إبداع تكرمُ الشاعر عناد جابر! ( صور )

المدينة نيوز - أقامت "إبداع" رابطة الفنانين التشكيليّين العرب حفلَ تكريم للأستاذ الشاعر عناد جابر، بمناسبة صدور ديوانه الجديد "عواصف الحنين"، وذلك بتاريخ 26-5-2012 في مقرّها في كفرياسيف، وقد حضر هذا الحفل التكريميّ عددٌ من المثقّفين وشخصيّات تربويّة وثقافيّة واجتماعيّة من جميع البلدان والمدن العربيّّة الجليليّة المجاورة من مريدي الشاعر، إضافة إلى شعراء وأدباء وأقرباء، فتخلّل البرنامج عدّة كلمات للسيّد عوني توما- رئيس المجلس المَحلّيّ، وللأستاذ جورج توما رئيس جمعيّة "إبداع"، ومداخلات نقديّة للكاتب والناقد د. بطرس دله، وللشاعر والناقد د. منير توما، وللشاعر والناقد جلال جافّ العراقي قرأتها عنه بالنيابة نادرة شحادة سكرتيرة الرابطة، وعزف على العود الموسيقار الفنان عماد دلال، وكلمة لد.منير موسى، وقراءات شعريّة للشاعر عناد جابر، وقد تولّى عرافة الحفل الكاتب محمّد علي سعيد، وفي نهاية الاحتفال تمّ تكريم الشاعر الأستاذ المُربّي عناد جابر بالورود والذرع التكريميّ .
تولّى عرافة الحفل الأديب محمّد علي سعيد، وجاء في كلمته: مساء الودّ والورد والنقاء، مساء الخير والشعر والصّفاء، أيّها الحضور الكريم والمميّز أهلاً وسهلاً بكم، في أمسية الحبّ الدافئة، أمسية التكريم الحضاريّة والدالة على أصالة شعبنا ووفائه واحترامه لأعلامه متمثلة برابطة إبداع، هذه الأمسية مكرّسة لأحد أعلام هذه القرية الطيّبة ممّن يستحقون التكريم والتقدير، فطوبى للمكرِّمين وطوبى للشاعر المكرَّم عناد جابر، وشكرًا للمشاركين حضورًا في القاعة أو على المنصّة، والشكر موصول لوسائل الإعلام ودوْرهم في تغطية ونشر الحدث بمهنيّة وموضوعيّة، لعلّ وعسى من خلال النشر الإعلاميّ أن تنتقل هذا الفعاليّات الأدبيّة الحضاريّة، وتكون العدوى بالأعمال الجيّدة، ناهيك عن دلالة المقولة "قدّمت تقريرًا ولم تفعل فعلت، فعلت ولم تقدّم تقريرًا لم تفعل"، وهذا المساء مساؤك أيّها الشاعر عناد جابر، هذه أمسية حبّ واحترام، أمسية إبداع شعريّ وإمتاع شعوريّ، وإصغاء مرهف وواع.
كفر ياسيف وشمس التداعي: ما الذي يحضرني متداعيًا بانثيال،عندما أسمع أو أقرأ هذه الكلمة "كفر ياسيف". بداية، شخصيًّا أعتزّ جدّا بهذا البلد الطيّب وبأهله الكرام، وصدّقوني فلا أجامل ولا أُجمّل، ففيها درست المرحلة الثانويّة، وربطتني علاقة صداقة قويّة مع عريس الأمسية الشاعر عناد جابر، فقد كان أعلى منّي بصفّ، وعلاقاتي الطيّبة لمّا تزل معه ومع الكثيرين، كما وأنّي أزور القرية كثيرًا.
كفر ياسيف قلعة وطنيّة ومنارة ثقافيّة، إنّها النّور والنّار، نور منارة أضاء حياتنا وسلّحنا بالعلم وبالمعرفة، وتخرّج أكثر مثقفي شعبنا البارزين في الجليليْن والسّاحل من ثانويّة طيّب الذكر الخالد ينّي ينّي ومنهم: محمود درويش، وسالم جبران، ومحمّد علي طه، وعلي الظاهر زيداني وزكي درويش، وغيرهم من حملة الأقلام من خارج البلدة، وأمّا من أعلام حملة القلم الشعريّ، فلكلّ مقام مقال، والمقام للشعر، من كفرياسيف نفسها، فتحضرني أسماء المرحومين: حبيب شويري، سامي مزيغيت، سليم مخولي، جميل لبيب خوري، جريس أيّوب الخوري، وهو القائل في توديع الدّولة العثمانيّة: ودولةٍ لمّا سألنا ربَّنا التعويضَ عنها/ وفرحنا حين ولّتْ جاءنا أضرطُ منها.
