إخراج الاردن من الازمة الى الحل
إن الأزمة التي نعيشها اليوم في أردننا الحبيب بحاجة إلى أبناء الوطن المخلصين من القوى الشعبية متمثلة بالحراك الشعبي الإصلاحي ومؤسسات المجتمع المدني ورجالات الدولة و وجهاء العشائر وجميع أبناء الشعب الذين لم تتلوث أيديهم بالفساد والإستبداد بتشكيل "هيئة وطنية " ؛ ليقفوا يداً واحدةً ويوجّهوا دعوتهم إلى الملك عبد الله الثاني من أجل "الخروج من الأزمة الى الحل " لبناء مستقبل الأردن على قاعدة صلبة تؤدي إلى نهضة البلاد وإعادة ترتيب مكونات البيت الإردني بما يضمن طموحات أبنائه وتطلعاتهم جميعا المتمثلة بتكريس الإرادة الشعبية في سلطاته التي لم يعد منها من مفر.
ولتحقيق تلك التطلعات لابد من إيجاد الكيفية التي نصل بها إلى الحل لهذه الأزمة؛ حلٌ لا يقوم على الاستبداد، حلٌ بالتشارك بين مكونات الوطن فالدولة تبنى بالتشارك وليس بالإقصاء. فالحل للأزمة التي يعيشها الاردن حاليا والتي سببها غياب إرادة الشعب يكون بتكريس تلك الإرادة وليس هناك الحق لجهة بفرض رؤيتها على أحد، فليس الحق للنظام أن يفرض رؤيته على الشعب ، ولا الحراك الشعبي والقوى السياسية لها الحق أن تفرض رؤيتها على الشعب، فالجميع له الحق أن يشارك في بناء دولته.
وهناك كيفيات طُرحت للوصول لتطلعات وطموحات الشعب الأردني، وجميع هذه الكيفيات هي حلول لكن أيُّها يمثل الحل الأمثل والذي يحوي في محتواه ضمانةً لتطلعات الشعب وعدم الإنقلاب فيما بعد على هذه التطلعات من اي فئة، وضمانةً بعدم العودة للشارع مجدداً والوصول الى الهدوء السياسي، ونزاهةً بتنفيذ الحل ، وشرعيةً بمشاركة جميع مكونات الشعب، وإقناعاً للنظام وللشعب.
ومن هذه الكيفيات التي طُرحت "حكومة الانقاذ الوطني ". هذه الحكومة التي سندخل بها إلى متاهة التمثيل والاوزان التمثلية للقوى السياسية والمجتمعية، فليس من العدل أن يتم مساواة أحزاب لها حضورٌ شعبي كبير بنفس نسبة التمثيل لأحزاب أخرى ليس لها مثل هذا الحضور الشعبي، وهل سيتم في مثل هذه الحكومة تحقيق ضمانة تمثيلٍ كافٍ للشعب الاردني؟ الذي نعلم أن النسبة العظمى من الشعب الأردني غير منتسب لأحزاب. فضلاً عن أنّ هذا الحل يصاغ بالتعيين أو الاختيار وهل سيؤدي ذلك إلى إقناع بمكوناتها لعامة الشعب؟
وحكومة الانقاذ حل يتم اللجوء اليه في الظروف التي لا يمكن معها إجراء انتخابات ليختار الشعب كالحروب والكوارث وغيرها، ومع سقوط لهذا المبرر، لا يكون من منطق لتفسير بأن يكون الحل حكومة انقاذ واستثناء لإرادة واختيارالشعب لممثليه على الرغم من تلازم الدعوة بأن يكون الشعب مصدر السلطات !
