نقاد يطالبون بدعم حقيقي للحركة النقدية في المملكة

المدينة نيوز - طالب نقاد بنهوض حقيقي للحركة النقدية في المملكة تواكب المستجدات الابداعية الحديثة من خلال عقد ندوات نقدية بمشاركة نقاد يقيّمون أعمالا أدبية جديدة .
واشاروا الى ضرورة تخصيص زوايا ثقافية على المواقع الالكترونية ترصد نبض النقد ، وزيادة مساحة البرامج الثقافية المسموعة والمرئية للرقي بالذوق العام وضمّ أكبر عدد من السامعين والمشاهدين لقراءة الأعمال الأدبية الناضجة وما يرافقها من نقد ليخرج النقد من دائرة الخجل إلى دائرة العمل.
وقال الناقد فخري صالح رئيس جمعية النقاد الاردنيين : يبدو لي ان التحديات الرئيسية التي يواجهها النقد تتمثل بصورة رئيسية في عدم وجود قاعدة عريضة من القراء لهذا النوع من الكتابة كما كان عليه الحال في السابق .
واضاف انه وخلال العقود الماضية كان طلبة الدراسات الادبية في الجامعات العربية ممثلي هذه القاعدة العريضة من القراء , اما هذه الايام فلا يبدو ان الطلبة في الجامعات ممن يقرأون النقد كما ان غياب المجلات الادبية المتخصصة والمؤثرة في الوقت ذاته عن السوق الثقافية قلص ايضا من مساحة قاعدة القراء هذه .
لكن كما قال الناقد صالح : هناك عامل اخر وهو غلبة الاعلام البديل في عالمنا المعاصر خصوصا المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي ممثلة ب( الفيس بوك وتوتير) حيث اننا نجد في هذه الفضاءات الافتراضية عددا كبيرا من المهتمين يعلقون على الكتب والمقالات التي يقرأونها ما جعل التخصص النقدي ذاته مهددا بسبب اكتساح فضاء هائل من الاراء النقدية غير المتخصصة للفضاء العام , وهذا يعني ان دور الناقد تقلص ولم تعد له تلك الهالة التي كان يتمتع بها من قبل بوصفه حكما على الاعمال الادبية وصار هذا الناقد مجرد استاذ جامعي او صحافي متخصص في الادب يمارس عمله في دائرته الضيقة .
وقال الناقد الدكتور عباس عبد الحليم عباس من الجامعة العربية المفتوحة انه حين نتحدث عن علاقة النقد الأدبي بالخطاب الإبداعي فإننا نراهن على علاقة جدلية يحاور من خلالها الإنسان بنية معرفية تأسست على نوع من الالتزام الموضوعي والفني الذي يبحث عن محددات الفكر والجمال في منجز الإنسانية الإبداعي الأدبي .
مع الوعي التام بأن هذه الثنائية - الفكر والجمال - كما اضاف بمثابة الروح والجسد في الكائن الحي ،ومن هنا لا بد أن يضع الناقد الأدبي نصب عينيه ضرورة العمل على ممارسة دور فاعل ومهم في تأويل النص وإبراز قدرته على التأثير والتغيير الإنساني .
واوضح انه لا يتأتى مثل هذا الهدف إلا من خلال تلمس الخطاب النقدي لمرتكزات فكرية جوهرية ، يطرحها النص الأدبي انطلاقا من معالجات واقعية لقضايا الحياة المختلفة مما يهم الناس في مجالات عيشهم المتنوعة كالعلاقات الاجتماعية والحاجة إلى الحرية ومشاعر الأبوة والأمومة والإحساس بالطبيعة والمكان والزمان , وغير ذلك من قضايا وموضوعات تشغل الشاعر ، وتمثل دوافع أساسية للعطاء والإبداع.
وقال الدكتور عباس ان الناقد يحاول إعادة طرح القضايا الكثيرة التي يمكن للنقد الأدبي ابرازها عبر استقراء نصي للنماذج الإبداعية التي تضعنا وجها لوجه أمام طبيعة التفكير الإنساني وممارسات الحياة الواقعية وتحولاتها .
واشار الى انه لتوضيح دور الخطاب النقدي في استجلاء منظومة فكرية ما يجب أن يواكب الناقد هموم المبدعين واشتباكاتهم مع الواقع وقضايا الإنسان في الحياة ، لا أن يقبع في برجه العاجي .
