أكل ، شرب ، نام
يؤلمني ما يدور من حوارات ساخنة، أو باردة بين أفراد المجتمع الأردني على اختلاف طبقاته، وأهوائه، وأفكاره ،لأنني أرى أن هذه الحوارات تدور في فلك اللامعقول ، وبالتالي فهي فنتازيا اجتماعية ألفناها ، وأصبحت ضمن منظومة تواصلنا ، وفي جولة سريعة على هذه الحوارات نجد أنها لا تدور حول موضوع واحد ، بل تتشابك فيها مواضيع مختلفة لا تملك أدنى رابط بينها ، من هنا فإن النتائج دائماً تكون رمادية لا هوية لها ، وكأن الحوار ذاته هو الهدف بدليل أن حواراتنا متصلة دون فواصل ، فهي تشتعل عند لقاء اثنين أو أكثر ، والمضحك المبكي أنها قد تدور في رأس شخص واحد ، فنجده يُحاور نفسه، ويجادلها، وربما يختصم معها ، ويصل به الخصام إلى العداء ، وهذه الصورة ليست كوميدية ، كركاتيرية لحواراتنا ، بل هذه صورة ما نعيشه هذه الأيام .
هل أصبحنا نحن كذلك ؟، وإذا كان الجواب المؤلم المخجل نعم ، فمن الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه ،وأين ما تربينا عليه ، وأخذ شكلنا ، وبصمتنا ، أين حوارات المضافات ، والعقود ، أين حوارات المصاطب ، والساحات ، وأين الكلمة التي كانت تزن قنطاراً ، أين كل ذلك الذي كنا نجد فيه متعة ، لأننا كنا بالتأكيد نصل إلى ما نريد ، كان لدينا هدف في الحوار ، ونسعى إلى تحقيق ذلك الهدف .
إن الكلمات يا إخوتي لا تستطيع أن تعبر عمّـا نحن فيه من تخبط في تحديد أهدافنا ، والذي أوصلنا إلى الرضا بعشوائية القرارات البسيطة، والمصيرية ، والرضا بتغيير أسماء الوزراء كلما أخفق من سبقهم دون الالتفات إلى الأخطاء التي وقعوا فيها ، وأدت إلى التغيير .
طالت حواراتنا عن الإصلاح ، والتغيير ، والفساد ، حتى لقد فقدت كل هذه المفردات معانيها من كثرة تكرارها اليومي ، فالحوارات التي لا تصل معها إلى حل هي حوارات عقيمة ، ومملة ، وأحياناً قاتلة ، لقد وصلنا إلى حافة الانهيار الاقتصادي ، بل نحن نعيشه بتفاصيله المؤلمة ، وبالمعنى الحقيقي لمفهوم الانهيار الاقتصادي ، هو أننا أصبحنا لا نملك قرارنا ، ولا نملك أنفسنا ، وبالتالي سوف نكون خاضعين لشروط الممول صاحب الحل الاقتصادي ، لقد ذهبنا بعيداً في الجدال، والحوار حول شعارات عربية، ومحلية ، ولم ننتبه إلى أهمية الوضع الاقتصادي ، والذي كان من المفروض أن تكون كل الحوارات حوله ، والبحث عن حل لهذا التدهور الاقتصادي الذي نعيشه ، لقد وصلوا بنا ، أو أوصلونا ، أو أوصلنا أنفسنا إلى ابتدائية الدروس الاستعمارية أكل – شرب – نام.