أنا لست معكم .... أنا لست ضدكم
إن كان القهر حالة اجتماعية عامة تضرب الأمة على وجوهها وأقفيتها , في زمن الهزائم الفكرية والسياسية والعسكرية , فإن التمرد والثورة على الواقع المهترئ المأزوم يكون غالبا ظاهرة فردية لا يقدر على ممارستها وتحمل مسؤوليتها إلا الرجل المتميز في تكوينه النفسي والفكري والسلوكي ,وفي هذه الحالة يكون الرجل " الظاهرة " شاهد احتجاج على عصره في رفضه للواقع وتحصنه ضد عوامل الفساد والانحلال " , وحتى يكون الوصف أكثر دقة وتعبيرا , دعونا نستبدل كلمة الرجل الواردة أعلاه بكلمة الفرد , ليشمل المصطلح بهذا كلا الجنسين – الذكور والإناث – في محاولة جادة مني لاستمالة الغالبية العظمى من قراء هذا المقال ..
إن الناظر إلى تاريخ ما أسموه بمحاولات الإصلاح الجادة ومحاربة الفساد يجد أنها كانت في كثير من الوقت تبدأ من عقل شخص واحد أو من عقل غيره , إلا أن المنفذ لهذه المحاولة غالبا ما يكون شخص واحد .. يقتنع بفكرة معينة ويحاول أن يحقنها كمطعوم يؤخذ مرة واحدة في العمر ولكنه هذه المرة في العقل وليس في مكان آخر ,,
وإذا تعرضنا جيدا لقراءة سيرة هؤلاء الأشخاص الذين بدأوا بهذه المحاولات كل على حدى , أي كان مكانه وأية كانت بلاده فإننا سنجد ما يخالف التركيبة النفسية والفكرية والسلوكية المطلوبة في الشخص الساعي وراء الاصلاح ومحاربة الفساد .. إنها في الغالب رغبة بالتخلص من شيء ما ,, قد يكون الظلم والغطرسة إحدى أسبابه , ولكنه في الحقيقة – الشخص - توقف عند منعطف طرق محير , لم يستطع أن يتخذ لنفسه قرارا سوى أن يقوم بالخلاص من هذا الجسد الذي يحمل في قمته عقل اشتغل بالتفكير في كل شيء يؤدي إلى الخلاص من جسده بدءا من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه ..
الأمر الذي يدعم ما أتيت به أن رحلة الإصلاح التي قادها البعض في البلاد العربية المجاورة قد انتهت , وخلفت شيء قريبا مما خلفته الحروب العربية الغابرة ,, قيادات قد تركت القيادة , وشعب عاد مرة أخرى إلى الفوضى العارمة التي كان يعيشها قبل الحرب الأهلية التي لبست قناع الاصلاح ,, وبهذه الطريقة لا بغيرها نكون قد قدمنا خدمة لا مثيل لها لؤلئك الراغبون بهكذا نتائج ومنهم على سبيل المثال لا الحصر , الكيان الإسرائيلي , فإنه من الأفضل لهم أن يقفون موقف المتفرج لا موقف المشارك في هذه الحرب , حتى لا يخسرون شيء من عدتهم ورجالهم .. ونكون بذلك وبكل سذاجة حققنا السيناريو الموجود في قصة كان جدي رحمه الله يرويها لي دائما ويختمها بجملة لا زال لها صداها في أذناي " أكلت يوم أكل الثور الأبيض ".
أما عن صلب الحديث ومغزاه .. تلك التجمعات الكثيرة التي تتواجد اليوم على الساحة الأردنية والتي لا تقل رغبتها الداخلية وطموحاتها الغير معلنة عن النتائج التي وصل إليها الجميع هناك في البلاد المجاورة . ليس لسبب معلن ولا حتى لسبب حقيقي موجود , نستطيع لأجله أن نصفق لهم ونمشي من ورائهم ,, لا أنكر هنا ولا ينكر غيري وجودا ملموسا للفساد الذي بات كالمرض العضال يفتك في كل شيء أمامه , ولكن البداية التي بدأتها هي ما تجعلني أستنكر على هؤلاء الداعين للإصلاح رغبتهم , فإنني ما وجدت في أي منهم القدرة على تقديم رأيه بطريقة حضارية مقنعة وحوارية . فافتقر أكثرهم إن لم يكن كلهم إلى المتميز في تكوينه النفسي والفكري والسلوكي , فوجدنا هتافات لم توصل الرسالة وتصرفات لم تؤدي إلى الهدف المنشود .
وحتى لا يتهمني البعض بما أتهمنا به أحدهم قبل أيام عندما سمى الموالون بالبلطجية المستأجرين فإنني سأسارع بالدفاع عن نفسي لأقول لكم أنني كنت مرافقا لأشد الرموز المنادية بالاصلاح وبعدها بالمعارضة لأكتشف سريعا بأن الغاية غير الغاية والهدف غير الهدف , وتنال مني الصدمة ما تنال عندما تدخل الشهرة الاجتماعية على خط المناداة بالاصلاح , فيكون الداعي للإصلاح إبراز الذات ولا شيء غير الذات ,, وجميل قول من قال " فاقد الشي لا يعطيه " فكيف بالذي ينادي بالاصلاح يستخدم السيارة الخاصة بعمله للذهاب إلى هنا وهناك ..
أما عن الفساد في الأردن فإنه موجود كما أشرت .. ليس في الأردن وحسب . ولكن في كثير من دول العالم الشرقي منها والغربي ,. إن لم يكن فيها كلها .. ولكن علاجه ومحاربته لا تكون بالالتفاف حول الرايات المشبوهة في أهدافها أو حتى أهداف من يدعمها .. فإن أمثال هؤلاء يتقنون جيدا لعبة الطخ على كل شيء , حتى على الأشخاص الذين يمشون ورائهم في لحظة ما ,, ليصلوا إلى الإنفراد بالذات مع الذات , ويتربعون على برج الشهرة السياسية أو الاجتماعية أو غيرها ., فالمطالبة بالاصلاح لا تلتقي مع المعارضة ,, والمعارضة للسياسات لا تلتقي مع المعارضة للأشخاص ,, إلا أن المنادون بالاصلاح عندنا دخلوا إلى الساحة لا يدركون كل ما فيها فبدأوا من قمة الهرم , رغبة منهم بالوصول السريع إلى الشهرة , إلا أن البداية السريعة أدت إلى نهاية سريعة لهم , وتكشفت نواياهم كما تتكشف أغصان أشجار الخريف ,, يوما بعد يوم ...
هي معادلة صعبة تلك التي نحاول المشاركة في حلها .. وتزداد صعوبة هذه المعادلة بازدياد المتغيرات فيها , الساكت عن الحق شيطان أخرس ,, والمنادي بالاصلاح لا يمتلك المؤهلات التي تؤهله لذلك ,, أيها المنادون بالإصلاح ,,, أنا لست معكم ,, ولكنني في نفس الوقت لست ضدكم ... فقط أفرزوا لنا من ينادي بالاصلاح بشكل عقلاني و منطقي , لكي نصفق له ونسير خلفه
حمى الله الأردن .. وألف بين قلوب أبنائه , غربيهم وشرقيهم .. شماليهم وجنوبيهم ... إنه على ذلك قدير ,,