وبدأ الناقد نزيه أبو نضال من تجربته الشخصية مدخلا للحديث عن دور النقد مبينا انها كانت مجرد صدفة، خلال رحلة إلى أميركا ، عام 1990، حين استعار من رفيق السفر فخري قعوار، رواية اسمها أبناء القلعة، لزياد قاسم، كي يخفف من خلالها عناء السفر الطويل، ولم يكن، لا هو ولا فخري، قد سمعا بالرواية ، وكانت المفاجأة هي اكتشاف موهبة استثنائية أردنية غير مسبوقة في حقل الرواية مشيرا الى انه اولاها عند عودته إلى عمان، ما تستحق من اهتمام ما أسهم بانتشارها .
وبين الناقد ابو نضال انه بذل مثل هذا الجهد تقريبا في تقديم تجربة زهرة عمر الروائية (الخروج من سوسرقة)، ورواية رمضان الرواشدة (أغنية الرعاة) وتجربة مهند العزب ( اكتمال الذئب) .
وقال انه لا شك ان هناك مبدعين حقيقيين آخرين بحاجة إلى اهتمام وربما إلى صدفة تخرجهم من منطقة العتمة، لكننا بحاجة إلى آليات عمل من قبل نقادنا، واهتمام أكبر بهؤلاء من مؤسساتنا الثقافية، ليتمكن الجهد النقدي من تسليط الضوء على المنجز الإبداعي في المملكة متسائلا : كيف يمكن لنقاد الأردن على قلتهم وكثرة انشغالاتهم الأكاديمية والتزاماتهم المعيشية أن يتابعوا هذا الانفجار الكتابي الذي تشهده المملكة خاصة منذ أوائل التسعينيات؟.
واضاف : يكفي أن نشير إلى صدور أكثر من سبعمئة مجموعة قصصية في المملكة ، وفي حقل الإبداع النسوي وفي الأردن وحده صدر أكثر من 210 مجموعات قصصية، و320 ديوان شعر، و170 رواية , هذا عدا عن كتابات الرجال، وعن متابعة الإبداع العربي والعالمي, ناهيك عن ضرورة الاشتغال على متابعة الجهود والمدارس النقدية المعاصرة والمتعددة، والأهم العودة إلى التراث النقدي العربي العظيم وصولا الى منهج نقدي تكاملي يمكن من خلاله متابعة كل هذه الإصدارات.
واكد ابو نضال أن ذلك يحتاج إلى نوع من التفرغ، عدا ذاك الذي تمنحه وزارة الثقافة لكتابة ديوان شعر أو رواية، مشيرا الى انه مع دعم المبدعين الحقيقيين ، مبينا انه يتحدث هنا عن مشروع نقدي كبير يسهم فيه عدد كبير من النقاد وتدعمه كل المؤسسات الثقافية والإعلامية والصحفية ليتمكن النقاد من متابعة وتقديم هذا الفيض من الإبداع الأردني وبالمستوى الذي يليق بدور النقد والإبداع معا.
وقال الناقد الدكتور نضال الشمالي نائب رئيس جمعية النقاد الاردنيين ان القول في تأخر النقد عن مواكبة المنتج الإبداعي صحيح ، أكان على المستوى العربي أم المحلي، بل إن هذا الأمر يستحق أن تفرد له الندوات والحلقات وأن تطلق فيه الآراء وتكشف الاعتبارات تحت عنوان (أزمة النقد أو أزمة النقاد).
واضاف ان المفارقة تكمن في أن التقدم الهائل في صنعة الكُتب وتوزيعها ، وتعدّد الصحف وتحبيرها، وانتشار الإذاعات والفضائيات وترويجها، وولادة المواقع الالكترونية وتنميقها، رافقه خجل نقدي، خلاف ما كان متوقعاً ما يفتح الباب أمام اعتبارات كثيرة قادت إلى مثل هذا الخمول أبرزها صلابة الدرس النقدي وتناوله مقابل سلاسة الإبداع الأدبي وتلقيه ما يفرض رواجا تلقائيا للنص الأدبي على حساب النص النقدي.
وبين ان " هذه الصلابة كان من المفترض أن يذللها الدرس الجامعي الذي تنصل من ذلك عندما قدّم النقد الأدبي لطلبته من منطلق تاريخي تنظيري مهملا التطبيق ، وإن طبّق فإنه يقتصر على الانطباع دون المنهج , فخرج تبعا لذلك طلبة متعلمون حافظون وليسوا نقادا مثقفين ممحصين , فضلا عن انشغالات الأكاديميين بالدرس الجامعي وأعبائه وتقصير الجامعات في تبني مشروعاتهم ودعم انتماءاتهم الثقافية وإنتاجاتهم النقدية مع تجاهل من قِبل الفضائيات والإذاعات لانتاجهم النقدي وتسليط الضوء عليه.
