الكوتة والحصة
قبل البدء في هذا الحديث الإشكالي لا بُد من توضيح مفهوم الكلمتين كوتة، وحصة من وجهة نظري على الأقل معتمداً على المفهوم السائد عند الكثيرين ، فالكوتة هي قرار من أجل إتاحة فرصة الفوز للعاجزين عن الوصول إلى مقعد نيابي لأي سبب كان ، وتمكينهم من الفوز بمقعد أو أكثر حسب ما تراه الكوتة ، أما الحصة فهي قرار بتحجيم فرصة القادرين على الوصول إلى المقاعد النيابية ، والفوز بأكثر من مقعد، وذلك بتحديد عدد المقاعد التي يستحقونها حسب مفهوم الحصة .
عندما عجزت المرأة عن الوصول إلى مقعد نيابي طالبت بتخصيص كوتة تمكنها من ذلك ، ولولا وجود الكوتة النسائية التي أقرتها الحكومة لا أظن أن امرأة سوف تستطيع الفوز بمقعد واحد ، وذلك بسبب طغيان الذكورية في مجتمعنا ، والرغبة بتهميش المرأة ، ومن يتحدث عن فوز توجان فيصل ، وأنها استحقت المقعد النيابي دون الاتكاء على الكوتة ، أقول إنها حصلت على المقعد بالمحاصصة ، فهناك حصة واحدة للطوائف والأقليات ، إضافة إلى ضعف منافسها ، هذا إذا أغرقتنا الطيبة بحسن النوايا ، واستثنينا التدخل الذي يصل إلى لغة التعيين .
اليوم يظهر جلياً على الساحة الفكرية الأردنية إفلاس الأحزاب ، وعجزها عن الوصول إلى سدة النيابة باستثناء جبهة العمل الإسلامي ، ونراها تلهث خلف إصدار كوتة تمكنهم من الوصول ، وهذا بحد ذاته إدانة لهم ، فالحزب الذي لا يملك قاعدة جماهرية تهتف باسمه ، وتدفع به إلى المقاعد النيابية عليه إعادة صياغة أسلوب تواصله مع الناس حتى يكون فاعلاً ، وناجحاً ، ولا أستسيغ قول البعض إن الدولة لا تريدنا هناك ، فالدولة قد منحتهم حرية التحرك مع الجماهير ،وفتحت أمامهم الأبواب لاستقطاب أكبر عدد من الجماهير ، وهذا أكثر خطر عليها من أن يكونوا مالكين لمقعد نيابي أصبح وظيفة.
إن الكوتة قد تكون حق لمن لا يمكنه المنافسة ، وأنا لا أراها كذلك ، فالأمر الذي تملكه بحضورك الفاعل ، غير الأمر الذي يمنحك إياه الآخر ، وهو قادر على انتزاعه منك ، أما المحاصصة ، والتي تُمارس بلغات مختلفة حسب الحالات ماذا نقول عنها ، فعندنا مقعد مسيحي ، ومقعد شركسي ، ومقعد شيشاني ، ومقعد غير معلن هو المقعد الفلسطيني ، وإذا ما غضضنا البصر عن محاصصة هذه المقاعد ، وأخذنا المقعد المسيحي نموذجاً فنقول : إن المسيحي مواطن أردني له خصوصية المنبت والأصل ، وكما يقول البعض أنه شرق أردني بجذوره ، فلماذا يُحاسب هذا المسيحي حساب الكثرة ، والقلة ، وتُمارس عليه النسب العددية ، والمرأة الأردنية بجذورها كما يقولون خارج هذه الحسبة تماماً ، وهي نصف المجتمع ، فلماذا إذن لا يكون لها نصف المقاعد ؟.
على قانون الانتخاب أن لا يلتفت إلى مفهوم الكوتة ، والمحاصصة ، والنسب العددية ، إننا نحتاج إلى قانون يجمعنا ، لا قانون يفرقنا ، ولماذا لا ينتخب ابن الشمال مرشحه من الجنوب ، ولماذا هذا التحوصل حول العشيرة من أجل إفراز من يمثلها ؟ .