أما مقترح أجندة الإصلاح الوطني المقدّم من التجمع الشعبي للإصلاح الذي يبتدئ بمطالبة إعلان الملك قبوله بالملكية الدستورية وتجريمه تزوير الإنتخابات، ثم أن تقوم قوى الإصلاح بتشكيل جمعية وطنية تضمن مشاركة كل مكونات المجتمع، وكل القوى الإصلاحية، وأن تقوم الجمعية بإنتخاب حكومة إنتقالية من بين أعضائها، وإصدار قانون إنتخاب لمجلس النواب له صفة الإلزامية و تحديد الإصلاحات الدستورية على شكل توصيات تقدم لمجلس النواب المنتخب لإقرارها، ثم مهرجان تكريم لإعضاء الجمعية. هنا ايضا سندخل في متاهة التمثيل والأوزان التمثلية ومن له الحق بتشكيل الجمعية، وجدل بوجود نزعة فئوية بإحتكار تحقيق الإصلاح ومن ثم تكريمهم.
ومع غياب الارادة الشعبية في الطروح السابقة ، وأحقية كامل الشعب في اختيار ممثليه لبناء طموحاته وتطلعاته بالابتعاد عن الإقصاء والفئوية وتحمله لنتائج تلك الإرادة، فالشعب هو الحكم، لذا الحل يكون ببناء طرح يحوي هذا الجوهر .
والذهاب الى الانتخابات البرلمانية كما هو مقر لها من النظام، يمثل ذهاب من أزمة الى أزمة اكبر عمقا مع عدم حسم تطلعات الشعب وآماله، وكيف يكون الذهاب الى الانتخابات مخرجا؟! بولادة مجلس نواب ضمن غياب الحاضنة التي تجعله سيد نفسه،وبوجود مشاركة لإرادته من مجلس الاعيان، وحكومة تفتقد لمفهوم الولاية العامة. فلا بد من ايجاد الحاضنة قبل الولادة،وهل يمكن إيجاد الجنين بغياب الرحم؟!كما انه لن يكون عمل صالح(مجلس النواب) اذ كان من أب غير شرعي(قانون الانتخاب).
والبداية للحل تكون كما تم الإشارة اليه في البداية،بأن تقوم "الهيئة الوطنية " بوضع قانون انتخاب ممثل للشعب الاردني ليقوم الشعب بإنتخاب "مجلس تشريعي انتقالي " بإجراء إنتخابات نزيه،ثم يناقش ويخرج بقرارات لها صفة الإلزامية للملفات العالقة في الشارع الاردني المتمثلة: بالهوية الوطنية، وملفات الفساد والتعامل معها، وقانون انتخاب لمجلس النواب، وتعديلات دستورية تشمل الحكومة المنتخبة وتكريس إرادة الشعب في مجلس الاعيان، وتحصين مجلس النواب ليكون سيد نفسه، والهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات البرلمانية، لتمثل هذه أعادة صياغة العقد الاجتماعي بما يناسب طموحات الشعب وتطلعاته وبداية جديدة على أرضية صلبة لإنطلاقة حقيقية ديمقراطية يبتدئ التدافع البشري ضمن إطارها ليتم بعدها الذهاب الى انتخابات برلمانية.
وكما نعلم ان الشعوب هي التي تصوغ دستورها، فالدستور هو العقد الاجتماعي بين فئات المجتمع لترتأي وتختار السلطة التي تحكمها وتنظم علاقتها معها ، فهذا الحل هو حل يملك في محتواه الشرعية الشعبية ليقوم على الارادة الشعبية في اعادة بناء العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة وهو بذلك يفوق الشرعية الدستورية .
فالاردن والمنطقة تمر بظروف إستثنائية ، وفي ظل هذه الازمة لابد من التعامل معها بمقاييس وإجراءت إستثنائية تتناسب معها ، فالظروف الاستثنائية ليست بحاجة الى مقاييس طبيعية للتعامل معها ، لأن التعامل معها ضمن هذه المقايس الطبيعية سيؤدي حتما الى نتائج خاطئة.
وإنّ التوافق بين الشعب والنظام سيؤدي الى إخراج الاردن من الازمة نحو الحل ليكون الجميع قد كسب وربح وطناً نموذجاً يتحقق فيه الحرية والعدالة والتنمية، وإنّ عدم تحمل الشعب والنظام مسؤليتهم التاريخية تجاه مستقبل الاردن سيؤدي إلى ما يحمد عقباه... فلنضع أيدينا معاً لصياغة مستقبلنا المشرق الذي نريد.