المفقـــــود
المدينة نيوز -
ماضٍ من الأيام، ما تتبدل
ذكرى تظل إذا الفتى يترجَّلُ
ذكرى بها قد أسفرتْ عن حالها
أحداثُها، صَرْعى بها تتقلقل
ويشُقُّ حاضرَها فتِيٌّ يانع
أضحت به تلك الغواية تنخُل
هي عشقه الأبدي، وهي حياته
وهي الردى في غيها والمأمل
هي فتنة الرائي شغوفاً طامعاً
سحرٌ من الأطياب عذبٌ سَلْسَل
قـدرٌ عليه، وللهـوا أسبابه
حُمَّ القضاءُ بها، وحُمَّ المقتل
والفتك صنعتها، فكيف يصدها
حرص به هذي الشواهد تَمْثُل؟َ
أضحت بقارعة الطريق يجنها
غولٌ يرى في ثوبها يتبدّل
تمشي الهوينى عارِضاً مستعرضاً
كالريم في عرض الربى تتنقّل
تختال عامدة، وتربُض مبسماً
لكأنها طيف سرى يتسلّل
ولَهَاً بها الملتاعُ إن تبْصُرْ به
طُلابُها من حولها تَتَجَحْفل
وتخالها ما إن دنت من ذا تَرى
أو ذاك وجهاً باسماً يتهلهل
فتنقّلت بين الوجوه كأنها
كالرسم ريشتُه انتقت ما يَجْمُل
وتخيّرته من الورى، فَجَرَى به
عَطَلٌ غشا عينيه مما تَشْهَل
أسِعفْ به غُنْماً لها، أوداجُه
هطّالةٌ فيضَِ الفتوّة جَدْول!!
متَنَفَّساً فيه الصبا مسْتَشْرَفاً
ما كاد فيه من الضلوع يُجَلْجِل
عهدي به في عنفوان شبابه
ليس الذي يُرجى به مُتَغَزَّل
فعلامَ، واحرقي!، يُقاد، أرى به
من تحته بأس الغِوى يتغلغل؟!
أضحى لها حظواً، وكان يشوقه
نار به تشوي وقلب يخْطََل
قدماه تَجْمَرّان في نعليهما
ولبابه المغدور فيه مُعَطّل
وشغافه نَوْحٌ يدُقُّ حَمِيَّها
عَجِلاً بما يأتي به المستقبل
أمٌّ له لو أدركت ما نابه
حالاً، لَعَمْرُ أبيه، بئس الموئل!!
لقَضَتْ بما اسطاعت يداً لفقيدها
حتى يَرِقَّ لمقلتيها الحنظل
هذي لعمري التهلُكات لذائذاً
من حيث جنيُّ الهوا يتغوّل
والقادم المشؤوم لو يدري به
ماضيه كان مع التعفف أنبلُ
ودنت له فإذا العيونُ حديثُها
سرعان ما أوحت به ما تحمل
سَحّاً تجود من الغرام يسوقها
زعْماً حواه من الشكاةِ تَعَوُّل
وغدت تناغيه الرغائب أخْيُلاً
برهافة من حيث تحيي تقتل
كالأنْمُلِ انتفضت فكنّ حباحِباً
من وَجنةٍ في صَفحِها تتنمّل
إذهبْ معي، فالدار، لو تدري بها
كم تشتهي جدرانها إذْ تُقْبِل!
إذهب معي، فالزهرُ حان قَطافه
أفما ترى سيقانُه كم تُثْقَل!
فتغرّد الغِرّيدُ في أحشائه
لكأنَما الأحشاءُ فيها بلبل
وتضاحك الدرب النديُّ لخطوه
فخطاه في درب الهوا تتسربل
ومضى يرِفُّ الليل أنْسَهما معاً
في ساعة صرعى وأخرى تثمُل
كان المساءُ حرارة قانيّةً
لا مطبقٌ جفناً ولا مترجِّل
والغرفةُ المعياةُ تنشد راحة
من زائرٍ لمّا يزلْ يسترْسِل
ليلى أحسُّ الدم بين أضالعي
يغلي، وروحي في حشاتي تصهل
وأحسُّ قلبي نبضَه هَلَعٌ به
لكأنه مَسٌّ به يتنزّل
وحشيةً يذوي الفقيد فداءَها
مستنزَفاً في جهده يتحلّل
وتأنُّ أضلُعه على سَكَراته
قِطَعاً شراهتُها لها تستأصَل
وتعُجُّ من شريانه رغباتِها
ويجُؤّه منها افتراسٌ أنكَل
نِعَمٌ له الأكُلاتُ، في لذاتها
منها اشتهى حيثُ الزمانُ الأول
فإذا انبلاج الصبح يَمْكُو ناهداً
جَسَدٌ به تَلَف وآخرُ يأفَل
وإذا انطواء الليل يحكي قصة
ذهبت به كالسحر حين يُخَيَّل
لتراهما روحين نائمتين في
كَنَفيْهما حُلُمٌ الصبا يتخضّل
هذي هي الساعات تأتي سُرّعاً
حيناً، وحاناً بعضها متأجَّل
ومضت به الأيام شاغلَ عهدِه
ما كان منه من الهوى مُتَجنْدَل
قَدَمٌ بها زَلَلٌ، وأخرى خلفها
ينعى بها أمساً غدٌ متسلسِل
والحال هذا الحالِ لا صَرْفٌ له
أملاً، ولا سببٌ به متعوَّل
سنةٌ مضت والناس بين مكذِّبٍ
مما اعتراه وبين راءٍ يذهَل
هذا الفتى ولّى بقادِم عهدِه
من قبل حين به الفتوة تحفل
هذا هو الملقى على أوجاعه
لم يبق من أضلاعه متأمَّل
عيناه ذابلتان في غوْرَيْهما
ويداه ترتعشان رَجفاً ينغُل
قد كان ماضيه يشقشق خافقاً
بشبيبة ترعى، وزندٍ يبسُل
فأبى له إلا المهالكَ، لاعجاً
يغترُّ فيه فتوة، ما يفضُل
حتى غدت عنه الفتوة غابراً
والباقيات بها غدٌ متحوِّلُ