نظرة في الحياة
تم نشره الإثنين 23rd تمّوز / يوليو 2012 05:12 مساءً
أحمد نضال عوّاد
إنّ الحياة بمعالمها الخلّابة ، وبقصورها المشيّدة ، وبخزائها الذهبيّة وإشراقتها الوضّاحة ، ومياهها العذبة الجارية في الأنهار العظام ، وبخيراتها على مرّ الأزمنة والعصور ، وبعطائها اللامحدود ، وبعيشها المستطاب في سعادة ورخاء ، فإنّها تصرّ على وجود الصّحراء الخالية بمسافات شاسعة ، كما تؤكّد على وجود الخراب والدّمار ، وتجزم على وجود المياه المالحة مرّة المذاق ، وتضع الحواجز والعواقب الرّامية إلى الحدّ من الإنجاز والإبداع ، هكذا هي الحياة وهي مخيّرة لمن يريد فسعيد أراد الهناء ، أو تعيس أراد الشّقاء .
وكما هي الحياة بحلوها ومرّها ، رخائها وضيقها ، خيرها وشرّها ، فقد وجد لكّل شيء نقيض مخالف ، فالكأس ممتلؤٌ وفارغ !
فإن أردنا الجانب المضيء وجدناه ، ولكنّه لن يأتي وليد اللحظة والتّمني ؛ وإنّما يأتي بعد الجدّ والإجتهاد ، وبعد السعي والإنجاز ، فالمقابل يحتاج إلى عمل ، وعمل هذه الحياة يكمن في الإبداع والإتقان ، مقرونا بعزيمة وإصرار ، حاذفا المستحيل من قاموس اللغات ، واضعا تحقيق الأهداف في سلّم الأولويات .
وإن أردنا الشّقاء والعناء فالطريق إليهما معبّد وسالك ، وليس بحاجة إلى إسترشاد ، فهو داء سهل الدّواء ، ولكنّه حيث الخراب والهلاك ، فما الفائدة من العيش بلا هدف تحقيقا للوجود ، وما العبرة من حياة لم تشهد بوجودك وإن قصر بك الزّمان ؟!
عن تحمّل المسؤولية نتهرّب ، وعلى الآخرين نلقي اللوم والعتاب ، فهذه تصرّفات الضّعفاء ، اللذين لا يجدون سوى تخليص أنفسهم من المشكلة حلّا يسيرا بدلا من التفكير في إيجاد الحلول الصّحيحة لها ، فالكلّ مسؤول عن الواقع ، فإمّا نماء أو تراجع ، وأنت من تقرّر ذلك في أفعالك المجسّدة بأعمالك والمحققة بالسلوك الداعي للعلوّ والإرتفاع وإلا حققت الهبوط والإنخفاض .
حياتنا فيها المحبة والوئام وبها الرّاحة والإطمئنان وتدعو إلا الأمان والسّلام ، فلماذا نعمل على جعلها لوحة مسوّدة في وجه العدالة والمساواة ، ونصرّ بأفعالنا على نشر المفاسد والشّرور ، ممّا يبعث الرّعب والوَجَل وفقدان المعاني الجميلة وإفشاء الدّمار والتخريب .
قيمنا إن تمسكنا بها نجونا من تيار الحاقدين وتدبير الغاصبين والمعتدين ، فهي داعية إلى ما فيه الخير للجميع ، وقد لا نتفق معها في بعض الأحيان ولكنّها بالمجمل تعمل على بعث الرّاحة والسّكينة في النفس البشرية .
لنا حقوق ولكن بالمقابل علينا واجبات ، طرفان مرتبطان لا ينفصلان عن بعضهما إلا في الطّوارئ والمحن فعندها قد يُسمح بآداء للواجبات من دون الحصول على الحقوق ، لأنّ في ذلك واجب يحتّم على المرء أن يدافع عن أرضه وأن يعمل على صون عرضه ونفسه .
الحياة مليئة بالمشكلات الجسيمة ،ولكنّ الصّبر والتدبّر في التفكير ، والتصرّف بحكمة وموضوعية ، بعيدا عن النّزعة الذّاتية ، وبعزيمة قوية ، طريق من طرق عديدة للوصول إلى الحلول القديرة .
رغبتنا في التغيير هي الأساس والمنبع ، فليس التغيير بالإجبار والقوّة ، وإنّما منبعه الضّمير، والنفس العاقلة التي تسعى إلى الرّشاد والصّلاح ، فالتغيير لا بدّ أن يكون أساسه قاعدة متينة غير قابلة للكسر والتهشيم ، و منبته حبّ الوصول إلى المثاليّة ، وتوق النّفس إلى بلوغ الغايات .
بأيدينا نصنع المستقبل ، وبعقلنا نخطّط لما سيكون من إنجاز ، ضمن أسس موضوعية ، تتسّم بالقدرة على التطبيق ، ولكن لا بدّ من كسر حاجز الخوف والرّهبة ، وتحطيم العجز والمستحيل ، فالذكاء الخلّاق قدرة في البشريّة ، لذا وجب علينا السّعي إلى إبراز المواهب المختلفة والقدرات البنّاءة والعمل على تنميتها لتسهم في تحقيق الإنجازات المتوالية والتي تكون في مصلحة الفرد والمجتمع وتعمل على النّماء والإزدهار .
أفعالنا تعكس طبيعتنا ، لذا وجب علينا الحرص على أن نقوم بما هو بنّاء بعيدا عن الغلوّ والتّطرف ، لنعكس الصورة الإيجابية والمثلى عن مستوى الأداء الذي نقوم به في مختلف الظّروف والأحوال .
سلوكنا يعمل على التغيير ، فلسنا بمعزل عن مجتمع كبير ، بل نحن جميعا جزء في التّكوين ، فعلينا أن نصنع الفارق بين الحاضر والماضي ، وأن نتطلّع إلى مستقبل منير ، تصرّفك يحدث فارقا بالسّلب والإيجاب ، فلتحرص على تنمية الإيجابيات والقدرات والنجاة من تيّار خطير فيه سلبيات وتدمير .