ذهب الذين نحبّهم فلهم الرحمة، وبقي الذين نحبّهم فلهم طول البقاء، ومنهم الشاعر المحتفى به عناد جابر، أحمد الحاج، إبراهيم مالك، سليمان مرقس، رفول بولس، بسّام فرح، قسطندي مرقس، أسامة ملحم.
كفرياسيف نار قلعة وطنيّة، لم يقتصر وينحصر دوْر المدرسة الثانويّة على الجانب العقليّ فقط، بل وبتأثير الوعي الوطنيّ في كفرياسيف، ساهمت في بلورة هُويّتنا الوطنيّة التقدميّة، وليس من باب المصادفة أن تُعقد في كفر ياسيف مهرجانات شعريّة ومنها في 1958 مهرجان للشعر الفلسطينيّ، ومن شعرائه راشد حسين وفيها قال: اليوم جئتُ وكلنا سجناء/ فمتى أجيءُ وكلّنا طلقاء/ يا كفر ياسيف أردت لقاءَنا/ فتوافدت للقائِكَ الشعراء/ أسرى بهم كرم الجليل/ فأقبلوا فكأن ليلتهم هي الإسراء. وأمّا جورج نجيب خليل فقد قال: فإذا تندرَ بالثقافة مِعشرٌ/ شهد الجميع لها بطول الباعِ/ هوتِ المفاخرَ من قديم عهودِها/ علمًا ومعرفةً وحسنَ طباع.
ومَن منّا ينسى أو يستطيع أن ينسى المرحوم إميل حبيبي حين طلب من شعبنا قائلا: تكفرسوا، لقد صدّقتَ، فكفر ياسيف هي النموذج في الكثير من جوانب الحياة، وعلينا أن نتكفرس حقّا.
الشاعر عناد جابر صديق عزيز منذ المرحلة الثانويّة، أوّل ما يتداعى من الماضي الذي يعانق الحاضر، عناد لاعب كرة القدم الفنان والمراوغ ومبتكر الحركات، ولا يمكنني أن أنساه عندما وقف على يديه وصدّ الكرة برجليْه، لقطة لصورة ما زالت مغروسة في ذاكرتي وكأنّي أراها الآن، كما وأذكر أنّي طلبت منه ومن ابن صفّي أنطون قبطي أن يلعبا مع فريق البعنة في مباراة حاسمة، وطبعًا لبّيا طلبي واحتفلنا بهما في نادي الفريق في قرية البعنة.
أصدر عناد ثلاثة دواوين شعريّة وهي: "ربّما في الرّحلة القادمة عام 1995"، و"نقوش على وجه الضباب" عام 2000، و"عواصف الحنين" عام 2011، وهذه المسافة الزمنيّة بين كلّ ديوان وآخر، تقول إنّ شاعرنا يسير بخطوات غير متسرّعة، ولكنّها مدروسة نحو الشعر الصافي، وقراءة متأنّية لشعره من البداية حتى الآن ترسم لنا خطّا بيانيًّا، يسير بصورة عموديّة أكثر منها أفقيّة، في المبنى وتقنيّاته وأشكاله، والمضمون وتفريعاته ومرجعيّاته: فمن الدلالة المباشرة إلى الدلالة المجاورة بحذر، ومن الصورة النثريّة الروحيّة البسيطة، إلى الصورة المُركّبة المتراسلة الحواسّ مع انفراج أكثر في زاوية الخيال، ومن تراكيب الجملة الانشائيّة التقليديّة إلى التراكيب المبتكرة والخارجة عن المألوف النحويّ، ومع ذلك فإنّ شاعرنا لم يقع في مصيدة حداثة التقليد الأعمى غير الناضجة؛ بسبب البوْن الشاسع حقيقة بين الواقع المعاش والتعبير عنه، أو بين الصدق الحياتيّ والفنيّ، وحسنا فعل، وكأنّي به يُردّد ما قاله أحد الشعراء: صديقي كلّ ما فيه جميل/ ولكن في محادثتي خبيث/ يُحدّثني فلا أفهم عليه/ كأنّ حديثه شعر حديث.
لقد بقي شاعرنا يعزف في مكان التماس بين التلميح والتصريح، ولأنّي لست من مُقدّمي الملاحظات النقديّة، سأكتفي بفقرة كتبتها من باب رصد الإصدارات في محور بانوراما في مجلة الشرق التي أرأس تحريرها: جاء في إهداء ديوانه: "إلى زمن غير هذا الزمان، وإلى وجوهٍ عصيّة على النسيان"، ودلالة هذا الإهداء تؤكّد بأنّ الشاعر يكتب وعينه على المستقبل الذي سيأتي ليكون أجمل، وقديما قيل: كلّ شاعر نبيّ وليس كلّ نبيّ شاعر، فلدى الاثنين رغبة في الإصلاح ووسيلتهم الكلام.