وقال الناقد الشمالي ان ذلك حتّم على المؤسسات الصحفية إتمام النقص في المنجز النقدي المطلوب لمواكبة المنجز الأدبي ، ولم يكن ذلك تحت عنوان التكامل مع المؤسسة الأكاديمية بل الانفصال عنها .
ودعا الى تغطية المؤتمرات النقدية والندوات الثقافية , لا ان يقتصر الأمر على مقتطفات لا تمثل فحوى الأوراق ولا توجهاتها.
واشار الى وقوف المشهد النقدي مشدوها أمام غزارة الانتاج الأدبي غير الممحّص ، فكثير من الأعمال الأدبية التي لا تستحق النشر تجد ألف طريق وطريق للظهور اضافة الى اقتصار الجوائز المحليّة والعربيّة - في أغلبها - على الانتاج الأدبيّ، فبالكاد نسمع عن جوائز منحت لمشروعات نقدية جادة، وان مشروعات التفرغ الإبداعي تهتم بالمنتج الأدبي أكثر ما تهتم بالمنتج النقدي . واكد الشمالي ضرورة زيادة مساحة البرامج الثقافية المسموعة والمرئية للرقي بالذوق العام واستقطاب أكبر عدد من السامعين والمشاهدين لقراءة الأعمال الأدبية الناضجة وما يرافقها من نقد , بعد ذلك يمكن أن نخرج النقد من دائرة الخجل إلى دائرة العمل. الروائي والناقد والأكاديمي الدكتور محمد عبدالله القواسمة اكد ان النقد المعاصر يواجه بشكل عام، والنقد الأدبي بشكل خاص تحديات تختلف عن تلك التي واجهها في القرن الماضي، نظرا للتغيرات التي طرأت في الحياة والمجتمع على مستوى العالم فيما يسمى بالعولمة , والتحولات السياسية في المنطقة وغيرها ,يضاف إلى هذه التحولات السياسية تحولات علمية وتكنولوجية وتحولات في الاقتصاد والتنمية وتغيرات في البيئة وغيرها مبينا ان على النقد أن يتغير مع العالم .
واشار الى انه فرض على النقد الأدبي المعاصر والنقد بشكل عام عدة تحديات تتمثل ب ( الذات الناقدة ) حيث قال ان الناقد يواجه صراعأ بين أفكاره ومشاعره المتمردة من ناحية وبين الظروف الخارجية السائدة، وهو في هذه الحالة مطالب بأن ينحاز إلى الموضوعية ويختار ما يتناسب مع أفكاره ومشاعره ليؤدي دوره في تقدم المجتمع والحياة .
والتحدي الاخر هو المنهج : هناك ثورة مناهج لكن للأسف كلها مستوردة كما قال وعلى الناقد أن يهضمها جميعاً، ويختار منها ما يتناسب مع شخصيته والنصوص التي ينشغل عليها , وعليه ألا يفقد شخصيته فلا يطبق المنهج تطبيقاً تقليدياً ، كما ان عليه أن يشيد منهجه ويختار مصطلحاته بوضوح ودقة.
وهناك تحدي النص وهو الخطاب الذي ينصب عليه النقد، فقد اصابه تحولات كثيرة ، فعلى سبيل المثال، في الشعر، هنالك القصائد ,العمودية ,والتفعيلة ,والنثر , والمنفلتة من القيود جميعها ,وبدأت تدخل فيه أجناس وفنون مختلفة كالسرد والرسم والدراما , وهذه التحولات تفرض على النقد التعامل معها وعلى الناقد اتخاذ الموقف المحدد والواضح منها.
وبالنسبة للمتلقي قال الدكتور القواسمة انه أصبح منشغلاً بما في العصر من تقدم وتطور في وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تقلص من جرائها الزمان والمكان وأصبح العالم قرية صغيرة وهذا يفرض على النقد أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المؤثرات التي أثرت في المتلقي فلا يسبح في عالم بعيد عن هذه التطورات وعليه أن يكون جزءاً منها وفاعلاً بها ومن خلالها.
واضاف الناقد القواسمة انه إزاء هذه التحديات كان على الناقد أن يستجيب لها باتخاذ موقف متحيز للحياة والتطور وأن يكون مطلعا على تطورات الحياة الأدبية والثقافية والسياسية آخذاً بما في العصر من علوم ومعارف وألا يعيش في العصور الخوالي.( بترا )