ملكاً على العرب، وأول مجلة ثقافية في مدرسة السلط الثانوية، وأول شبكة مياه في الأردن، أول ترقيم للمدينة (1927)، وأول جمعية شبان مسلمين (1928(، وأول مؤسسة إعمار السلط، وأول وثيقة شعبية للعادات والتقاليد، و أول وثيقة لمنع الفتنة في المدينة الأمر الذي مكنها من حفظ الأمن والمحافظة على أرواح الناس في أحداث (1970)، وأول وثيقة لتأسيس جامعة في الأردن تحتوي على آلاف الموقعين عام (1955)، وأول مدرسة خاصة دير اللاتين (1860). وأول مقهى ثقافي، وأول مصنع للأدوية في الأردن، وأول جمعية لمكافحة إطلاق العيارات النارية، وأول مخطط إقليمي متكامل لمدينة أردنية، والقائمة تطول.
بالأمس قرأت مقاله للكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي في جريدة الرأي الأردنية حول مبادرة أطلقها أبناء مدينة الرمثا الأردنية للحد من معاكسات المراهقين أمام مدارس الإناث في المدينة، حيث شكل أبناء المدينة لجان محليه من كبار أبناءها، تكون مهمتهم التواجد في ساعات الصباح والظهيرة أمام هذه المدارس للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة، ويقول الكاتب أن هذه المبادرة قد حققت الهدف المرجو منها، وان الظاهرة الآن في طريقها إلى الزوال، في حين أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في مدينة السلط بشكل ملفت، وعلى مدخل جامعتها الوحيدة، في ظل صمت رهيب لوجهاء المدينة وأعيانها ونوابها وقادة الرأي والفكر فيها للذود عن أعراض بناتنا ومقدرات مدينتنا، في موقف لا يضاهيه خزياً موقف آخر.
أن مبادرة كتلك التي قام بها أبناء الرمثا كان الأولى أن تنطلق من السلط، ومن ذلك التاريخ الناصع، من أم المبادرات، وإذا كانت الرمثا أول المبادرين بها، فالأولى أن تكون السلط أول المدن الأردنية التي تطبقها لمرارة الواقع وصمت أعيان المدينة ووجهائها.
أنني أناشد الغيارى من أبناء المدينة الأحرار الشرفاء، الغيورين على هذه المدينة تشكيل لجان محلية للذود عن بناتنا ومدينتا، اليوم وليس غداً ، فالوضع جد مأساوي، وهذه المدينة تستحق منا الكثير، في وقت أرى فيه مدينة السلط ، أم المبادرات، تحتضر.