ندوة " قراءة في تجربة الشاعر جميل أبو صبيح "
المدينة نيوز - في معرض تقديمه لندوة " قر اءة في تجربة الشاعر جميل أبو صبيح" التي أقامتها جمعية الفن التشكيلي قال الناقد الدكتور جاسر العناني ن أننا في حضرة شاعر رائد من رواد قصيدة النثر على مستوى الساحة العربية ،حيث حلق بهذه القصيدة في مدارات فلسفية طرقت أبواب كثير من الأغراض الإنسانية ، وأثارت قضايا فكرية متعددة ، كما أثارت الكثير من الجدل حول قضايا في صميم الراهن الإنساني بشكل عام ، وانعطفت نحو القضايا القومية والوطنية ، التي سجلها الشاعر في قصائده المتنوعة ،
واضاف الناقد الدكتور جاسر أن الشاعر يعتمد النفس الطويل في حواراته ، ويثير لدى القارئ الكثير من الفضول في اكتشاف ما يريد من حواراته ، وما يريد من طرح بعض القضايا الحياتية المحسوسة في الواقع اليومي للانسان ، وما يطرحه من قضايا معنوية وفكرية تجعل القارئ يحلق في مدارات ربما لم يتقصدها الشاعر نفسه ، لكنه بالتأكيد نجح في إثارة القارئ وأدخله في جدل وحوار نفسي مع هذه القضايا ،
ثم قرأ الشاعر قصيدة " سليمان " من مجموعة " أشجار النار " أدخلنا خلالها إلى جماليات المدهش والفسيح في المخيال الشعري ، وبخاصة ما تفتح قصيدة النثر للشاعر من جغرافيا لغة الشعر ومساحات استكشافية هائلة ارتادها الشاعر أبو صبيح في هذ ،ا موغلا في تضاريس تلك الجغرافيا :
"ها أنا .. أغسل يديّ بعصير الشعر
وأملأ زجاج قلمي بأمطار القصيدة
كي لا أترك عادتي الطيبة
أعلق الشمس كل ظهيرة على خشب السماء
فوق سطح بيتي تماما
أعلقها بمسامير صلبة
لتخترق أشعتها الكثة
جدران بيتي ونوافذه "
أما الناقد الدكتور حامد الخلايلة ، فقد رصد تجربة الشاعر من خلال دواوينه وما كتبه بعض النقاد العرب ، وبخاصة تلك الدراسة المطولة التي قدمنها الدكتور محمود درابسة في معرض حديث قديم حول مجموعة الشاعر " الأمطار" ،
وقد بدأ الناقد الخلايله قراءته بالحديث عن موقع تجربة جميل أبو صبيح في الشعرية العربية المعاصرة ، فقال انها تاتي في مقدمة التجارب الشعرية العربية الحديثة ، أثارت اهتمام الدارسين والمهتمين بالأدب ، خاصة في الأردن وفلسطين ، توقفوا خلالها - كما فعل الدكتور محمود درابسة والدكتور زياد أبو لبن والناقد إياد نصار وآخرون - عند أبرز الملامح الشعرية التي تميز نص جميل أبو صبيح ودوره في صياغة النص الحداثي ،
كما تناول الناقد الخلايلة في هذه القراءة الدلالات التي تحملها عناوين القصائد ، وعلاقتها بعنوان المجموعة ، حيث أوضح أن عنوان المجموعة غائب عن عناوين نصوصها ، بينما في الحقيقة أنه تحوّل إلى" خيط خفي ينظم النصوص جميعها،وعنوان ثان يختفي خلف كل نص"
وأضاف عنوان " أشجار النار" يقوم على مفاجأة مستفزة تصدم القارئ ، فالأشجار ذات دلالات الخصب والحياة تضاف عند جميل أبو صبيح إلى النار ذات الدلالة المزدوجة ، فالنار حارقة مهلكة وهي هنا رمز المعرفة والقوة ، إنها أشجار النار التي استمدت نارها من أصحابها ، تمنحهم الطاقة والفكرة وتعلمهم الكلمة ، يقول الشاعر في قصيدة " أربعة على حصان الحب" :
" لأن الشجر يشبهنا
نقطف ثمار أفكاره المضيئة
نثبته على جباهنا
مربوطا بعصب الأدمغة "
إن هذه الأشجار مرتبطة بالمكان / الوطن ، متعلقة به ، فهي أشجار الزيتون وشجرات التين المثمرة في بساتين أريحا ، ليست كتلك الغابات الإسمنتية التي لا تمت إلى عبق المكان بصلة دينية أو تاريخية ، يقول في قصيدة " مراثي الوعل " :
هؤلاء القادمون من الظلال
من غابات الإسمنت
وعرائس الحانات
يجرون خيولهم
وتجرهم الكتب الخرافية
وسكاكين الجسد "
فالصراع على المكان هو صراع من أجل الوجود ، فهؤلاء القادمون غيروا معالم المكان وهوّدوا كل شيء وحاولوا أن يصبغوه بصبغتهم ، يقول في قصيدة " الشجرات المقدسة "
وجاء غرباء يلكنون بألسنة معوجة
يجرون بيوتا خشبية
بأيديهم المدافع الرشاشة والمناشير
قطعوا الأشجار الصغيرة
وسيجوا شجرات التين بالأسلاك الشائكة
ثم صرخوا بأعلى ما في رؤوسهم
هذه الشجرات لنا
أحضرناها مع بيوتنا الخشبية
نحن شعب الله .... !!
ثم يختم الناقد حامد الخلالة قراءته بقوله "
لقد تميزت هذه المجموعة من قصيدة النثر بأنها أخرجت قصيدة النثر العربية من مجانيتها وأدخلتها إلى قضايا كونية وقومية ومحلية كما هي القصيدة العربية إجمالا ، وظهرت القصدية بها واضحة بلغة فنية عالية بعيدة عن المباشر والتسطيح ، كما أنها خلصت تلك القصيدة من عباءة الغنائية إلى السرد الحكائي الشعري ، وهي إضافة أغنت القصيدة العربية الجديدة وتميزت بها قصائد النثر عند جميل أبو صبيح عن لغة قصيدة النثر العربية المتداولة ، لعلها إضافة نوعية وفتح آخر في القصيدة العربية المعاصرة ، وبالتحديد قصيدة النثر .