قصائد الديوان غنائيّة جميلة وراقية تثير فيك الدهشة، فتحرّك فيك المشاعر لمضامينها الحياتيّة وأسلوبها السهل الممتنع، لتدفّقها العفويّ والسلس وتشبيهاتها المبتكرة، وهذه الروح الشعريّة الشفافة الدافئة كمطر القلب، تتنفس في جميع القصائد تقريبًا، ترتفع بنا قصائد الديوان - ولو قليلا- عن مرارة الواقع الحاضر إلى واقع مستقبليّ أجمل، أو تحاول أن تُجمّل الواقع ليساعدنا في تحمّله، وفي الحالتيْن تشعر بالراحة النفسيّة بهمس القصائد، وتعتقد بأنك أنت قائلها، فتتقمّصها، وفي أعماقك تشكر الشاعر وتُغبّطه.
عناد صديقي الصادق الصدوق، قالت العرب: لكلّ مسمّى من اسمه نصيب، فالاسم عناد= عين ونون وألف ودال، فالعين-ع: علو في الشمائل وفي المقام وعفو عند المقدرة وعذر لمن أخطأ، وعمق في المعرفة وعدل في القرار وعذب في الشعر وعزة نفس وعطاء بلا حدود وعصاميّة، والنون- ن: نور يضيء عتمة الأمّيّة الحرفيّة والفكريّة والجهل الاجتماعيّ، ونار يساهم في بناء الهُويّة الوطنيّة، ونبع عطاء لا ينضب والألف- أ: أخلاق حميدة إحساس شاعر مرهف وآداب في التعامل وإصرار على النجاح، إيمان بانتصار الحق، احترام الذات والآخر، والدال- د: دماثة في الأخلاق ودعاء صادق لكلّ الناس ودليل هدي للضائعين، دؤوب في العمل.
وكانت كلمة للسيّد عوني توما- رئيس المجلس المَحلّيّ، تفابع العريف يقول: لا يمكن لهذا الكمّ من الفعاليّات الثقافيّة من تكريم للأدباء وللفنانين وعقد الندوات الثقافيّة، بدون مباركة قوليّة ورعاية فعليّة من رئيس المجلس، الذي هو دلالة إلى مناخ البلدة، الرئيس الممتدّة يده لكلّ عمل ثقافيّ والمفتوح قلبه لكلّ نقاش بنّاء.
وكانت كلمة للمربّي الفاضل المعلّم والمُرشد السيّد جورج توما رئيس رابطة إبداع، فتابع العريف يقول: إبداع رابطة الفنانين التشكيليّين العرب تؤمن بالأعمال أكثر من الأقوال، وتقوم بترجمة المشاريع والفعاليّات تطبيقًا واقعيًّا وليس بصياغتها شعارًا وإعلامًا، وفعاليّات رابطة إبداع هي تطبيق صادق لقوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله ورسولُه والمؤمنون)، جاء في الآية الكريمة "وقل اعملوا وليس وقلْ قولوا وحدّثوا وانظروا و". بدأت إبداع في الاهتمام بالفنّ التشكيليّ على أنواعه، ولكنّها في المدّة الأخيرة اقتحمت وبكفاءة مجالات إبداع أخرى وخاصّة الأدب، وأخذت على عاتقها تكريم أعلام الإبداع وهم أحياء وهذا مهمّ جدًّا، فليس من المعقول أن نُكرّم الأعلام بعد وفاتهم، فكلمة إطراء يسمعها المبدع في حياته أفضل من كتاب إطراء بعد مماته كما قال فولتير. وقيل: اُذكروا محاسن موتاكم، وأضيف: ومحاسن أحيائكم أيضا. وقال الشاعر: يهوى الثناءَ مقصّرٌ ومبرزٌ/ حبّ الثناء طبيعة الإنسان.
هذا النشاط الجادّ والجيّد والمتواصل الدائم كخليّة النحل لا يأتي من كسل وفراغ ونيّة حسنة، فالنوايا الحسنة لا توصل إلى الجنة، وإنّما يتجسّد واقعًا بفضل هيئة إداريّة واعية ومتعاونة ومتحابّة، ترى فيما تقوم به رسالة وطنيّة حضاريّة، وهذه السفينة لا بدّ لها من ربّان يقودها بحكمة ودراية كي تبقى مُبحرة بثقة ونجاح.
