رئيس الوزراء يتحدى تقرير لجنة التحقيق بمراكز المعوقين
كثير منا تابع وبشغف خلال الفترة المنصرمة الأوضاع الرديئة التي تعرضت لها مراكز ومؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة من انتهاك قد يتعدى في أبعاده كل النظريات والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية التي مورست ضد هذه الفئة البسيطة التي ترتضي بالقليل مقابل جزء من حياة كريمة في مجتمع كادت تخلو منه أسماء الرحمة والشفقة، إلا من رحمة الله الذي ساعد بقدرته على كشف هذه الحقائق لتلقى صداً لم يستحبه أحد ولم يجرؤ على عدم نقده الآخرون.
في كثير من الحالات المماثلة التي تحصل في دول أخرى، وربما تكون أبسط من ذلك، نرى أن القائمين على أصول المشكلة يبادرون مباشرة إما بالاستقالة أو بالاعتذار ومحاسبة القائمين على المشكلة، ليس من أجل النفاق، وإنما إسهاما منهم باعترافهم الضمني بأنهم غير قادرين على حماية من تولوا وصايتهم أو إيمانا منهم بأنهم قد أخطئوا في أولوياتهم.
في حالتنا هذه، وفي بلد قد تعددت به أشكال الفساد، لم يكن الحال مطابقاً، فقد اعتذر وزير التنمية الاجتماعية – ربما يكون مرغماً – على ما بدر من ممارسات غير إنسانية في هذه المراكز، وأقول مرغماً لسببين أولهما أنه يملك الخبرة والباع الطويل في إدارة وزارة التنمية الاجتماعية، ولكنه تجاهل هذه المشكلة التي طرحها هو بنفسه سابقاً، وثانياً وهو الأهم، لأن اعتذاره لم يكن موجوداً لولا الزيارة الاستباقية التي قام به جلالة الملك لهذه المراكز. ولكن الوزير رغم أنه قد يكون مرغماً إلا أنه أسهم في تغيير بعض الأمور ووضع بعضاً من النقاط على الحروف، في محاولة منه لتدارك ردة الفعل التي برزت، أو ربما قد يكون قد أدرك خطأ وزارته. فمن خلال شفافية تقرير لجنة التحقيق لم يحاول الوزير تبرير قصور وزارته، بل نسجل له تحمله لكل التبعات القانونية والأخلاقية التي حملتها وزارته خلال وقبل مراحل إطلاق التقرير، ولم يحاول إلقاء اللوم على أحد تهرباً من المسؤولية. بل تابع مسؤوليته بعدم تجديد عقد أمينه العام محمد الخصاونة الذي كان مسؤولاً عن متابعة كل أمور الوزارة من حين لآخر بسبب تعدد الوزراء مع بقاء شخصية الأمين العام. وهذا بالطبع قرار صائب نسجله أيضاً لمعالي الوزير الذي تأنى بإقالة الأمين العام لحين كشف جميع الملابسات والحقائق.
ولكن اللجنة في تقريرها لم توجه أصابع الاتهام إلى وزارة التنمية فقط، بل كانت أشد اتهاماً للمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، الذي قام بكل المحاولات لتبرير والتهرب من مسؤوليته رغم أن الحقائق كانت مرصودة وتبين تماماً أن المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين هو المسؤول أولاً وأخيراً بالاشتراك مع وزارة التنمية في ما حدث من انتهاكات قد تستمر وتطول، كون المجلس قد ساهم في التهرب من مسؤوليته عبر وسائل الإعلام ومحاولة إرضاء بعض الأطراف لتكميم الأفواه. لماذا لم تقدم الأمين العام استقالتها؟ ولماذا لم يتخذ سمو الأمير موقفاً حازماً؟ ولماذا سكت الديوان الملكي على التجاوزات الموثقة التي تسلمها ضد المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين؟ كل هذه أسئلة ربما يمكن الإجابة عليها كل حسب توقعاته وحسب ما هو موجود من حقائق على أرض الواقع. ولكن ما لم نتوقعه بأي حال من الأحوال أن يتم ورغم النزيف القائم استضافة رئيس الوزراء لأمين عام المجلس الأعلى لشؤون المعوقين في مكتب رئاسة الوزراء قبل أيام لتبريكها لعمل المجلس بدلاً من تأنيبها وإقالتها. فعلى عكس ما قام به وزير التنمية الاجتماعية من اعتذار وتأنيب للنفس، قام دولة رئيس الوزراء بتحدي قرارات اللجنة التي امتدت لأشهر في التحقيق للكشف عن مجرمي المراكز والمسئولين لمحاسبتهم حسب ما أقره و نادى به جلالة الملك في رسالته التي وجهها لرئيس الوزراء واقتبس منها الآتي:
" كما نؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لتحويل كل من يثبت تورطه بارتكاب تجاوزات وانتهاكات إلى القضاء، حتى ينال عقابه جراء ما ارتكبه من سلوكيات مشينة، ويكون عبرة لغيره ممن تسول له نفسه القيام بمثل هذه الأعمال المسيئة. "
إذن لماذا تقدم دولة الرئيس بتخطي الخطاب الملكي متجاوزاً كل البروتوكولات إن لم تكن الرسمية فالأخلاقية التي تنص على الالتزام الحرفي بنص الخطاب، ومحاسبة المتورطين وتحويلهم إلى القضاء؟ ألم يكن دولة الرئيس على اضطلاع بمجريات الأمور؟ ألم يشاهد دولة الرئيس الفيلم الوثائقي الذي أبكى الملايين؟ ألم يضلع دولة الرئيس على تقرير اللجنة الملكية؟ فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظمُ. إن تجديد الثقة الحكومية النابعة من رئيس الوزراء بأمين عام المجلس الأعلى للمعوقين رغم بيان قصورها وتجاهلها لقرارات اللجنة وسياسة المجلس الأعلى في رسم السياسيات لهذه المراكز، هو تحد واضح لإفشال عمل اللجنة التي أمر بها جلالة الملك، كون دولته لم يحاسب المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين عن قصورهم في مباشرة محاسبة أنفسهم أولاً، وفي التباطئ في تنفيذ قراراتهم التي وعدوا بها منذ أسابيع بتصحيح الأوضاع .
قد نتفهم أن يكون هناك تخبط في قرار سياسي أو اقتصادي ما، ولكن لا يمكن أن نتسامح أن يولد ذلك اعتداء على كرامة ومصير أطفال ذوي إعاقة الذين هم بحاجتنا لندافع عنهم ضد كل من تسول له نفسه لابتزازهم والنيل من حقوقهم؟ فهل تأثر دولة الرئيس بكلمات نسائية بسيطة ودموع كاذبة في لقاءه مع الأمين العام، أم أن هناك من قام بإحراج الرئيس في إبقاء الأمين العام؟ ولماذا هو نفسه لم يحرج الرئيس لعدم قبول إقالة أمين عام وزارة التنمية الاجتماعية. فوا أسفاه على وطن ضاعت حقوقه في الإحراج.