"تمثيلات الأب في الشعر العربي الحديث" لسلطان الزغول
المدينة نيوز - صدر حديثا للشاعر والناقد سلطان الزغول عن "عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع" في إربد دراسة نقدية عنوانها "تمثيلات الأب في الشعر العربي الحديث". وهي دراسة تحاول أن تنفذ إلى تمثيلات الأب في القصيدة العربيّة الحديثة (زمنيّا) بكلّ توجهاتها وانتماءاتها الفكريّة والفنّية، سواء كانت قصيدة حديثة، أو حداثيّة، أو حتى قصيدة تقليديّة كتبت في العصر الحديث. وهي تقرأ هذه التمثيلات في خمسة وتسعين نصّا شعريّا لسبعة وعشرين شاعرا، لتبحث في رؤية الشاعر العربي لإشكاليّة الأب المتداخلة في علاقاتها وأبعادها النفسيّة والاجتماعية والسياسيّة، وامتداداتها السلطويّة المتجلّية في سطوة التقليد وهيمنة التاريخ.
يرى الزغول أن البحث عن الأب في أيّ من فنون القول مفتاح أساسيّ لفهم كثير من العلاقات النصّية المتداخلة بعالم الكاتب النفسيّ، ورؤيته للعالم اجتماعيّا وسياسيّا وتاريخيّا. مؤكدا أن الشعر "من أكثر الفنون التعبيريّة قربا من الذاتية، وقدرة على تكثيف العالم، ما يجعله ميدانا خصبا لقراءة هذا العالم الذي يضطرب في ذات الشاعر، ويتجلّى في القصيدة. فالقصيدة ليست مجرّد فكرة أو تشكيل فنيّ جميل، بل هي قبل ذلك رؤية الشاعر المتداخلة بحسّه الإنسانيّ الرفيع، وقدرته على النفاذ إلى ما وراء الظاهر. إنها عالم خصب غنيّ يتداخل فيه الماضي بكلّ تجلّياته، والحاضر بكلّ اضطراباته، والمستقبل بكلّ تحدّياته. فهي لحظة خلود فنيّ تكتب العالم متعالية على الواقع، لأنها تجمع الماضي والمستقبل في الحاضر". من هذا المنطلق فهو يركز في هذه الدراسة الطريفة على تحليل النصوص الشعرية في جوانبها التي تمثّل فيها الأب دون مراجعة أي قراءات أو نقود سابقة، ذلك أنّ تمثيل الأب لم يُبحث في الشعر العربيّ الحديث من قبل، أمّا التحليلات السابقة لبعض القصائد التي أخذت موقعا في هذه الدراسة، فلا تتّسق مع منهج البحث الذي يقرأ تلك القصائد في سياق متّصل مترابط.
يتقصّى الفصل الأول من هذه الدراسة تعبيرات الشعراء الحديثين عن فقد الأب، في محاولة لقراءة الشكل الذي تمّ عبره تقديم الأب الراحل، دون إغفال التعرّض لكثير من الجوانب الفنيّة في القصائد، إضافة إلى عقد مقارنات بين بعض هذه القصائد. ثم يقدّم قراءة لنصوص ترى الأب المفتقد في إطار صورة القرية الضائعة، وتربط بين المكان والأب في تعبيرها عن إحساس الشاعر بالفقد. بعد ذلك ينطلق من فكرة إحياء الأب المفتقد في الابن واستمراره عبره، والتي تجلّت عند شوقي، ليستقصيها في أكثر النصوص التي ظهرت فيها. كما أنّه يتناول القصائد التي قدّمت الأب عبر رؤية تمسّ الأسطورة وتتماهى معها ضمن مرجعيّات كلّ منها. أمّا الفصل الثاني فيحاول عبر النماذج الشعرية التي يبحث فيها، قراءة وتحليل معاناة الابن من سلطة الأب التقليدي سلطةً أولى في حياته، ومحاولاته للتمرّد عليها. كما يبحث في موقف الشاعر من سلطة التاريخ الراسخة في المجتمع العربي. ويرنو الفصل الثالث إلى الشعر الفلسطينيّ عبر تقديم ثلاثة نماذج أساسيّة من هذا الشعر الغنيّ بتمثيلات الأب، لعلها تختصر نماذج أخرى كثيرة تدور في فلكها، أو تكرّرها. وهي صورة محمد القيسي الثابتة للأب الشهيد، ورؤية عزّ الدين المناصرة المتميّزة للأب في سبيل الدفاع عن الهويّة الثقافيّة والتاريخية لفلسطين، وتجربة محمود درويش المتوهّجة بتمثيلات الأب، والمتجدّدة عبر تاريخ الصراع مع الاحتلال، حتى لتكاد تكتب كلّ فصوله شعريّا.
ينفتح الزغول في دراسته هذه على الأسطورة والتاريخ وعلم النفس والأسلوبية كلّما احتاج النصّ موضوع البحث إلى أيّ من ذلك، لكنه يعتمد على التأويليّة أساسا متينا يرتفع بالنقد إلى مستوى النصّ، فهو لا يتقوقع في إطار يظلّله ويحجب عنه ما يضيء طريقه أو يعينه على المضيّ في التحاور مع النصّ الأدبيّ فنّيّا. ولا بدّ من الإشارة إلى قلّة حضور الأب في الشعر العربي الحديث بصورته العامة، وظهوره ظهورا محدودا عند بعض الشعراء، وتجلّيه وسطوعه في نصوص بعضهم الآخر. وهذا ما فرض على الدراسة أن تخلو من عدد غير قليل من الأسماء الكبيرة في الشعر العربي الحديث، بينما حاورت عددا محدودا من النصوص لأسماء أخرى، في حين أنّها جالت في قصائد كثيرة لبعض الشعراء الذين اعتنوا بتمثيل الأب عناية جعلته جزءا لا يتجزّأ من تشكيل رؤاهم الشعرية.