وفي حديث العريف عن د. بطرس دله قال:
إنّه أستاذنا جميعنا تقريبًا، يتابع الحركة الأدبيّة بتفاصيلها، ويقرأ كلّ ما يصل إليه وينشر قراءاته في الصحافة المحلّيّة، يُربّت بأبويّة مُشجِّعة على ظهر الأدباء، ويُخبرهم شفويًّا برأيه الصريح والقاسي أحيانًا كثيرة. إنّه جملة استثناء في جميع النصوص الحياتيّة، في نصّ التعليم فقد كان مُعلّمًا مميّزًا كان مُعلّمًا للحياة، وفي نصّ التقاعد لا يهدأ، فيوميّاته طافحة بالمواعيد من عرافة أو محاضرة أو حضور أو تنسيق ولا تنتهي، ولا أجدّد لكم شيئًا إن أخبرتكم عن مميّزاته أو تخصّصاته أو سعة معرفته، إنّه الكلّ في واحد كما يقولون في الإنجليزيّة، ومحبّة وتقديرًا قمنا في مجلّة الشرق في تخصيص عدد كامل تكريميّ وتوثيقيّ له، وقد أجريت معه مقابلة شاملة كشفت فيها الكثير ممّا لم يكن معروفًا بالعام، وهو يستحقّ وأكثر، وفي نقده يحاول أن يضيء ضبابيّة النصّ بقراءة ما بين سطور النصّ أو وراءها؛ ليقدّم للقارئ صفات النصّ ومضامينه، إنّه الناقد والمؤرّخ والشاعر (رغم أنه لا يعترف بذلك).
تحدّث د. بطرس دلّة عن عواصف الحنين شعر الشاعر عناد جابر فقال: أعرف قصائد وشعر تلميذنا سابقًا وزميلنا في التعليم لاحقًا، عندما كنت أراجع بعض محاولاته، وكان طالبًا مميّزًا في المرحلة الثانويّة، وأعرف أيضًا أنّ والده كان إنسانًا مُطالعًا من الدرجة الأولى، وللحقيقة أقول أنني لم أره مرّة إلاّ وكتاب في يده، والشعر عند الأستاذ عناد تطبيق لفكر فلسفيّ وإيمان خاصّ طوّره من خلال تجربته الفنيّة بالكتابة وفي التعليم والمطالعة، وأن يكتب من خلال وعيه الخاصّ للأمور التي يعالجها، فذلك عمل فنيّ يعكس الظروف التي يعيش في وظيفته الحاليّة كمدير للمدرسة الدرزيّة الشاملة في يركا، وكذلك وعيه لِما يعيشه ويُعانيه يكون المقياس المُطلق في الوجود.
إنّ معظم ما كتبه شعراؤنا باللغة العربيّة فيه الكثير من الاستغراق في عبثيّة الوجود والتغنّي بالقضيّة العربيّة، من هنا فقد جاء الشعر العربيّ الحديث تاريخًا لثورة شاملة في الفكر السياسيّ والمجتمع، فجاء هذا الشعر تفجيرًا لرموز الحضارة الانسانيّة الراقية واندفاعها الصارخ العنيد، من هنا نستطيع أن نفهم أنّ الثورة العربية لم تبعد عن الشعر بل بالعكس، فقد شملت الشعر كأوّل عنصر إبداع في متناول اليد، وهكذا مع مرور الزمن تغيّرت مضمونات الشعر العربيّ الفلسطينيّ، فاستبدل المديح والرثاء بالفكر المعاصر الإنسانيّ والواقع، فبات يهتم بتشخيص هموم وأوجاع ومستقبل هذا الإبداع، إلاّ أنّ الثورة في الشعر لم تأخذ اتّجاهًا أيدلوجيًّا واحدًا على صعيد المحتوى، بل اكتفت بمثل هذا الاتّجاه على سبيل السياق التقليديّ للقصيدة، من حيث الأوزان والقافية، وهكذا حتى الآن ظهرت عشرات القصائد الحماسيّة العنتريّة، والتي تصف البطولات على طريقة الشعر، على رأس شعراء هذه المدرسة يقف أدونيس، الذي جاءت قصائده الأولى عابقة بالحنين إلى فردوسه المفقود أوّلاً، ولكن هذه المرحلة لم تطُلْ فانتقل إلى تقديس الجَمال المُطلق وتقديس المرأة وتمجيدها، كما فعل نزار قباني في مجموعاته التسع، ولكن هذا المنحنى تغيّر أيضًا، وجاء مكانه الاتّجاه القوميّ العربيّ الذي تَمثّل بالواقعيّة الاشتراكيّة، كشعر سليمان العيسى، ويوسف الخطيب، ومحمد الفيتوري، ومعين بسيسو.