النظام يكسب رهان الوقت
بعد مضي ما يقارب عام ونصف كسبت مؤسسة الحكم الرهان على عامل الوقت لتبريد حمى الاحتجاجات ،واستخدمت شعرة معاوية في ملاعبة الشارع أفضل استخدام ،وبدأت أمواج حركة الربيع بالانحسار ما إن لاح وميض الإصلاح الذي صدر عن الحكومة باتخاذ الخطوات الأولى من مسيرة ألألف ميل الإصلاحية .وعلى طريقة (اقدحلي بضويلك ) حسنت الدولة المزاج الشعبي ،واستطاعت خلال الفترة الأخيرة توسيع دائرة الرضي وتحويل اتجاه الحراك إلى مسيرات صديقة للدولة.
نجا النظام. واستطاع بعبقريته حقن دماء الأردنيين بصلابة وحزم ،وتمكن بهذه وحدها من طرد مشروع الثورة الانقلابي الذي قرع الأبواب، وأغلق المنافذ لمنع دخول جسيمات الفتن المشحونة ، ولولا التوترات والتجاوزات العابرة التي حدثت على الدوار الرابع لأمكن القول انه انتهى كل شيء، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المسيرات والاعتصامات الديمقراطية ظاهره أردنية مرغوب فيها ،وهي بالغة ومستقرة منذ ما يقارب ربع قرن من الزمن وليست بفعل الربيع العربي الوليد .
بدأت مرحلة العودة إلى الواقع ،وتكشفت الحقيقة ،ومالت الأوضاع مؤخرا الى الاعتدال، والاكتفاء بطلب المستطاع ،فلم يكن لدى الدولة عفريت مسخر من الجن يستحضر احتياجات كل الناس ويحقق رغباتهم المتضاربة قبل ان يرتد أليهم طرفهم. ومع مرور الوقت زالت مظاهر استعراضات الصبية وتجاوزاتهم واختفى نزق الصغار لنيل مطالبهم الآن .وتلاشت الحركات الرقمية البلهاء التي تصر على تحقيق كل الإصلاح دفعة واحدة .وأفشلتها الخبرة الديمقراطية التراكمية وأنتجت حركة تصحيحية ذكية موصلة إلى الأهداف ،رسخت القناعة لدى كل أطراف المعادلة السياسية أن رضا الناس غاية لا تدرك وانه(امشي على مهلك تصل بكير).
على قاعدة الزمن كفيل بالتهدئة استطاع النظام تطوير اختبارات تشخيصية لخريطة المعارضة المجزاة ،وتحليل حالة التفتت الاحتجاجي التي كان ينقصها الكثير من العناصر الإصلاحية السياسية ،وتركيزها على تبني شعارات خدماتية او شخصية سائبة لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية أضعفت الحراك ولم تكن صالحة لتشكيل قاعدة تغيير بالمفهوم السياسي الذي ساد الثورات العربية.
توقيف كبار المتورطين ،وانقطاع حبل الفساد ،وظهور بدايات التغيير كانت كافية لأعاد ثقة المواطن بمؤسسة الحكم مشاعر وسلوك . وتقلصت عضلة الانحراف والشذوذ ،واتعظ الأردن بغيرة ،واستقرأ بكل مكوناته ما جرى في الميادين العربية التي اجتاحها إعصار التغيير، وتمكن من تجنب تداعيات الانفجار العظيم وتفكيك تركيبة الفتن والعنف .